التصعيد الإيراني – الإسرائيلي في البحر: الحاجة إلى ردٍّ من التحالف الدولي
فرزين نديمي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يبدو أن عناصر من «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» هي التي صعدت على متن ناقلة البيتومين الإماراتية “أسفلت برينسيس” في المياه الدولية بالقرب من الفجيرة وحاولت تحويل وجهتها إلى المياه الإيرانية. ويشير الاستهداف البحري لناقلة النفط “ميرسر ستريت” التي تشغّلها إسرائيل بالقرب من ميناء الدقم العُماني والذي أسفر عن مقتل القبطان الروماني وحارس أمن بريطاني إلى ضرورة تشكيل قوة أمنية بحرية دولية قوية للتصدي بشكل فعال للجهات الحكومية وغير الحكومية التي تهدد حرية الملاحة في المنطقة.
في 4 آب/أغسطس، صعدت عناصر من «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» على متن ناقلة البيتومين الإماراتية “أسفلت برينسيس” في المياه الدولية بالقرب من الفجيرة وحاولت تحويل وجهتها إلى المياه الإيرانية. وتمكّن طاقم السفينة من إحباط خطة تلك العناصر عبر تعطيل السفينة، بحيث غادرتها عند اقتراب مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية من الناقلة. وجاءت هذه الحادثة بعد خمسة أيام فقط من اصطدام طائرة مسيّرة انتحارية إيرانية بناقلة النفط “ميرسر ستريت” التي تشغّلها إسرائيل بالقرب من ميناء الدقم العُماني. وفي أعقاب الهجوم الفاشل في 29 تموز/يوليو، اقتحمت طائرة مسيرة المنطقة المخصصة للإقامة في السفينة يوم 30 تموز/يوليو، مما أسفر عن مقتل القبطان الروماني وحارس أمن بريطاني. وعلى الرغم من استمرار المواجهات البحرية بين إيران وإسرائيل ودول الخليج منذ سنوات، إلا أن طبيعة الأحداث الأخيرة تؤكد الحاجة الملحة إلى تحرك دولي جماعي.
الهجوم على “ميرسر ستريت” وعواقبه
من خلال إعراب الحكومات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والرومانية عن ثقتها بمسؤولية إيران عن الاعتداء على سفينة “ميرسر”، أعلنت هذه الحكومات أنه سيتم اتخاذ إجراءات جماعية مناسبة ضد إيران. بالإضافة إلى ذلك، وفي بيان مشترك نادر في 6 آب/أغسطس، أدان الممثل الأعلى لـ “الاتحاد الأوروبي” ووزراء خارجية الدول السبع الهجوم “غير القانوني” و “غير المبرر” و “المتعمد” و “المستهدف” الذي نفذته طهران. وفي اليوم نفسه، نشرت “القيادة المركزية الأمريكية” النتائج التي توصلت إليها بشأن حطام الطائرة بدون طيار، التي تم استخراجها وخلصت إلى أن الطائرة “الانتحارية” قد تم صنعها في إيران – على الرغم من عدم تحديد مصدر الهجوم.
وقد أدى الحادث إلى تفاقم المخاوف العميقة بشأن نشر إيران لطائراتها المسيرة المتفجرة ذات المدى البعيد في جميع أنحاء المنطقة، حيث صرح مؤخراً مسؤولون أمريكيون – لم تتم تسميتهم – لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن واشنطن تخطط لفرض عقوبات تتعلق بإمكانيات إيران المتطورة “لتنفيذ ضربات دقيقة بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة”. ووفقاً لـ “القيادة المركزية الأمريكية”، كانت الطائرة المسيرة الانتحارية التي ضربت سفينة “ميرسر” نسخةً أكبر من الطائرة الإيرانية ذات جناح دلتا المستخدمة في هجوم بقيق في أيلول/سبتمبر2019 وكانت “القوة الجوية” لـ «الحرس الثوري الإيراني» قد استخدمت كلتا النسختين خلال مناورات “الرسول الأعظم 15” في كانون الثاني/يناير الماضي. وفي آذار/مارس، كشفت جماعة المتمردين الحوثيين في اليمن عن الطائرة المسيرة الانتحارية “وعيد” المطابقة لتصميم الطائرة الإيرانية الأكبر التي يُدّعى أن مداها يبلغ 2500 كلم.
وفي حين أن المدى المقدَّر للطائرة المسيرة الأصغر حجماً ذات جناح دلتا (المسماة على ما يبدو “شاهد-131”) يتراوح بين 540 و900 كلم، فقد تكون النسخة الأكبر حجماً (“شاهد-136”) قادرة على بلوغ ما بين 2000 و2200 كلم. ووفقاً لبعض التقارير خلصت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية إلى أن هجوم “ميرسر” انطلق من [موقع] ما في اليمن، والذي ربما أطلقه الحوثيون بأمرٍ من إيران. ومن الناحية النظرية، يمكن أن تصل هذه الطائرات المسيرة إلى موقع الهجوم من المناطق الساحلية الإيرانية (على سبيل المثال، قاعدة بحرية «الحرس الثوري الإيراني» في جابهار، على بعد حوالي 500 كيلومتر). وعلى أي حال، أفادت بعض التقارير أن إحدى الطائرات بدون طيار أطلقت قنابل مضيئة عند اقترابها من الهدف في محاولة واضحة لإحباط أي صواريخ مضادة للطائرات متتبعة للحرارة تُطلق من عن الكتف.
تصعيد حملة رد الصاع بالصاع
في سياق الحديث عن هجوم “ميرسر”، أعلنت عدة مواقع إيرانية محافظة أن “عناصر من محور المقاومة في المنطقة” قد نفّذت الهجوم رداً على غارة جوية إسرائيلية في سوريا أسفرت عن مقتل عناصر من «حزب الله». ومع ذلك، ربما كان الهجوم رداً على حادثة وقعت في المياه السورية في 24 نيسان/أبريل، حين هزّ انفجارٌ ناقلة “ويزدوم” ذات الملكية اللبنانية بالقرب من مصفاة بانياس الساحلية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وقد عزا بعض المراقبين الانفجار إلى طائرات مسيرة إسرائيلية، على الرغم من أن الحكومة الإيرانية لم تؤكد هذا الاتهام مطلقاً، في حين قلل المسؤولون السوريون في وقت لاحق من أهمية الحادث وقالوا إنه مجرد “حادث تلحيم”.
والجدير بالذكر أنه حتى قبل الهجمات الأخيرة، كانت إيران وإسرائيل تقومان بعمليات اعتراض بحري وعمليات انتقام ضد بعضهما البعض منذ سنوات وقد ركّزت الجهود الإسرائيلية على منع وصول الأسلحة الإيرانية إلى المقاتلين في غزة ولبنان، ومؤخراً على وقف تدفق النفط الخام الإيراني ومنتجات النفط الإيرانية إلى سوريا و«حزب الله». ورداً على ذلك، استهدفت طهران سفناً تجارية لها علاقات مع إسرائيل أثناء عبورها خليج عُمان وبحر العرب.
لكن يبدو أن هجوم “ميرسر” كان مصمماً للتسبب في وقوع إصابات وليس مجرد في حدوث أضرار، حيث اصطدمت الطائرة المسيرة الانتحارية بهيكل السفينة المأهول مباشرةً. يجب اعتبار هذه الحقيقة، إلى جانب الجنسيتين الأوروبيتين للقتيلين، بمثابة تصعيد كبير بالمقارنة مع أنماط إيران السابقة. ويمكن توقُّع تسبب هذا المنحى في حدوث المزيد من الخسائر في الأرواح، وربما أيضاً خسارة السفن.
سابقة العمل الجماعي المنسق
عندما بدأ العراق حملته البحرية ضد شحنات النفط الإيرانية خلال النصف الثاني من حرب 1980-1988، ردت طهران بمهاجمة سفن النفط التابعة للدول التي كانت تدعم بغداد، مما أدى إلى ما عُرف بـ”حرب الناقلات”. وكان علي خامنئي، بصفته رئيس الجمهورية ورئيس “مجلس الدفاع الأعلى” في ذلك الوقت، يضغط لتنفيذ هذه الحملة الانتقامية، والتي تضمّن جزء منها الاستهداف المتعمد للمناطق المخصصة للإقامة في السفن بهدف التسبب في وقوع إصابات.
يجب عدم إغفال الدروس المستمدة من “حرب الناقلات” [ومن الضروري] استخدامها للردع في المستقبل. فالتصعيد القاتل من الجانب الإيراني لم يقنع خصمها المصمم في ذلك الوقت بالتوقف عن مهاجمة الناقلات. وبالمثل، فشل الرد الأمريكي والفرنسي والبريطاني – المتمثل بتوسيع الوجود البحري لهذه الدول في منطقة الخليج – في ردع طهران عن استهداف السفن على اختلاف جنسياتها. ولم تتراجع إيران إلا بعد أن زادت الولايات المتحدة من إظهار تصميمها العسكري وأخذت مبادرة جريئة باستخدام تكتيكات الحرب الخاصة.
إن التداعيات على الوضع الحالي واضحة: على الرغم من أن الإعلان عن الأدلة من حوادث مثل هجوم “ميرسر” واتهام إيران بشكل جماعي هما خطوتان مهمتان، إلا أن هناك الكثير الذي يتعين القيام به إذا كان المجتمع الدولي يهدف إلى تجنب أي تصعيد إضافي أو ضبطه. وتُظهر تصرفات طهران الأخيرة أنه من غير المرجح أن تشعر بالعار وتنسحب – ففي 4 آب/أغسطس، زار القائد العام لقوات «الحرس الثوري الإيراني» الجنرال حسين سلامي الخطوط الدفاعية في مضيق هرمز وهدّد إسرائيل والأعداء الآخرين بضربات مدمرة إذا أقدموا على اتخاذ أي شكل من أشكال العمل العسكري ضد إيران. ولم يمضِ وقتٌ قصير حتى تم الاستيلاء على “أسفلت برينسيس”، ربما لاستخدامها كوسيلة لتجنب العواقب التي قد تترتب عن هجوم “ميرسر”.
وبينما تعمل واشنطن على دراسة ردّها والتشاور مع الحلفاء، يجب أن تفكر في التعامل مع الوضع باعتباره مسألة متعلقة بحرية الملاحة بشكل عام، والتي من شأنها أن تمكن المسؤولين الأمريكيين من الضغط من أجل الحصول على تفويض قوي من مجلس الأمن الدولي لدعم فرقة عمل بحرية دولية. لكن فعالية هذه الفرقة من قوات التحالف تتطلب صلاحيات واسعة لحماية جميع حركة الشحن في المنطقة في الوقت المناسب، والمشاركة في أعمال قتالية دفاعية إذا لزم الأمر لردع أي إجراءات مزعزعة للاستقرار قد تقوم بها إيران أو وكلاؤها في المستقبل.
وتشكل المبادرات الحالية نقطة انطلاق ممتازة، وأكبرها هو “التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية” (“آي إم إس سي”) وذراعه العملياتي المسمى “حرس فرقة عمل التحالف”. وتركز هذه القوة بشكل كبير على مضيقين استراتيجيين – هرمز وباب المندب – وتتألف هذه القوة من أفراد من الدولة المضيفة البحرين، بالإضافة إلى ألبانيا وبريطانيا وإستونيا وليتوانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. وهناك أيضاً مبادرة أخرى متعددة الأطراف، هي “بعثة المراقبة البحرية الأوروبية في مضيق هرمز”، وتعمل انطلاقاً من القاعدة البحرية الفرنسية في أبوظبي؛ وبالإضافة إلى الوحدة الرئيسية من فرنسا، تشارك في البعثة دول أخرى هي بلجيكا والدنمارك وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا والبرتغال. وتقوم العديد من الدول أيضاً بتشغيل فرقَ عمل أمنية بحرية أصغر حجماً خاصة بها في المنطقة، وهي: أستراليا (“عملية مانيتو”)، وكندا (“عملية أرتميس”)، والهند (“عملية سانكالب”)، واليابان، وكوريا الجنوبية.
بالإضافة إلى ذلك، تشارك 34 دولة في “القوات البحرية المشتركة” المكونة من ثلاث فرق عمل مقرها البحرين، هي: “فرقة العمل المشتركة 150″ (وتركز على الأمن البحري ومكافحة الإرهاب) و”فرقة العمل المشتركة 151″ (وتعنى بمكافحة القرصنة) و”فرقة العمل المشتركة 152” (وتعنى بأمن الخليج العربي). وتشمل عضوية “فرقة العمل المشتركة 150” أستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا ونيوزيلندا وباكستان وإسبانيا والسعودية والولايات المتحدة. ومن أبرز مسؤوليات “فرقة العمل المشتركة 150” مواجهة التهديدات الإرهابية والإجرامية غير الحكومية في خليج عمان، وخليج عدن، والبحر الأحمر، والمحيط الهندي. وهذا يعني أن الهجوم على “ميرسر ستريت” وقع ضمن نطاق صلاحية هذه القوة ولكن ربما ليس ضمن مهمتها، وفقاً [للموقع] الذي انطلقت منه الطائرات المسيرة المهاجمة والتفاصيل العملياتية أو القانونية الأخرى.
أما “فرقة العمل المشتركة 152” فمسؤولة بشكل رئيسي عن حماية البنية التحتية للنفط والغاز في الخليج العربي. ويخضع أعضاؤها حالياً للقيادة السعودية وهم يمثلون البحرين والأردن والكويت والسعودية والإمارات، بينما تقوم أستراليا وبريطانيا وقطر والولايات المتحدة بشكل دوري بتخصيص سفن وطائرات وأفراد لمساعدة الفرقة.
وعلى الرغم من أن وجود التحالفات المماثلة أمر مشجع، إلا أن تعددها أدى بوضوح إلى حدوث تداخل كبير وتكرار في مهامها ومجالات مسؤوليتها. والأهم من ذلك، أن هذه القوات كانت أحياناً تتردد على ما يبدو في اتخاذ إجراءات معينة رداً على الهجمات والاستفزازات الأخرى. لذلك تدعو الحاجة إلى تفويض قوي من مجلس الأمن الدولي لإنشاء قوة تحالف موحدة وهيكل قيادة موحد، ومنح هذه القوة سلطة ردع ثابتة وذات مغزى. وحيث تكون لهذه القوة أهداف واضحة وصلاحيات من قبل الأمم المتحدة، فسيكون بوسعها التصدي بشكل فعال للجهات الحكومية وغير الحكومية التي تهدد حرية الملاحة في المنطقة.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى