محاربة التطرف في بريطانيا .. تقييم تجربة محاربة التطرف
دكتور فريد لخنش
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تشكل السياسات التي تنتهجها بريطانيا في محاربة جماعات الإسلام السياسي لغزا محيرا للغاية، وكباقي الدول الأوروبية لم تسلم من الاعتداءات الإرهابية المتسلسلة، منها ما تسببت به هي بالذات ومنها ما له صلة بالجماعات الإسلاموية المتطرفة كجماعة الإخوان والسلفية الجهادية وغيرها، ومنها ما له علاقة باليمين المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين على حد سواء، ولمجابهة هذه المعضلة فقد اتخذت السلطات البريطانية العديد من التدابير الوقائية وسنت بعض القوانين التي بموجبها سيتم مراقبة خطابات الأئمة داخل دور العبادة ومحاربة التطرف في المجتمع خاصة في المساجد الكبيرة والمدارس حتى قبل تبني الأفراد للفكر المتطرف أو الالتحاق بالمنظمات الإرهابية كداعش والإخوان …الخ.
التشريعات والإجراءات المتبعة في الإشراف على المساجد ومراقبة الخطاب المتطرف
سنت بريطانيا في السنوات الأخيرة بعض القوانين لمحاربة التطرف منها مثلا “مشروع قانون التطرف” الذي بموجبه تكون المساجد الحاضنة للمتطرفين عرضة للإغلاق، وقد تميزت تصريحات أبرز المسؤولين بالحزم حيث تم اتخاذ إجراءات أمنية تهدف لحظر منظمات وغلق المؤسسات المروجة للتطرف والكراهية. ومن جانب آخر مثلما طالب البرلمان البريطاني وزيرة الداخلية “بريتي باتل” في مارس 2021 بتقديم تقييم فوري للنشاطات الاقتصادية لدى جمعيات “الإخوان المسلمين” ، لغرض التأكد من عدم استخدامها في تمويل التطرف، ومن منعها من استعمال الإنترنت في نشر عقائد التطرف للأئمة والدعاة التابعين لها، ومراقبة الخطب الدينية والدروس التي تبثها لأتباعها لتعويضهم عن ارتياد المساجد المغلقة بسبب الوباء العالمي.
إستراتيجية الحكومة البريطانية ضد التطرف والإرهاب “موسومة بالفشل” ـ محاربة التطرف
وصفت إستراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب بالفاشلة، كما أن خطة المنع كان تأثيرها سلبيا للغاية، إذ سعت بريطانيا جاهدة لتقليل تأثير التطرف إلا أنها لم تنتبه لنقطة حساسة وهي أنها عزلت الشباب المسلم فكانت النتيجة عكسية تماما بل أن ذلك دفعهم نحو الجماعات المتشددة. علما بأن هذا البرنامج المزعوم يمثل جزءا من إستراتيجية الحكومة ضد الإرهاب ويرمي للحيلولة قبل أن يصبح الأفراد متطرفين أو إرهابيين أو مؤيدين للإرهاب، فالملاحظ هو محاولة من الحكومة البريطانية لكسر هذه السلسلة بفعل هذا البرنامج الذي لقي انتقادات كثيرة بل أن البعض اتهمه بانتهاك حقوق الإنسان . وكتقييم لبرنامج الأمن الوقائي لأماكن العبادة.
في قراءة أولية حول هذه الإجراءات والقوانين التي حاولت بفعلها بريطانيا التصدي لكل صيغ التطرف سواء ضد المسلمين أو العكس أجد أنها تصب في اتجاهين الأول يتعلق بتوفير الحماية لدور العبادة للمسلمين من خلال إتباع إجراءات معينة وهو أمر مفروغ منه وتقليدي، أما الثاني وهو إمكانية المراقبة عن كثب لكل التحركات المشبوهة والخطب المتطرفة في المساجد وهو بالتالي إجراء وقائي يجبر الأئمة والجمعيات على الشفافية في طرح الخطب الدينية في ظل الاعتداءات التي تطال المساجد والمسلمين تبقى الخيارات محدودة جدا أمام المسلمين بالرغم من كثرتهم وكثرة المساجد التي يؤدون فيها صلواتهم اليومية ونشاطاتهم الجمعوية وغيرها.
تقييم برامج تدريب الأئمة في بريطانيا
يبدوا أن بريطانيا غير مهتمة كثيرا ببرامج تكوين الأئمة فمنذ أن عقدت دورات تدريبية لتأهيل الأئمة لمحاربة الفكر المتطرف في إطار مشروع الحكومة البريطانية في سنة 2019 الذي خطط لزيادة عدد الأئمة المدرَّبين على محاربة التطرف في السجون البريطانية لم تسجل برامج أخرى مماثلة، وحول هذه المسألة نبه أحد المعنيين بهذا الشأن أن الحالة المعرفية للائمة في حاليا في أوربا عموما وبريطانيا خصوصا تساعد على تسهيل نشر خطاب العنف والكراهية، فالعديد ممن يقومون بالخطبة في المساجد ليسوا خريجي مدارس دينية متخصصة تصدروا المشهد واعتلوا المنابر لصلاتهم ببعض المنظمات الإسلامية رغم جهلهم بثقافة المجتمعات الأوروبية وافتقارهم لعامل مهم يتعلق باللغة، مما يؤدي بالضرورة إلى إعاقة تواصلهم واندماجهم في المجتمع، ويسهل استمرارية حملهم للأفكار المتطرفة ونشرها، علما بأن أن الكثير من الأئمة يأتون إلى بريطانيا بعد أن تلقوا تعليمهم أو تدريبهم في بلدان أخرى كباكستان وبنغلادش وغيرها فهم يحملون معهم إلى بريطانيا أفكارا ومفاهيم لا تتوائم والحياة في بريطانيا وتتميز معظمها بالتشدد .
قراءة نقدية لعلاقة المجلس الإسلامي بالحكومة البريطانية
أنشأ المجلس الإسلامي البريطاني سنة 1997، وهو يعتبر هيئة جامعة لحوالي 500 مسجد ومدرسة ورابطة سنية في بريطانيا، ويشمل منظمات ومؤسسات إسلامية وطنية وإقليمية ومحلية ومتخصصة من مختلف الخلفيات الإثنية والطائفية داخل المجتمع الإسلامي البريطاني. إذ كانت الغاية الأساسية من تأسيسه زيادة التعليم عن الإسلام والقضاء على المساوئ وأشكال التمييز التي يواجهها المسلمون.
مواقف المجلس الإسلامي من الاعتداءات الإرهابية ـ محاربة التطرف
ندد المجلس الإسلامي البريطاني بالاعتداءات الإرهابية التي طالت بريطانيا منذ وقوع أول اعتداء في 07 يوليو 2005، فمع توالي الاعتداءات، فعلى سبيل المثال فقد أبدا المجلس موقفه المتضامن مع الضحايا في بيان في 23/05/2017، عقب تبني “داعش” لاعتداء مانشستر به
و أعلنت منظمات ومؤسسات إسلامية عن شعورها بالقلق، رغم هذه المواقف إلا أن الكثير من التقارير كالتي صدرت عن صحيفة التايمز بعنوان “المجلس الإسلامي في بريطانيا مرتبط بصورة سرية بالإخوان المسلمين”. حيث أوردت في سنة 2015 بأن تقريرا للحكومة البريطانية يؤكد بأن أكبر مؤسسة إسلامية في بريطانيا وأكبر جماعة للطلبة المسلمين في بريطانيا لهما صلات غير معلنة بجماعة الإخوان المسلمين، التي تصفها الصحيفة بأنها “شبكة أصولية حرضت في بعض الأحيان على العنف والإرهاب”، لهذا أجد أن العلاقة بين كل من المجلس الإسلامي والحكومة هي علاقة تتميز بالتوتر الدائم وتفتقد للثقة المتبادلة بين كلا الطرفين.
في خضم تلك الأحداث انتقد المجلس الإسلامي في بريطانيا، 07 يونيو 2020 خطة الحكومة لإعادة فتح أماكن العبادة في بريطانيا باعتبارها “تفتقر إلى الوضوح بالنسبة للجاليات المسلمة” . وكانت الحكومة البريطانية قد قررت فتح دور العبادة بداية من 10 يونيو 2020 للصلاة الفردية فقط، هذا وأكد هارون خان، الأمين العام للمجلس بأن المساجد مخصصة في المقام الأول للعبادة الجماعية، لذلك هناك شكوك كبيرة وقلق من أئمة المساجد حول كيفية تطبيق اللوائح الجديدة، وحث المجلس الحكومة على إعطاء توجيهات واضحة لا لبس فيها حتى يتمكن المشاركون في إدارة المساجد “من التخطيط الفعال لضمان سلامة ورفاهية الجميع.
تقييم إلى الإجراءات والتشريعات المنتهجة ـ محاربة التطرف
يعتقد كتقييم لما مضى بأن الإجراءات التي قامت بها بريطانيا غير كافية ولا تدل على الاهتمام الفعلي بمحاربة التطرف إلا ظاهريا، فالقوانين التي شرعتها لاقت الكثير من الانتقادات كقانون المنع مثلا الذي شجع مثلما رأينا سابقا الشباب المسلم في بريطانيا على الالتح
اق بالجماعات الإرهابية المتشددة بسبب حالة العزلة التي أصبحوا يعانون منها، عدا ذلك يمكن الإشارة فقط لبرنامج الأمن الوقائي لأماكن العبادة الذي يبدوا بأنه منصب نحو حماية المساجد من التطرف المضاد على حساب محاربة- التطرف الإخوانواسلامي– إن صحت العبارة.
نجد أنأن هناك تناقضا كبيرا بين الحكومة والمجلس الإسلامي فالشيء المشترك بين كلا الطرفين هو تلك العلاقة السرية القائمة بينهما وبين جماعة الإخوان المسلمين، والدليل على ذلك هو تأخر السلطات البريطانية في حظر مثل هذه الجماعات المتطرفة إلا مؤخرا فقط 2021، فالأمر الغريب هو أن الحكومة تتهم المجلس الإسلامي بوجود علاقات سرية مع الإخوان، وهي حاضنة لها وفي علاقة تاريخية منذ عهد جمال عبد الناصر في مصر.
لم تسلط بريطانيا الضوء على مسألة إعداد الأئمة كثيرا، حيث كانت مساعيها محدودة فلم يلاحظ عنها أية إجراءات ميدانية حول معاهد مختصة في تدريب الأئمة كالذي أقامتا ألمانيا مثلا فهي ربما ركزت ولا تزال كذلك على نواحي أخرى ولم تدرك بعد دور هذه المعاهد في محاربة التطرف والإرهاب، رغم أن بعض المحللين أكدوا على ضرورة إيجاد حل مجتمعي يساهم فيه الجميع، فبريطانيا متراخية جدا في مثل هذه القضايا بدليل أنها أجبرت على الاستفاقة مثل بقية الدول الأوربية من خطر الإخوان في الآونة الأخيرة وقررت حظرها بعدما ثبتت أقدامها وتغلغلت في جميع النواحي خاصة في المجال السياسي.
إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات