ألمانيا وانقسامات حول التعاون مع تركيا
مراجعة نهى العبادي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ تختلف وجهات النظر الألمانية تجاه سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سواء فيما يخص سلوكه تجاه دول الاتحاد الأوروبي أو تجاه منطقة الشرق الأوسط التي ينتج عن تدخلاته العسكرية بها موجات هجرة تتضاعف من الالتزامات المالية و الأمنية لمنطقة اليورو.
ألمانيا والملف السوري
أن الإستراتيجية الأكثر رواجًا لدى أحزاب المعارضة الألمانية تستند على ضرورة اتخاذ الحكومة موقفًا حازمًا تجاه تصرفات رجب طيب أردوغان التي يعتبرونها انتقاص لمكانة المنطقة الأوروبية وتهديد أمنها عبر التلويح من آن لآخر بإرسال دفعات من عناصر تنظيم داعش الأجنبية نحو القارة، كما أن أبرز الرغبات لدى الشارع الألماني هي مراجعة عضوية أنقرة بحلف الناتو لقيادتها حرب تخالف القانون الدولي في سوريا.
طالب الحزبان حكومة ميركل بإيقاف تصدير الأسلحة لتركيا بشكل كامل معتبرين أن استخدام دبابات ليوبارد في العمليات العسكرية في سوريا أمر غير مقبول، وقال نائبان من الممثلين لأحزاب المعارضة وهما النائبة كلوديا روت والنائب جيم أوزدمير إن التعاون التركي مع أنقرة أظهر فشلا سياسيًا عززته الطريقة الاستبدادية الديكتاتورية التي يحكم بها رجب طيب أردوغان، مطالبين باستدعاء السفير التركي لدى برلين وممارسة ضغوط اقتصادية على البلاد.
تصف أحزاب المعارضة العلاقات بين حكومة ميركل وأردوغان بالفاشلة والكارثية، موجهًا إدانة لاستعمال الجيش التركي للدبابات الألمانية ليوبارد 2 ضد الأكراد في شمال سوريا، كما أنهم يتعاملون مع الرئيس التركي كشخص يزدري دولة القانون، وتعتمد المعارضة على الملف الاقتصادي كآداة قد تكون رادعة لأردوغان، مطالبين بإلغاء ضمانات هيرميس الخاصة بتأمين الصادرات الألمانية إلى تركيا
تتمثل أغلب المطالبات المضادة للتعاون بين برلين وأنقرة في فرض عقوبات على أنقرة لعملياتها العسكرية المخالفة في سوريا، بما في ذلك عقوبات مالية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وأعضاء حكومته وقادة الجيش، مع وقف كامل للتعاون العسكري بين البلدين، وإنهاء العمل بالاتفاقية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة بشأن اللاجئين، وإيقاف استخدام الطائرات الألمانية تورنادو في العمليات ضد داعش في سوريا.
اختلفت الأحزاب الألمانية حول مقترح انجيلا ميركل بأهمية دعم إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا لإنقاذ الوضع الإنساني المتدهور في إدلب، كما تسبب هذا المقترح في إثارة غضب الحزب الشريك بالائتلاف الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) الذي اعترض على المقترح، وتجدر الإشارة إلى وجود أحزاب تطالب بتوقف القوات الألمانية عن قتال داعش في سوريا.
الشارع الألماني وملف اللاجئين -أمن دولي ـ
تنظر الأحزاب الألمانية لملف اللاجئين بشكل مختلف وفقًا لمعيار قيم العنصرية بداخلها، إذ تختلف الأحزاب المحافظة عن الشعبوية في تعاملها مع الملف، فمن جهته يدعم حزب الخضر انسحاب الاتحاد الأوروبي من اتفاق اللاجئين مع أردوغان لعدم التزامه به وانتهاجه سياسة استفزازية تجاه دول اليورو.
يكمن الحل في التفاهم مع تركيا، تلك هي الرؤية الأقرب للمستشارة انجيلا ميركل التي تظهر تقديرها الالتزامات الإضافية على عاتق أنقرة جراء هذا الملف، مشددة في ذات الوقت على أن أردوغان لا يجب أن يبدي تذمره من الوضع على حساب اللاجئين وأوضاعهم الإنسانية، وقال وزير الخارجية، هايكو ماس في 2 مارس 2020 إن برلين لن تسمح بتوظيف اللاجئين لأغراض جيوسياسية معترفًا بالأعباء التي تواجهها الحكومة التركية.
أن القتال الدائر في سوريا والذي تستثمره القوى الدولية لتحقيق مصالحها كتركيا وروسيا يعد سببًا مباشرًا في نزوح الملايين نحو أوروبا طمعًا في الأمان، ومن ثم تتعاطى الأحزاب الشعبوية مع الملف بشكل مختلف، في 18 نوفمبر 2019 زار وفد من الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي سوريا وسط انتقادات حادة من باقي الأحزاب.
وتقدم حزب البديل قبل السفر إلى البوندستاج بطلبات حول إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والتركيز على جهود إعادة إعمارها، ولكن ترى الأحزاب الأخرى وبالأخص الخضر أن هذه الزيارة هدفها إظهار سوريا كدولة آمنة وذلك لإعادة اللاجئين وإجبارهم على العودة وهو ما يعتبره الحزب غدر وانحراف. .
ألمانيا وملف شرق المتوسط -أمن دولي ـ
أن سياسات أردوغان في شرق المتوسط وصراعه مع اليونان وقبرص وفرنسا جراء التنقيب غير المشروع عن الغاز في المياه الإقليمية للدولتين يضع العلاقات الألمانية الأوروبية في مأزق، فمن جهة هناك حتمية للحفاظ على مصالح تركيا وألمانيا، ومن جهة أخرى هناك التزامات من برلين نحو الإقليم الأوروبي، وتفسر هذه الاشتباكات ضعف الإجراءات العقابية المفروضة على نظام أردوغان حتى الآن.
ودعمت ميركل الحوار بين الأطراف المتصارعة، وطالبت أنقرة وأثينا بضبط النفس وسط تصعيد فرنسي مباشر ضد أنقرة لحماية مصالح تربط بين باريس وأثينا بالإضافة إلى مصالح فرنسا نحو الغاز الليبي، ومن جهته طالب حزب الخضر في أكتوبر 2020 بفرض عقوبات صارمة ضد النظام التركي لممارساته المخالفة قانونًا في شرق المتوسط.
قراءة حول الاختلافات الألمانية تجاه تركيا
تتعدد رؤى ألمانيا تجاه التحركات التركية في سوريا وفقًا للتيارات السياسية، فمن جهتها تورد الحكومة أسلحة إلى الجانب التركي رغم قرار الحظر الجزئي على مبيعات السلاح لأنقرة بسبب الاجتياح السوري، ولكن أحزاب المعارضة تعترض وأبرزها حزب الخضر واليسار.
تبقى حكومة المستشارة انجيلا ميركل حليف غير تقليدي لأردوغان، في صورة إستراتيجية مزدوجة، فمن جهة تحافظ على تمسكها بمصالحها الاقتصادية والسياسية على نحو أولي من التوافق، ومن جهة أخرى تروج لصبغة إنسانية وإقليمية توازن بها القضايا الخلافية بين الشركاء الأوروبين وأنقرة.
يظهر على الجانب الآخر من العلاقات الألمانية التركية أحزاب المعارضة الألمانية التي تدعو الحزب الحاكم لتبني سياسات أكثر تشددًا للتعامل مع استفزازات أردوغان، وبالأخص ملف اللاجئين الذي يوظفه لابتزاز قادة بروكسل، إلى جانب تغيير الرؤى نحو الملفات المختلف عليها في الشرق الأوسط لتأثيرها العميق على المنطقة، بيد أن هذه الأحزاب منقسمة فيما بينها حول الطريقة المثلى للتعامل مع تلك الملفات، ما يكرس الانتقادات المتبادلة.
يمكن للحكومة الألمانية أن تلعب دور الوساطة بين تركيا ودول المتوسط وأوروبا حول النزاع على ثروات المنطقة، ولكن الأهم هو نفوذها وقدرتها على التأثير على الأطراف المتنازعة، ويظهر الرد على ذلك في مؤتمر الأمن الليبي الذي استضافته لحل الملف ولكنه لم يسفر عن مخرجات ملزمة للجهات المعنية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات