بايدن يستقبل أول رئيس دولة عربية
غيث العمري وبين فيشمان
شبكةالمدار الاعلامية الاوروبية…_من المتوقع أن تؤدي الزيارة المرتقبة للعاهل الأردني إلى واشنطن إلى تمهيد الطريق نحو إجراء مفاوضات حول المساعدة الأمريكية المستقبلية للأردن وتسمح للملك عبد الله بالتعبير عن آرائه بشأن الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية وغيرها من القضايا الإقليمية, بإمكان البيت الأبيض تعزيز العلاقات بين البلدين والضغط و (بصورة غير علنية) من أجل إجراء إصلاحات قابلة للتحقيق.
تشير الزيارة المرتقبة للعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني – وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس دولة عربي منذ تولي الرئيس بايدن منصبه – إلى استئناف واشنطن للعلاقات القوية تقليدياً مع أحد أقرب حلفائها في الشرق الأوسط.
وبالنسبة لعمّان، تأتي الزيارة في فترة مليئة بالتحديات المحلية والخارجية الصعبة، لذلك سيطرح الملك خلالها مجموعة متكاملة من القضايا الملموسة.
ظروف حافلة بالتحديات
على الرغم من أن الأردن احتفل مؤخراً بالذكرى المئوية لتأسيسه، متحدياً توقعات لا تحصى بانهياره الوشيك، إلا أن المملكة لا تزال تحاول الصمود في وجه خلاف علني غير مسبوق في العائلة المالكة. ففي الرابع من نيسان/أبريل، أعلنت الحكومة عن الكشف عن مخطط لزعزعة استقرار البلاد، ووفقاً لبعض التقارير كان ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق للملك عبدالله، حمزة بن حسين، متورطاً به. وتمّ احتواء المخطط بذاته – فقد أقسم حمزة الولاء للملك، وحُكم على اثنين من شركائه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً، ولم ينشأ عن الحادث أي اضطرابات عامة (في الواقع، ربما كان ذلك بمثابة تذكير للأردنيين بتكلفة عدم الاستقرار). ومع ذلك،
سلطت الأزمة الضوء على حجم المشاكل الاقتصادية وتصوّرات الفساد المنتشرة في المملكة.
وقد أثر تفشي جائحة فيروس “كورونا” على الاقتصاد الأردني الذي يعاني منذ فترة طويلة. فقد وصلت البطالة في المملكة إلى ما يقرب من 25 في المائة في مرحلة ما، من بينها معدّل بطالة مذهل بين الشباب وصل إلى 50 في المائة. وبفضل مساعدة “البنك الدولي” وجهات مانحة أخرى، أقرّت عمّان دفع مساعدات للإغاثة الاجتماعية لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، لكن هذه الخطوات ليست سوى بدائل مؤقتة.
وحتى قبل انتشار الجائحة، كانت الصعوبات الاقتصادية قد أشعلت فتيل احتجاجات متكررة واسعة النطاق، شملت مجموعة من التظاهرات التي أدّت إلى استقالة رئيس الوزراء في عام 2018. وبسبب تراكم هذه التحديات، فقد قوضّت ثقة الشعب بالحكومة ومجلس النواب
والأحزاب السياسية ومؤسسات أخرى، باستثناء العاهل الأردني والجيش والأجهزة الأمنية الذين احتفظوا بمستويات عالية جداً من ثقة الشعب، وفقا لاستطلاع جرىفي ايلول /سبتمبر 2020.
وعلى الصعيد الخارجي، يواجه الأردن تحديات على جميع حدوده. فمن الشمال، تَسبب الصراع السوري بتدفق اللاجئين إلى المملكة، وقطع طريقاً تجارياً مهماً، وهدد بوصول إيران – مباشرة أو من خلال وكلائها – إلى حدود المملكة. ومن الشرق، أسفرت محاولات تعميق العلاقات مع العراق (سواء على الصعيد الثنائي أو من خلال عملية ثلاثية مع مصر) عن تقدّم دبلوماسي ولكن القليل من المكاسب الاقتصادية الملموسة. ومن ناحية الغرب، لا تزال “السلطة الفلسطينية” الضعيفة والمتقلبة مصدر قلق، كما أن العلاقات مع القيادة الإسرائيلية كانت سلبية للغاية خلال عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، مما أدّى إلى مشاكل كبيرة على الصعيدين المدني والدبلوماسي (على الرغم من أن العلاقات الأمنية
ظلت قوية). ومن الجنوب، يمكن وصف علاقات الملك عبدالله بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالفاترة في أحسن الأحوال.
وفي واشنطن، اظهرت العلاقة مع عمّان بوادر توتر خلال عهد الرئيس ترامب، رغم أن جوانب رئيسية منها ظلت قوية. فقد حصلت المملكة على 1.275 مليار دولار على الأقل سنوياً بموجب مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات كان قد تم توقيعها عام 2018. كما أطلقت إدارة ترامب عملية أسفرت عن توقيع “اتفاقية التعاون الدفاعي” بين البلدين في كانون الثاني/يناير هذا العام، مما سمح لهما بالتنسيق عن كثب على الصعيد الأمني، ومكّن الجيش الأمريكي من نقل بعض أصوله الإقليمية إلى الأردن. ومع ذلك، أفادت بعض التقارير أن المسؤولين الأردنيين شعروا بالتهميش بسبب سياسة الإدارة الأمريكية الأوسع تجاه الشرق الأوسط، بما فيها خطة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية لعام 2020 (التي قلّلت من دور الاردن في القدس ) وسياستها إزاء
سوريا. وكانت عمّان قلقة أيضاً من أن الغياب الواضح للتقارب بين البلدين قد يشير إلى إضعاف الدعم الأمريكي للمملكة ويعزز التدخلات الخارجية والاضطرابات المحلية.
ضمان زيارة مثمرة
خلافاً للتوتر الذي ساد خلال رئاسة ترامب، أبدت عمّان ارتياحاً كبيراً خلال المراحل الأولى من عهد إدارة بايدن، ويرجع ذلك جزئياً إلى العلاقات الشخصية للعاهل الأردني مع الرئيس الجديد والعديد من كبار المسؤولين في إدارته. وفي خضم قضية حمزة، أرسل اتصال بايدن المبكر بالملك إشارة مهمة حيال الدعم الأمريكي، ولا سيما بعد أن سادت تكهنات بضلوع عنصر خارجي في المخطط.
وعلى الصعيد الإقليمي، ستحتل القضية الفلسطينية مكانة عالية على جدول أعمال الملك خلال زيارته التي ستشمل البيت الأبيض في 19 تموز/يوليو. وعلى الرغم من عدم وجود توقعات
بعودة كاملة إلى عملية السلام، إلّا أن العاهل الأردني سيطلب تأكيداً على التزام واشنطن بحل الدولتين ومكانة الأردن المميزة في القدس – وكلاهما يتناسب مع مقاربة إدارة بايدن للصراع.
علاوةً على ذلك، سلّط رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد الضوء على تنشيط العلاقة مع عمّان منذ استلامهما الحكم. ففي 8 تموز/يوليو، وقّع لبيد ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اتفاقاً مهماً من شأنه زيادة مبيعات المياه إلى المملكة (بعد انهيار “مشروع النقل بين البحر الأحمر والبحر الميت” الذي تم التفاوض حوله منذ فترة طويلة) وتوسيع نطاق التجارة الأردنية إلى الضفة الغربية. يجب على الولايات المتحدة أن تثني على هذا الزخم وتشجع البلدين على التعاون في مجالات اخرى تشمل الرعاية الصحية والطاقة والبيئة ومبادرات شعبية.
بعودة كاملة إلى عملية السلام، إلّا أن العاهل الأردني سيطلب تأكيداً على التزام واشنطن بحل الدولتين ومكانة الأردن المميزة في القدس – وكلاهما يتناسب مع مقاربة إدارة بايدن للصراع.الاقتصادي لعمّان بنحو 100 مليون دولار (أو 16 في المائة) والتمويل العسكري الخارجي بمقدار 75 مليون دولار (أو 18 في المائة)، رغم أن الكونغرس سيرفع على الأرجح من قيمة طلب الإدارة الأمريكية كما فعل في السابق. ولا يتفاوض الملك عبدالله شخصياً بشأن المبالغ الممنوحة إلى المملكة، لكن زيارته إلى البيت الأبيض والكونغرس ستمهد حتماً الطريق أمام مفاوضات مستقبلية بشأن ميزانية المساعدة ومذكرة التفاهم المقبلة.
وخلال عهد إدارة ترامب، جاءت الغالبية العظمى من أموال الدعم الاقتصادي (746 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية) على شكل دعم مباشر للميزانية. وهناك قلة من الدول التي تلقت الدعم بهذه الطريقة خلال العقد الماضي، بينما لم تحصل أي دولة على قدر المساعدات الذي حصلت عليه الأردن. ورغم أن ذلك يؤكد الثقة بعمّان لإدارة المساعدات بما يلبّي حاجاتها
الأكثر إلحاحاً، إلا أن تقديم المنح النقدية قد يحدّ من قدرة واشنطن على تشجيع إجراء إصلاحات، بخلاف الشروط المسبقة التي تفرضها برامج المساعدات الواسعة النطاق التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية. على إدارة بايدن أن تقرر ما إذا كانت ستحافظ على هذه الممارسة أو تربط دعم الميزانية الكبير بالتزامات الإصلاح الأكثر تحديداً.
وبالطبع إن الحاجة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي لا تخفى على أحد، حيث غالباً ما يقر الملك نفسه بهذه الإصلاحات. ففي 10 حزيران/يونيو، شكّل لجنة وطنية للنظر في بعض جوانب الإصلاح السياسي، مثل تحويل النظام الانتخابي والدفع نحو اللامركزية. ولكن على الرغم من أن اللجنة ممثلة من الناحيتين السياسية والجغرافية، إلا أن شكوكاً شعبية واسعة النطاق أحاطت بها، مما يشير مرة أخرى إلى فقدان الثقة المقلق في المؤسسات الوطنية.
وقد يتعذر على واشنطن التدقيق في هذا النوع من القضايا بسبب طبيعتها المفرطة الحساسية، لكن يمكن مناقشة جوانب أخرى، ولا سيما الأمور المرتبطة بالاقتصاد وأداء القطاع العام والفساد. بإمكان الإدارة الأمريكية أن تشير أيضاً إلى المكانة المتدنية التي احتلتها المملكة في أحدث تقرير سنوي لمنظمة “فريدوم هاوس”، مشجعةً العاهل الأردني على إعادة منح الصحافة مجال الحرية الذي كانت تتمتع به في السابق. وعلى الصعيد الاقتصادي، يمكن للمسؤولين الأمريكيين أن يبعثوا برسائل مفيدة على عدة جبهات، وهي: دعم الحاجة إلى العمل في القطاعات التي حددها “صندوق النقد الدولي” وهيئات أخرى على أنها عوائق أمام نمو القطاع الخاص؛ الالتزام بمساعدة الشركات الأمريكية على الاستثمار في السوق الأردني؛ وعرض استخدام النفوذ الدبلوماسي مع دول الخليج لإتاحة عودة العمال الأردنيين إليها أو زيادة أعدادهم (حيث أدّى فيروس كورونا ومبادرات التأميم الاقتصادي، لا سيما في
السعودية إلى تقلص أعدادهم). ومع ذلك، ينبغي الحذر لضمان أن تبقى نداءات التحسين على مختلف الأصعدة، رغم صرامتها، دعوات خاصة ومتمحورة حول أهداف قابلة للتحقيق.
وبالطبع، لا يمكن أن تتناول زيارة واحدة مجمل القضايا بين الولايات المتحدة والأردن. ومع ذلك، فإن استعادة العلاقة إلى قوتها التقليدية ستعزز في حد ذاتها استقرار المملكة، سواء من خلال إرسال إشارة واضحة وجليّة على الدعم الأمريكي أو عبر خلق بيئة مثمرة لتنفيذ الأجندة الثنائية الواسعة النطاق.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى