ثقب الرأس علاج القدماء من الأمراض

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في فترة طويلة من عصور ما قبل التاريخ، مارس البشر عمليات جراحية بدائية تُسمّى “النقب”، ويتم فيها إجراء ثقب في رأس الشخص الحي إما عن طريق الحفر أو بكشط طبقات العظام الخارجية للجمجمة باستخدام أداة معدنية حادة.

ويُعتقد أن الإجراء كان يتم قديماً إما لأسباب دينية مبنية على المُعتقدات، أو لعلاج بعض الأمراض والحالات المستعصية أو غير المفهومة في ذلك الوقت، مثل الأمراض النفسية والصداع المستمر وغيرها.

وقد تم اكتشاف آلاف الجماجم التي تحمل علامات “النقب” أو ثقوب الرأس في مواقع أثرية مختلفة حول العالم.ورغم تواصل إجراء عمليات ثقب الجمجمة في بعض المدن والجزر النائية في القرن العشرين، فإنه في هذه الحالات على الأقل تم إجراؤها للاعتقاد بأنها تساعد في علاج الألم الناجم عن صدمة الجمجمة أو الأمراض العصبية. وهو ما يثير الاعتقاد لدى علماء الأنثروبولوجي بأن عمليات النقب كان لها غرض مماثل في عصور ما قبل التاريخ.

هل كانت طقوساً ومعتقدات؟

ولكن بالإضافة إلى ترجيح استخدامها لعلاج الحالات الطبية، لطالما اشتبه الباحثون في أن القدماء أجروا ثقوب الرأس لسبب مختلف تماماً، وهو الطقوس والمُعتقدات.

يشير تقرير لموقع BBC إلى أن أقدم دليل واضح على إجراء عمليات ثقب الجمجمة يعود إلى ما يقرب من 7000 عام.

وكانت تمارس في أماكن متنوعة مثل اليونان القديمة وأمريكا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وبولينيزيا والشرق الأقصى. وقد طور الناس هذه الممارسة بشكل مستقل في عدة مواقع.

ورغم التوقف عن إجراء عمليات ثقب الجمجمة في معظم الثقافات بحلول نهاية العصور الوسطى، لكن هذه الممارسة كانت لا تزال تُجرى في أجزاء قليلة معزولة من إفريقيا وبولينيزيا حتى أوائل القرن العشرين.

ثقب الرأس لعلاج المرض النفسي

ربما تكون أشهر صور جراحات النقب في الرأس لعلاج الأمراض العقلية، هي لوحات عصر النهضة الفلمنكية المبكر.

وفي لوحة “علاج الجنون للرسام هيرونيموس بوخش من القرن الـ15 تقريباً، يظهر عملية إجراء شق جراحي في فروة رأس رجل واعٍ.

وبترجمة النقوش أسفل الرسمة، جاء ما معناه “يا معلّم نقّب عن أحجار الحماقة”. وهي الصور المشابهة لعملية إزالة ما يُدعى بـ”حجر الحماقة” من الرأس التي وردت في رسومات بيتر بروغل، وجان ستين، وبيتر هويز، وفنانين آخرين في ذلك الوقت، بحسب موقع Art UK الفني.

وفي عام 1652، ذكر كتاب للقس والطبيب الإنجليزي روبرت بيرتون، بعنوان “تشريح الكآبة”، أن إحداث ثقب في الجمجمة كان طريقة معتمدة لعلاج “الجنون”، وهو الإجراء الذي كتب عنه كذلك عالم التشريح العصبي والطبيب في أكسفورد توماس ويليس (1621-1675)، وفقاً لمجلة The Reader الثقافية.

وكان يُعتقد أن كل الأمراض النفسية مثل الفصام والهوس والهلاوس والاضطرابات الحدية والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية، تندرج تحت مرض “الجنون”.

وكان من الشائع في تلك الحقبة طقوس معينة لعلاج الاضطرابات النفسية والهلاوس غير المفهومة طبياً في ذلك الوقت، بينها إجراء ثقب في جمجمة المريض، والذي كان على الأرجح يتسبب في أعراض جانبية من بينها الخمول والتعب والعطب العقلي، وبالتالي تم الاعتقاد أنه بذلك حقق الشفاء بسبب هدوء المريض.

وبحسب مجلة The Reader، توقف بحلول القرن الثامن عشر تقريباً، استخدام عمليات النقب لعلاج الاضطراب النفسي أو الصداع. وتوقف استخدام حفر الجمجمة لعلاج “الاضطرابات الداخلية في الرأس”، إلا في بعض الجزر النائية في المحيط الهادئ والأطلسي،  أو في بعض المدن المنعزلة في آسيا وإفريقيا.

قد لا ينجو الجميع!

في عام 1997، عندما كان علماء الآثار ينقبون في موقع دفن يعود إلى عصور ما قبل التاريخ بالقرب من مدينة روستوف أون دون في أقصى جنوب روسيا، بالقرب من الروافد الشمالية للبحر الأسود.

ووفقاً لـBBC، احتوى الموقع على بقايا هياكل عظمية لـ 35 شخصاً، في 20 قبراً منفصلاً تعود إلى ما بين 5000 و3000 قبل الميلاد تقريباً، وهي فترة تُعرف باسم العصر الحجري النحاسي أو “العصر النحاسي”.

واحتوت إحدى المقابر على هياكل عظمية لخمسة بالغين، هم امرأتان وثلاثة رجال، بالإضافة إلى رضيع يتراوح عمره بين سنة وسنتين، وفتاة في منتصف سن المراهقة.

عملية ثقب الرأس لم يكن ينجو منها سوى 40% فقط في بعض الحضارات القديمة – WikiMedia

والغريب كان أن المرأتين والرجلين والفتاة المراهقة قد حظوا جميعاً بثقوب في جماجمهم. وكان كل ثقب بعرض عدة سنتيمترات، مع وجود علامات كشط حول حواف تلك الثقوب.

وبالكشف عن صحة الهياكل العظمية لمعرفة ما إذا كان أي من هؤلاء الأشخاص قد عانى من الأمراض أو الإصابات، لم يتم التوصل إلى شيء. كانوا جميعاً في صحة جيدة وفقاً لنتائج البحث. وهو ما يشير إلى احتمالية إجرائها كطقس أو شعيرة.

إلا أنه وفقاً لطريقة تعافي العظام وشقوق الثقب المحفورة في الجمجمة، اتضح أن إحدى السيدتين قد توفيت أثناء أو بعد العملية بوقت قصير، بحسب BBC.

هل كانت لعلاج الصداع؟

يقول عالم الأنثروبولوجيا الشرعية الأمريكي جون فيرانو، الذي اهتم بشكل خاص بدراسة الهياكل العظمية التاريخية التي حظت جماجمها بجراحة النقب، وفقاً لموقع CNN أن عملية ثقوب الرأس ربما كان لها وظيفة مسكّنات الأسبرين لآلام الصداع!

وقال فيرانو: “من المحتمل أن يكونوا قد ثقبوا رؤوس المرضى لمحاولة تخفيف الصداع أو الدوار”.

وقبل مئة عام تقريباً، قامت بعثة استكشاف أمريكية بالعثور على كهف دفن من حضارة الإنكا في بيرو عام 1911، واكتُشفت فيه جماجم احتوت على خمسة ثقوب في طبقات من العظام الملتئمة.

ثم في عام 1936، كشفت أعمال تنقيب في موقع دفن آخر لحضارة الإنكا عن جماجم أكثر غموضاً بها ثقوب متعددة ملتئمة، تراوحت من 5 إلى 7 ثقوب متسقة الحجم كان بعضها ملتئم الحواف، ما يعني أن أصحابها نجوا من العملية وعاشوا لفترة بعدها.عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post حكايات المدار الفنية (هند رستم الصعود للقمة )
Next post هنا وطنى “سيدى رمضان 3”