عالم الانترنيت يتباطأ

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مما لا شك فيه أن عالم الإنترنت يتوسع باستمرار بشكل لا تخطئه العين، هذا الأمر منطقي ومفهوم مع تزايد المجالات وأعداد المواقع كل يوم. ففي العام الماضي – على سبيل المثال – تجاوز عدد المواقع المسجلة على نطاق دوت كوم 150 مليون موقع،  . حتى الآن لا توجد مشكلة. لكن المعضلة التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة هي أن معدل هذا التوسع بدأ في التراجع! نعم لا يزال التوسع مستمرًا، لكن بمعدل أبطأ من السابق.

هل تسأل عن السبب؟ كلمة السر: الشركات العملاقة، التي باتت تهيمن بشكل أكبر، وأوضح على عالم الإنترنت الذي كان يفترض أنه بدأ بوصفه مصدرًا للابتكار والأفكار الجديدة والإلهام، وفتح المجال للحرية والتنوع والمنافسة.

نمو عالم الإنترنت يتباطأ!

الآن، وبعد أكثر من ربع قرن منذ أول استخدام تجاري له، فإن نمو عالم الإنترنت الذي انطلق تجاريًّا عام 1994، يتباطأ الآن في بعض الفئات والمجالات الرئيسة. هذا الأمر رصدته دراسات حديثة للعلماء على مدار عدة سنوات ماضية، عبر تحليل الاتجاهات العالمية في التنوع والهيمنة عبر الإنترنت.

أحد أحدث الدراسات التي سلطت الضوء على هذا الأمر، كان بحثًا نُشر نهاية شهر أبريل (نيسان) 2021 في مجلة   «Public Library of Science (PLOS One)»، كشف عن بعض الاتجاهات طويلة المدى في كيفية تنافس الشركات في عصر الويب. ورصد هذا البحث بوضوح وجود اهتمام كبير تجاه مجموعة قليلة، لكنها مسيطرة بشكل متزايد، من المؤسسات على الإنترنت.

حلل الباحثون أكثر من 6 مليارات تعليق لمستخدمين من موقع التواصل الاجتماعي «Reddit» الذي يعود تاريخه إلى عام 2006، بالإضافة إلى 11.8 مليار مشاركة على «تويتر» منذ عام 2011. الهدف كان تحليل جميع الروابط والإحالة إلى المواقع الأخرى، والخدمات عبر الإنترنت لفهم ديناميكيات نمو الروابط والهيمنة والتنوع خلال العقد الماضي.

فما الذي وجده الباحثون؟ قبل عقد من الزمن، كان هناك تنوع أكبر بكثير في المجالات ضمن الروابط التي نشرها مستخدمو هذه المواقع، مع أكثر من 20 نطاق إنترنت مختلفًا لكل 100 رابط عشوائي نشره المستخدمون. لكن الآن، يوجد حوالي خمسة نطاقات مختلفة فقط لكل 100 رابط ينشرها المستخدمون. هذا يدل على قلة التنوع في المجالات والمواقع.

الشركات الكبرى تهيمن على الفضاء السيبري وتزداد ثراءً

في الواقع، يتركز حاليًا ما بين 60-70% من إجمالي الاهتمامات على منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية على 10 نطاقات إنترنت شائعة فقط. الأمر لا يتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي فقط، بل يمتد أيضًا إلى كل شبكة الإنترنت. والنتيجة أن الشركات الكبرى تزداد هيمنة وثراءً على الإنترنت.

يتضح من تحليلات العلماء المستمرة أن سلطة وتأثير وظهور أفضل ألف موقع عالمي وفقًا لنظام ترتيب الصفحات كل شهر تتزايد على حساب جميع المواقع الأخرى. ويزعم الخبراء أن الإنترنت مصمم ليكون مناسبًا للشركات؛ بل معاديًا للأشخاص الذين يستخدمونه، وهو ما يطلق عليه اسم «بنية معلومات معادية.

الأمر لا يتعلق فقط بموضوع الخصوصية كما نعتقد، لكنه أعمق من هذا. على سبيل المثال، فإن العملاء الحقيقيين لموقع «فيسبوك» ليس الأشخاص العاديين مثلنا الذين نستخدمه يوميًّا، لكنهم المعلنون. لذلك، كان على «فيسبوك» أن يدفعنا للبقاء عليه والارتباط به بشكل دائم دون أن نشعر، وربما لهذا السبب هو موقع مجاني يتطور بشكل يجعله نظامًا متكاملًا، لا يمكنك مغادرته بسهولة خلال التصفح، لدرجة أن فكرة إلغاء الاشتراك عليه باتت غير قابلة للتطبيق لمعظم المستخدمين.

واهتمامات المستخدمين تتقلص أيضًا

من جهة أخرى، يبدو أن الإنترنت يتقلص حقًّا، ليس عبر كونه أقل شعبية أو عبر نقص عدد السكان فيه، بل إننا كمستخدمين أصبحنا نحدد شبكتنا الشخصية عبر هذا العالم الواسع. وبالتالي، أصبحنا نشاهد عددًا أقل من المواقع بشكل متكرر. نحن نركز على تصفحنا وولائنا لعدد قليل من المصادر.

لنضرب هذا المثال. تخيل أنك رزقت بطفل حديثًا، وهو الطفل الأول لك وليس عندك سابق تجربة في تربية الأطفال وأمراضهم والتعامل معهم. بالتأكيد ستقوم في الأشهر الأولى بتفقد واستكشاف كامل شبكة الإنترنت تقريبًا للبحث عما يمكنك فعله عندما يتأخر الطفل في إتمام عملية الإخراج لديه عن المعتاد، أو عندما يتأخر ظهور أولى أسنانه مثلًا.

مع مرور الوقت، سيقل عدد المواقع التي تستكشفها، وستبدأ في الاعتماد على موقع أو موقعين، أو ربما متابعة أحد الأطباء عبر «فيسبوك». وبمجرد أن بدأت في متابعة هذا الطبيب أو هذا الموقع، انتهت هنا عملية البحث، وستبدأ في الاعتماد على هذه المصادر بشكل حصري. من هنا، تحولت من مستكشف إلى مستوطن.

حتى عملية البحث. في السابق كان هناك تنوع بارز في محركات البحث مثل «ياهو» وغيرها، لكن الآن الغالبية العظمى تعتمد على موقع «جوجل»، وهذا ما تخبرنا به الأرقام والإحصائيات؛ إذ يهيمن محرك «جوجل» حاليًا على 92% من مستخدمي الإنترنت مقابل 1.5% فقط لصالح «ياهو» و2.3% لصالح محرك «bing».

لعادية، بينما كموقع، كان موقع «ياهو» على القمة طوال سنوات عديدة قبل أن يزيحه «جوجل» و«فيسبوك» في السنوات الخمسة الأخيرة.

وعليه، يمكن القول بأن الإنترنت آخذ في الانكماش لأننا لم نعد نستكشف. ففي بداية عصر المعلومات، اكتشفنا شعورًا بالإثارة في البحث عن المعلومات وتصفحها من أي مكان وفي كل مكان. الآن، بعد أن أبحرنا إلى حافة ذلك العالم، عدنا للاستقرار مرة أخرى في مكاننا المريح، وأحد الأسباب الرئيسة لهذا التحول هو تلك المواقع الكبرى التي جمعت لنا الكثير من الأشياء في مكان واحد.

تأثير سلبي لهيمنة الشركات الكبرى على الإنترنت

بدلًا من أن يكون الإنترنت عالمًا للابتكار والتنوع، أصبح الآن أيضًا وسيطًا يخنق المنافسة ويعزز الاحتكارات، وهيمنة عدد قليل من اللاعبين. نتيجةً لذلك، وبينما لا يزال هناك نمو في الوظائف والميزات والتطبيقات المعروضة على الإنترنت، فإن عدد الكيانات والمؤسسات التي توفر هذه الوظائف بات يتقلص نتيجة هيمنة تلك الشركات الكبرى.

أحد الأسباب الرئيسة وراء زيادة هيمنة هذه الشركات وتحكمها؛ هو عمليات الاستحواذ المستمرة على المواقع والتطبيقات والخدمات الناشئة مما يجعل نطاق توفير الوظائف والمنافسة أقل.

شركات مثل «أمازون» و«أبل» و«فيسبوك» و«جوجل» (يطلق عليهم اسم الأربعة الكبار) تهيمن الآن على العديد من جوانب حياتنا. هذه الهيمنة جاءت باستحواذهم على مئات الشركات على مدى عقود لدفعهم ليصبحوا من أقوى الشركات التقنية العملاقة في العالم.

وكل هذه الشركات اتبعوا نمطًا مشابهًا؛ في البدء أصبحوا مهيمنين في مجال أعمالهم الأصلية، مثل التجارة الإلكترونية لـ«أمازون» والبحث في جوجل. ثم قاموا بتنمية أنشطتهم عبر الاستحواذ في قطاعات جديدة لإضافة مزيد من الإيرادات وتجنب المنافسين. شركة «أبل» على سبيل المثال استحوذت  على 27 شركة ناشئة في مجالها الأصلي وهو البرمجيات والتطبيقات، لكنها منذ نهاية القرن العشرين، استحوذت على 96 شركة في مجالات أخرى جديدة.

«جوجل» أيضا استحوذت على 81 شركة في مجال البحث والخرائط (مجالها الأصلي)، لكنها استحوذت على 187 شركة في مجالات جديدة.

تأثير آخر مهم؛ إذ إنه على عكس العالم الطبيعي، لا توجد ملاذات حماية على شبكة الإنترنت. على سبيل المثال، فكرة أن الشركات يمكنها الحفاظ على ميزة تنافسية كونها توجد بشكل مادي على أرض أو في دولة معينة باتت ضعيفة بشكل واضح الآن. وفي الوقت ذاته، وفرت شبكة الإنترنت فرصًا جديدة للشركات لإنشاء متاجر من أي مكان في العالم، وخدمة قاعدة عملاء عالمية سائدة ومتخصصة.

هذا يعني أن قواعد التنافسية اختلفت تمامًا، ولم يعد هناك أي نوع من الحماية للشركات الناشئة. لذلك أصبحت أفضل طريقة لتشجيع التنوع هي أن يكون لديك المزيد من الأعمال التجارية العالمية عبر الإنترنت التي تركز على تقديم خدمات متنوعة، من خلال تلبية احتياجات المستهلكين المتخصصة بشكل متزايد. أي القيام بإنشاء شركات محلية تخدم قطاع متخصص من المستهلكين، وتلبي احتياجات معينة لديهم لا يمكن أن تلبيها الشركات الكبرى.

Sasapost

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post أزياء عيد الفطر القادم
Next post ملكة بريطانيا تهنئ ميغان وهاري بميلاد ابنهما