محاربة التطرف في بلجيكا ـ التشريعات والإجراءات
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يبدو أن سياسة بلجيكا في الإشراف على المساجد ومراقبة دروس وخطب الأئمة وكذا التمويلات الأجنبية وما يجري داخل نحو 300 مسجد تقريبا هي سياسة هشة بامتياز، رغم الإجراءات المتخذة والتشريعات التي سنتها لمحاربة التطرف والإرهاب، وما يدلل على ذلك ما حدث مؤخرا في يونيو 2021، حيث تناولت الكثير من التقارير أن هناك جندي يميني متطرف كان يعمل كمدرّب رماية في الجيش اختفى من مقر وحدته العسكرية في بلجيكا وبحوزته أسلحة خطيرة للغاية، ما يشكل تهديداً غير مسبوق على عامة البلجيكيين.التشريعات والإجراءات المتبعة في الإشراف على المساجد ومراقبة الخطاب المتطرف.
التشريعات والإجراءات المتبعة في الإشراف على المساجد ومراقبة الخطاب المتطرف
أفاد تقرير صادر عن” OFFICE OF INTERNATIONAL RELIGIOUS FREEDOM” في 12/05/2021 إن بعض المتابعين لمثل هذه المسائل أكدوا وجود عددًاًّ معتبر من المساجد فضلت العمل دون إشراف حكومي وقررت عدم المطالبة بالاعتراف الرسمي، ذلك أنها تلقت تمويلا أجنبيا كافيا، ولوجود عامل آخر يتعلق بعملية البيروقراطية المطولة للحصول على الاعتراف وهذا يعد مثبطا، رغم أن إستراتيجية الحكومة المنتهجة متمثلة في توسيع نطاق الاعتراف ليشمل المزيد من المساجد في بلجيكا حتى تصبح مؤهلة للحصول على تمويل حكومي يقلل من التأثير الإسلامي الراديكالي الأجنبي من خلال تقليل اعتماد المساجد على التمويل الأجنبي وتزويد السلطات بمزيد من الرقابة. تزامنا مع ذلك فقد بقيت طلبات الاعتراف لـ9 مساجد في العاصمة بروكسل وحدها معلقة بما فيها مسجد بروكسل الكبير.
وعززت الحكومة الفلمنكية إجراءاتها فيما يتعلق بقضية الإشراف والمتابعة من خلال تحقيقات أمنية لمحاربة التطرف المحتمل سواء بالنسبة للأئمة أو للمصلين وضد النفوذ الأجنبي في المساجد، وفي خضم هذه الأحداث فقد شكك الوزير الإقليمي الفلمنكي “هومانس” في اعترافات الحكومة ببعض المساجد وسحب الاعتراف بمسجد الإحسان في لوفين، إذ كان هناك 87 مسجدًا معترفًا بها: 39 منها في والونيا و 27 في فلاندرز و 21 في بروكسل، وحسب بعض فهناك 300 مسجد في بلجيكا.
نظم “مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان في 24/03/2021 في الذكرى الخامسة للهجمات الإرهابية التي عصفت ببلجيكا عام 2016” أول نشاط لها في البرلمان عقب وباء كورونا، الموسوم ب: “تقييم السياسات الأمنية والسياسية، 05 سنوات بعد التفجيرات الإرهابية في بروكسل: خطر الإخوان المسلمين على الديمقراطية الأوروبية”، حيث شدد رئيس لجنة مكافحة الإرهاب النائب البرلماني البلجيكي، “كون ميتسو”، على ضرورة سن قوانين رادعة ونشر التوعية لمحاربة التطرف والفكر الإخواني في بلجيكا، مثلما أشار إلى أن خطر التهديدات الإرهابية المترتبة عن تنظيم الإخوان المسلمين تحديدا لم ينته بعد واعتبر أن أوروبا تواجه خطر توغل جماعات الإسلام السياسي في النسيج السياسي لا سيما في بلجيكا، إذ أبدى تخوفه الكبير من تسريح أكثر من 400 من المتهمين بالتطرف من السجون البلجيكية وعدم متابعتهم كفاية نظرا لقلة الوسائل القانونية والمادية المتاحة لذلك وكثرة عددهم.
برامج وخطط تدريب الأئمة في بلجيكا
بدأت الدورة التدريبية الأولى للإمام في بلجيكا في عام 2019 ، والتي أطلقتها جامعة لوفين بمعية السلطة التنفيذية الإسلامية – الهيئة الرسمية الممثلة للجاليات المسلمة في البلاد – والحكومة الفيدرالية، إذ تقدم الدورة باللغتين الهولندية والعربية، مدة سنتين في الجامعة و04 سنوات من التدريب اللاهوتي، وحين الانتهاء من الخريجين يحصل الأئمة على شهادة من الحكومة الفيدرالية، هذا وقد أثير موضوع تدريب الأئمة في البداية في التقرير البرلماني للجنة التي أخذت في اعتباراتها الهجمات الإرهابية في بروكسل وزافنتيم في مارس 2016، وتأمل من خلال ذلك منع النفوذ الإسلامي الأجنبي والحد بشكل كبير من تطرف البلجيكيين المسلمين على وجه الخصوص.
تم افتتاح مدرسة “الأناضول” الثانوية للأئمة والخطباء منذ سنة 2012، بعد حصولها على موافقة رسمية من وزارة التربية الوطنية في بلجيكا، إذ شهدت مدينة مونس البلجيكية، في 19/ 05/2021، حفل تخريج الدفعة السادسة من طلاب مدرسة “الأناضول” الثانوية التركية للأئمة والخطباء، وانطلق الحفل بالاستماع للنشيدين الوطنيين التركي والبلجيكي، كما شارك في هذا الحفل المستشارة التربوية في السفارة التركية لدى بروكسل، وممثلون عن عدة مؤسسات إسلامية فاعلة في بلجيكا، وفي نفس السياق أكد مدير المدرسة على نجاح مدارس الأئمة والخطباء في أوروبا من خلال تقديما لتعليم متميز بسبب الاهتمام المتواصل، كما أن خريجي هذه المدرسة يواصلون تعليمهم الجامعي في تركيا.
توصيات بلجيكية بمحاربة التطرف
أوصت لجنة بلجيكية بضرورة الرقابة الشديدة على المراكز الإسلامية، في بلجيكا وأعربت عن رغبتها في زيادة كفاءة الإمام فيما يتعلق بمسألة إتقان إحدى اللغات الوطنية في بلجيكا سواء الفرنسية أو الألمانية أو الهولندية. من جهة أخرى وفي إطار محاربة بلجيكا للتطرف والتطرف المضاد فقد اتخذت السلطات إجراءات فورية شملت إغلاق المدارس وبعض المساجد في مقاطعة ليمبورغ، مع إبقاء بعض المساجد مفتوحة للعبادة وفق تدابير أمنية مشددة، وبالتالي يمكن القول بأن المساجد في بلجيكا إما معرضة للتطرف من الداخل أو العكس، أما المساجد التي لم تحظى باعتراف رسمي من الحكومة فهي في عداد المساجد المغلقة أعتقد.
تقييم علاقة المجلس الثقافي الإسلامي بالحكومة البلجيكية
يبدوا أن علاقة المجلس الثقافي الإسلامي بالحكومة البلجيكية اختزلت في قضية واحدة وهي مسجد بروكسل الكبير، حيث أبدت الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا بالغ أسفها عن رفض اعتراف الحكومة البلجيكية بـهذا المسجد في 07/12/2020، متّهمة بالتالي وزير العدل البلجيكي “فنسنت فان كويكنبورن” بعدم ذكر الأسباب الكامنة وراء “عدم الاعتراف، مثلما اتّهم البيان وزير العدل بتزييف الحقائق، حيث أكدت أن تصريحاته السابقة تشير إلى أن المسجد يخضع لتدخلات أجنبية في تسيير شؤونه. مثلما أشترط الوزير ضرورة تغيير الإدارة الحالية التي تنضوي تحت الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا حتى يحوز المسجد على اعتراف السلطات.
تقييم
رغم تسخير السلطات البلجيكية لمبالغ خيالية كرواتب للأئمة كإجراء وقائي ضد ظاهرة التطرف في المساجد منذ عام 2016 سعيا منها لبلورة خطاب ديني معتدل ينبذ العنف والتطرف. إلا أنها فشلت لأسباب عدة من بينها ما سلف ذكره حول الإجراءات البيروقراطية التي تعيق عملية الاعتراف بالمساجد، ف 87 مسجد معترف بها وتحت الرقابة هو رقم غير كاف مقارنة بالعدد الإجمالي 300 مسجد، إذ تكشف هذه الإحصائيات وجود تناقض في هذه الإجراءات الحكومية فمن جهة تريد أن تكون المساجد كلها تحت أعينها وتحد من التمويل الأجنبي ومن جهة أخرى تبقي طلباتها معلقة، وعلي هذا الأساس أجد أن المساجد التي لم تحظى بالاعتراف لن تحظى بالمراقبة وعليه فهي لن تقدم طلب الاعتراف من الحكومة نتيجة تمتعها بالحرية واكتفائها بالتمويلات الأجنبية التي بحوزتها فتعمل على تسيير المساجد وإلقاء الخطب ربما المحرضة على التطرف بعيدا عن المتاهات البيروقراطية وكذا الأمن. المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات