الاندماج في بلجيكا ـ أليات الحماية والمعوقات
شبكة المدار الاعلامية الاوروبية …_تعتبرعملية الاندماج والتعايش المجتمعي داخل المجتمعات الأوروبية لاسيما بلجيكا، هي مسؤولية مشتركة تتحمل الدول الأوروبية جزءا كبيرا منها. وتبذل السلطات البلجيكية جهودا لتتيح مشاركة الجميع في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون تمييز أو عنصرية. ولطالما ما تشكك الأحزاب الشعبوية في “ملائمة” الأجانب خاصة الجاليات المسلمة مع الديموقراطيات الغربية، ما يساهم في تأجيج مشاعر الإنعزالية. وهناك بعض الجماعات الإسلاموية يستغلون الأوضاع في أوروبا باتجاه يضر بتماسك النسيج المجتمعي وخلق مجتمع مواز.
الجالية المسلمة في بلجبكا
يناهز عدد المسلمين في بلجيكا (800) ألف. ويشكل المسلمون مختلف الجاليات وأغلبهم من المغرب ومن تركيا.أ فضلا عن جنسيات أخرى من البلقان ودول آسيا وغير ذلك، وفقا لدراسات العلمية التي أحصتها بعض الجامعات البلجيكية كجامعة بروكسل الحرة وجامعة غان في العام 2018 .
جهود الاندماج في بلجيكا
دورات الاندماج : يتوجّب على الوافدين إلى بعض مناطق بلجيكا، بهدف الإقامة والحصول على الجنسية، متابعة دروس الاندماج التي تشمل تعلّم إحدى اللغات الوطنية (الهولندية والفرنسية والألمانية)، والتزوّد بمعلومات حول المجتمعَين البلجيكي والأوروبي، وتعزيز التكامل الاجتماعي والمهني. ومنذ عام 2020 يتوجّب على الذين يقيمون في بلجيكا، وتزيد أعمارهم عن (18) عاماً وتقلّ عن (65)، ويحملون بطاقة إقامة لمدّة تقل عن (3) أعوام وتصريح إقامة ساري المفعول لأكثر من(3) أشهر، الالتحاق إلى إحدى دورات التدريب التي تشرف عليها منظمات مدنية.
أليات الحماية والاندماج : أنشأ مقدمو الخدمات في بلجيكا “عددًا من آليات الحماية” التي تتيح الوصول اللاجئين إلى الرعاية الصحية والتعليم بشكل أساسي- بغض النظر عما إذا كانوا مسجلين داخل البلد – دون القلق من أن يتم الإبلاغ عنهم أو ترحيلهم إلى بلدانهم. وأفاد تقرير مفوضية الأوروبية لمكافحة العنصرية والتعصب ” ECRI ” في 31 مارس 2020 أن هذه الآليات تمنع مقدمي الخدمات الاجتماعية من مشاركة البيانات مع السلطات البلجيكية بشأن أي مهاجرين قد يكونون موجودين بدون أوراق ثبوتية داخل الأراضي البلجيكية.
مشروع اندماج الامهات : ساعدت مدينة “غينت” البلجيكية في 1 مارس 2020 الأمهات على تطوير حياتهن المهنية وتسهيل اندماجهن في المجتمع، بتمويل من الصندوق الأوروبي لمكافحة فقرالأطفال وتديره مؤسسة الملك “بودوان”. يتم تدريب الأمهات، من صغار السن، مجانًا كممرضات في الحضانة.
يأتي العديد من الأمهات من خارج بلجيكا، ويرافقهن الموظفون البجيكيون لاسيما في تسهيل إجراءاتهن الإدارية. ويوفر مشروع الاندماج دور حضانة عمالة إضافية ويسمح لأبناء وبنات المشاركات في المشروع بالاختلاط مع أطفال آخرين. وبعد عاميين في نهاية التدريب قد يتم توقيع عقد عمل، ضمن الحضانة ذاتها أو في مكان آخر. يغطي مشروع الاندماج (32) حضانة في “غينت” إذ تستقبل حوالي (1200) طفل. وأكملت التدريبات حوالي (14) أماخسب الإحصائيات.
مشاريع الاندماج في مولنبيك : تعددت مشاريع الاندماج في العديد من المدن البلجيكية لاسيما في “مالين ومولينبيك” التي تعد نموذجا يحتذى به في مناطق أخرى. حيث يوجد أكثر من (100) جنسية تقيم في المنطقة المحلية الصغيرة نسبيًا. وتهدف مشاريع الاندماج في المنطقة الناطقة بالفلمنكية إلى مساعدة اللاجئين. ومن أبرز مشاريع الاندماج ” مشروع تمكين اللاجئين من أنشاء الأعمال التجارية” تم إنشاء ذلك المشروع في عام 2016 وتشير التقديرات أنه كان مستمرا حتى يونيو 2020. حصل المشروع على (2.25) مليون يورو لإمداد (3500) لاجئ بالمعلومات. ويتيح المشروع لللاجئين الحصول على معلومات بشكل واضح ومفصل حول كيفية بدء الأعمال التجارية. وقد تم تمكين (600) من اللاجئين من إنشاء أعمالهم التجارية الخاصة بهم. وانطلق مشروع مماثل في مقاطعتي “أنتويرب وغنت” بتمويل من الصندوق الاجتماعي الأوروبي بعنوان”اللاجئين والعمل نموذجاً إيجابياً آخر”.
مشروع الاندماج في ميكلين: تقع مدينة “ميكلين” في ناحية “فلاندرز” يبلغ عدد سكانها(90.00) ينحدرون من(130) جنسية مختلفة. وضع عمدة المدينة استراتيجية ناجحة لتعزيز التعايش المجتمعي والاندماج للمهاجرين. وساهم برنامج التعايش الذي تم وضعه في تعزيز قيم الاندماج وزاد من أسباب الثقة والاحترام المتبادلين ما بين سكان المدينة. وفاز حينها عمدة المدينة “بارت سومرز” بجائزة أفضل رئيس بلدية لعام 2016 عن إنجازاته في الترحيب باللاجئين واستقبالهم خلال السنوات
معوقات أمام الاندماج
أشار تقرير معهد التقييم والتخطيط والإحصاء في يونيو2019، إلى مجموعة من المشكلات التي تعيق الاندماج في بلجيكا. وتتمثل المعوقات في نقص الموارد في بعض الخدمات، والتباين بين مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة وبين طبيعة الدورات التدريبية المختلفة. وتم توجيه النقد الحاد لتلك الدورات الخاصة بالوافدين التي تم إطلاقها في عام 2016. ولفت التقرير الانتباه إلى مجموعة من الملفات الشائكة، فبالرغم من إلزامية تلك الدورات وأهميتها في مناطق متعددة في بلجيكا لايزال هناك غياب بتعريف بتلك الدورات، ومازالت دورات الاندماج لا تلبّي احتياجات هؤلاء إلا جزئياً.
كشفت مؤشرات الاندماج في سوق العمل في 9 أكتوبر 2020 عن معاناة فئات واسعة من المهاجرين المغاربة ببلجيكا. وحسب دراسة معهد الدراسات الأوروبية، تقدر نسبة المغاربة العاطلين عن العمل المتواجدين ببلجيكا بـ (32.6%). وعبر المغاربة الذين يمتلكون عملا، عن تعرضهم لتمييز عنصري لأسباب دينية، وقدرت نسبتهم بـ (62.8 %).
أكد “رشيد باثهوم” الباحث المساعد ضمن الفريق العلمي لـ “معهد البحوث والتدريب والعمل بشأن الهجرة” البلجيكي في 9 أكتوبر 2020 أن “بلجيكا تعد من أكثر البلدان الأوروبية التي يعاني فيها المهاجرون، خاصة ذوو الأصول المغاربية، من عنصرية واضحة”. وهو ما تثبته حسب تعبيره، “أرقام رسمية وتقارير متكررة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، تدق عبرها ناقوس الخطر وتؤكد على ضرورة اتخاذ تدابير فعلية لجعل البلجيكيين من أصول مهاجرة، ضمن الركب وليس بجانبه”.
حثت المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب السلطات البلجيكية في 31 مارس 2020 على توسيع خطط الاندماج البلجيكية وتعزيز التنوع الثقافي والحد من العنصرية التمييز وعدم الاكتفاء فقط بالتركيز على تعلم اللغات االرسمية في بلجيكا وتشجيع الاندماج. وانتقدت المساعي البلجيكية التي تهدف إلى تغريم الناس ومعاقبتهم بدلاً من العمل على تشجيعهم وتقديم الحوافز لهم لتعزيز الاندماج.
الإسلام السياسي واليمين المتطرف في بلجيكا
تم حل منظمة “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا” بسبب أمور تتعلق بنشر الكراهية ومعاداة قيم الجمهورية، بعد الحل عاودت المنظمة مرة أخرى للظهور من بروكسل في فبراير 2021 تحت اسم جديد هو “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في أوروبا”. ويعتبر “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” إحدى أذرع تنظيم الإخوان المسلمين. وغالبا ما تصف المنظمة سياسات الحكومات الأوروبية بالمعادية للإسلام لمحاولة إنشاء مجتمع موازي للمجتمعات الأوروبية والذي يعتبر من عوائق الاندماج والتعايش المجتمعي.
نوهت “ايلس كيتسمان” مديرة مركز اونيا لمكافحة العنصرية في 27 نوفمبر 2019 إلى تصاعد خطاب الكراهية تجاه الأقليات لاسيما تجاه المسلمين في بلجيكا وباقي أوروبا الذين أصبحوا يواجهون صعوبات في العثور على سكن أو عمل. وأضافت أن أن تفجيرات العاصمة البلجيكية بروكسل 2016 غيرت المجتمع البلجيكي وأسهمت في تزايد جرائم الكراهية ضد الأقليات. أن المسلمين كانوا الأكثر تضررا بعد الهجمات، وأضافت أن التلاميذ كانوا يرفضون الذهاب إلى المدارس بسبب تلميحات المعلمين لهم بأنهم“إرهابيون”. ولم تسلم النساء المحجبات من الاعتداءات في الشوارع، ومنعت الفتيات من ارتياد المدراس بسبب الحجاب.
التقييم
دعت السلطات البلجيكية بعد سلسلة العمليات الإرهابية التى هزت بلجيكا في عام 2016 إلى جعل مسار الاندماج إجباريا للوافدين الجدد بعدما كان اختيارياً. نجد أن الاندماج في بلجبكا البلد المتعددة الثقافات يجب أن يقاس بالقدرة على تحقيق المشاركة المجتمعية بين الثقافات المختلفة، دون أي تمييز.
يقوم اليمين المتطرف والحركات التابعة له في بلجيكا بنشر شعارات معادية للأجانب لاسيما المسلمين في العديد من المدن البلجيكية. ودائما ما تدعو الأحزاب الشعبوية في بلجيكا إلى نبذ سبل التعايش المجتمعي وانتقاد مشاريع الاندماج مع مختلف المكونات المجتمعية في بلجيكا. وأكبر مثال استثمار اليمين المتطرف لقضية الهجرة والعمليات الإرهابية للحض على كراهية الأجانب خاصة المسلمين، ما زاد من معاناة الجالية المسلمة من التمييز والعنصرية بفرص الحصول على مسكن أو عمل.
استطاعت تنظيمات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة في بلجيكا من الانتشار داخل الجاليات المسلمة نتيجة امتلاكهم القدرة العالية على التنظيم والإدارة، فضلًا عن استغلالهم لملف الإسلاموفوبيا والسياسات الأوروبية في مكافحة الإرهاب والتطرف لترسيخ صورة ذهنية بأن هناك حالة من العداء الشديد للإسلام ما يساهم في خلق مجتمعات موازية تقوض عملية الاندماج والتعايش. تحتاج السلطات البلجيكية إلى العمل بجدية أكبر لتشجيع الاندماج والتعايش المجتمعي لأن اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع البلجيكي تتسبب في تزايد الخطابات الدعائية والتي تحض على الكراهية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات