المدار ترصد اواخر ايام المثقفين ((جورج اويل هل انهته الرواية؟؟))

اواخر الايام ترصدها نجاة احمد الاسعد

شبكة المدار الاعلامية الاوروبية…_توفي جورج أورويل بمرض السل ولكن على الرغم من النجاح الباهر لروايته الأخيرة، فهل تسببت الظروف التي عاشها الكاتب لإنهاء روايته في وفاته؟

ربما منحت رواية “1984” كاتبها البريطاني ”إيريك آرثر بلير“ المعروف بـ ”جوروج أورويل“ مكانة عظيمة في عالم الأدب والروايات، فترجمت إلى أكثر من 65 لغة وأصبحت من أهم الأعمال الأدبية للقرن العشرين وبيع منها ملايين النسخ حول العالم ودخلت قائمة الأعمال العشر الأكثر تأثيراً في التاريخ، إلا أنها على الجانب الآخر قد تكون أودت بحياة الكاتب وجعلت أيامه الأخيرة أكثر قتامة وصعوبة.

لقد اختار إريك آرثر بلير تسمية “جورج أورويل” في مسيرته الأدبية والروائية لأسباب لم تتضح بعد، فبات اسمه الجديد غنيا وكافيا بالنسبة لكل من يعرف هذا الكاتب الإنجليزي المولود في الهند سنة 1903، ومن المعروف أنه حياته لم تكن سهلة بثاثا، حيث عانى الأمرّين في طفولته وشبابه قبل نضجه الفكري والمهني، هذا الكاتب الذي توفي عن عمر يناهز 46 سنة، ترك موروثا أدبيا وصحفيا لا تزال إنكلترا تفتخر به. ولعل تنقلاته ورحلاته ساهمت في العمق والوضوح الذي تتسم به كتاباته، فمن الهند نحو إنكلترا ثم فرنسا فإسبانيا والمغرب، كل ذلك ساهم في جعْل جورج أورويل واحدا من الكُتاب الذين لا يزال أدبهم وروايتهم ومقالتهم تحظى بالكثير من الإقبال والاهتمام.

أثناء رحلاته الأدبية والجغرافية حاول جورج أورويل أن يكتب مقالات وروايات تؤرخ لرحلته ولنظرته إلى العالم والإنسان، وبدايته كانت مع رواية “متشرد في باريس ولندن”، والتي يمكن اعتبارها بمثابة تجربة شخصية له. وكتب سنة 1934 رواية أيام بورما، وبعد مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية كتب رواية تحية لكتالونيا سنة 1938، أما عن زيارته للمغرب سنة 1939، فقد كتب مقالة بعنوان “المغربي ما زال يحيا حقيرا ويموت حقيرا”، يتحدث فيها عن ظروف حياة الفقراء في المغرب، وحياتهم التي تتميز بالبؤس والفقر. أما رواية “مزرعة الحيوانات” التي كتبها سنة 1945، فقد ساهمت في شهرته بعد النجاح الذي حققته هذه الرواية، والتي ينتقد فيها عالم السياسة وما يحكمه من صراع على السلطة. وفي نفس السياق تسير رواية “1984” التي نشرها عام 1949، والتي ينتقد فيها الأوضاع السياسية في إنكلترا.
يناقش جورج أورويل في رواياته موضوع غياب العدالة الاجتماعية، ففي رواية “متشرد في باريس ولندن” سنة 1933، والتي يسلط فيها الضوء على حياة الفقر والبؤس، هذه الحياة تجعل المعاناة ممكنة بالنسبة للفقراء، وتدفع بهم إلى حضيض الفقر نظرا لصعوبة الانفلات من حياة البؤس، وهنا تتجلى غياب العدالة الاجتماعية التي تجعل الأغنياء يسيطرون على الفقراء، وتجعل حياة الفقراء بدون معنى وبدون هدف، في الوقت الذي يحاربون فيه من أجل قوت يومهم فقط دون التفكير في المستقبل.

في رواية “مزرعة الحيوانات” ورواية “1984” يسلط جورج أورويل الضوء على عالم السياسة وما يحكمه من ظلم واستبداد ورغبة جامحة في الحفاظ على السلطة، إذ يطرح سؤال الثورة في رواية مزرعة الحيوانات، والتي تتأرجح فيها المصالح بين نجاح الثورة من فشلها، فبمجرد الانقلاب على السلطة الحاكمة حتى يضطر الثوار لوضع أنفسهم في يد سلطة أخرى مجهولة، قد تكون أكثر استبدادا من الأولى، وقد مثل ذلك في الرواية بالحيوانات بعد أن ثارث على ملك المزرعة، ووجدت نفسها تحت سلطة خنزيرين يحاربان بعضهما من أجل الضفر بالقيادة، هذا هو واقع الثورة، وتلك هي الطريقة التي اعتمدها أورويل في نظرته إليها.
أما رواية “1984” فقد عارض من خلالها الحكم الاستبدادي الشمولي، وذلك عن طريق انتقاد طريقة حكم الحزب الواحد بزعامة الأخ الأكبر، والذي يفعل المستحيل للحفاظ على السلطة وقوة الحزب، ومن أجل ذلك يسخر كل الممكنات، ويبدو أن نظام الحكم الذي استخدمه أورويل في الرواية لا يزال يُستخدم في العديد من البلدان، وخصوصا بلدان العالم الثالث، وهذا النقد الذي يوجهه أورويل هو نقد يهدف إلى إحلال الديمقراطية بدل الحكم الاستبدادي.
بعد زيارة جورج أورويل للمغرب سنة 1939، كتب مقالة تحدث فيها عن ملاحظاته لكل ما اكتشفه في مغرب ما قبل الاستعمار، لكن الواقع أن تلك الملاحظات لا تزال صالحة للتطبيق حتى وقتنا الراهن، ذلك أن نظرة أورويل انصبت على الإنسان ومعاناته التي لا تنتهي، وحياته المليئة بالبؤس والذل، وهو نفس الشيء الذي لا نزال نلحظه في هذا البلد، رغم بعض التطور الذي يظهر للعلن في المنشآت والمواصلات والتواصل، ذلك أن الإنسان في هذا البلد لا يزال يعاني ويحتاج إلى العديد من الشروط لكي تصبح حياته خالية من المعاناة نوعا ما. ورغم كل المجهودات التي يبدو على أنها تُبدل، إلا أن الإنسان في المغرب لم يخرج بعد من تلك النظرة التي تركها جورج أورويل ذات يوم، بحكم خضوع هذا الإنسان لإيديولوجيات لم يستطيع بعد الخروج منها، ولم يفعل حيال ذلك أي مجهود، حيث اعتاد عليها حتى باتت جزء منه، وهذا سهل من مسألة خضوعه وخوفه.

بالإضافة إلى أن هذا الإنسان لم يجد ذاته بعد أن وجد نفسه في عالم يسير نحو الأمام، وعالم يدفعه إلى الرجوع إلى ما كان قبل الآن، ونظرا لغياب الوعي العميق بكل ما يجري، فقد اضطر هذا الإنسان إلى ممارسة حياته بصورة مزيفة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فيساير حداثة العالم بنوع من النفاق والرغبة، وفي نفس الوقت وجد نفسه خاضعا لتقاليد وعادات أكل عليها الدهر وشرب، وكل ذلك عمّق من جراحه، فباتت حياته دون معنى ودون هدف، ففقد بذلك بوصلة السير إلى الأمام.

اعتاد جورج أورويل الانطلاق من تجاربه الشخصية ومن نظرته الخاصة ليؤسس لأفكاره النقدية، وليبدع في رواياته بأسلوب يمزج فيه بين الواقع والخيال، ولقد استطاع هذا الكاتب الإنجليزي أن ينتقد عالمه الذي ينظر إليه على أنه يحتاج إلى تغيير نحو الأفضل. وهذا النقد هو الذي جعل المحتوى الذي يقدمه غنيا وواضحا، والذي يبنيه غالبا من واقعه وتجاربه، فحمل لواء كاتب متواضع ينقل معاناته كما هي، ويسلط الضوء على الفئات التي تعيش في هامش المجتمع، من أجل أن ينقل معاناتهم مع الفقر والبؤس، مع رغبته في حصول تغيير جذري نحو العدالة الاجتماعية.

شبكة المدار الاعلامية الاوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post شهادات الكورونا تؤجج الشارع الفرنسي
Next post محفظة رقمية للعملات المشفرة جديد فيس بوك