الغواصات»: أيّ سياسة دفاعية بوجه واشنطن

شبكة المدار الاعلامية الاوروبية…_ليست دول الاتحاد الأوروبي كلُّها على الموجة نفسها من النكبة التي ألمَّت بفرنسا بفعل أزمة الغواصات. ففي مقابل استعادة النقاش حول ضرورة «الاستقلال الدفاعي» بعيداً من الولايات المتحدة، زخمه، لا يزال التكتُّل منقسماً حيال الخطوة المقبلة، إذ يصرّ «المعسكر الشرقي» على «أوروبا قوية» في إطار «حلف شمال الأطلسي»، بينما تبدو باريس مستعدّة للمساومة إذا تحقَّقت لها بعض المطالب، من مثل تعزيز الدعم الأميركي لعملياتها في منطقة الساحل تعلو النبرة الفرنسية وتنخفض إزاء مستقبل العلاقات على ضفتَي الأطلسي. فالبلد الذي تلقّى صفعة غير محسوبة تسبَّب بها عقْد شراكة أمنية ثلاثية بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، وما نتج منها من إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لكانبيرا واستبدالها بأخرى أميركية، حُيِّد، كما بقية دول الاتحاد الأوروبي، عن سياسة واشنطن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. أزمة الغواصات، معطوفة على أزمة الانسحاب المتعجِّل من أفغانستان وما أفرزته من صدعٍ في صفوف الحلفاء، أعادت إلى طاولة البحث الأوروبية مسألة «الاستقلال الدفاعي» بعيداً من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار تحديداً، جاءت دعوة رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، إلى بدء «نقاش استراتيجي حول دور الاتحاد على الساحة الدولية»، وضرورة تعزيز نفوذه، في ضوء التطوّرات الأخيرة، لتسلِّط الضوء على أوجه القصور العسكرية لأوروبا.

بدأ النقاش حول إنشاء قوة ردّ سريع أوروبية، في أيار الماضي، لكنه تعزَّز في أعقاب إنهاء الولايات المتحدة وحلفائها تدخُّلاً عسكرياً دام عقدين في أفغانستان. شكَّل الانسحاب، وفق ما جاء على لسان وزير خارجية الاتحاد، جوزيب بوريل، «عاملاً محفّزاً في محاولات التكتُّل تطويرَ دفاعاته المشتركة»، لتعلو أصوات في داخله مطالبةً بـ«ضرورة» تشكيل قوّة دفاع تكمن مهامّها في التدخّل أثناء الأزمات بقوات «الردّ السريع»، في مسعىً إلى تعزيز استعداداتها لمواجهة أزمات مستقبلية من مثل ما حدث في أفغانستان، وهو ما يندرج أيضاً في سياق تحفيز سياسة بروكسل الرامية إلى إثبات ثقل التكتُّل السياسي والاقتصادي، في موازاة حضوره العسكري والدبلوماسي. وعلى رغم إذكاء هذه الفكرة حماسة الدول الأوروبية، فشل قادة الاتحاد، مرّة جديدة، في تخطّي الانقسامات، والاتفاق على تشكيل قوّة دفاع مستقلّة. فخلال القمّة التي جمعت دول التكتُّل الـ27 في سلوفينيا، أوّل من أمس، بدا واضحاً انقسام هؤلاء إلى معسكرَين تقليديَّيْن: الأوّل دول شرقية تخشى تمدُّد روسيا وتريد «أوروبا قوية» في إطار «حلف شمال الأطلسي»؛ والثاني دول بقيادة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، تسعى إلى تعظيم قدرات الاتحاد الأوروبي بعيداً من «الناتو». ويرى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه يتعيَّن على أوروبا بذْل جهود مضاعفة لمواجهة الأزمات على حدودها، وتحمُّل مسؤولية عن أمنها.

تصريحات الشدّ والجذب الفرنسية، تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى باريس – التي وصفها السفير الفرنسي في واشنطن، فيليب إتيان، بأنها «مهمّة جداً لإعادة بناء الثقة التي صارت مفقودة» – ولقائه ماكرون من خارج جدول الأعمال المتّفق عليه. وعلى رغم مسارعة الخارجية الفرنسية والإليزيه إلى وضع زيارة الضيف الأميركي في إطار تداعيات صفقة الغواصات، وما يستدعيه ذلك من «البحث في تحديد الخطوات اللازمة لعودة الثقة إلى سابق عهدها»، إلّا أن مسؤولاً أميركياً رفيعاً أشاد باللقاء «الإيجابي» «المثمر»، مشيراً إلى «توافق على وجود فرصة أمامنا لتعميق وتعزيز» التنسيق، خصوصاً في مجال الدفاع. وأضاف المسؤول، لـ«فرانس برس»، أنه «لا يزال هناك الكثير من العمل الشاقّ الذي يتعيّن القيام به لتحديد القرارات الملموسة» التي ستُرفع إلى الرئيسَين الفرنسي والأميركي في اجتماعهما المقرَّر عقْده نهاية تشرين الأوّل الجاري، على هامش قمّة «مجموعة العشرين» في روما «لإعادة التواصل» والمضيّ قُدُماً بالعلاقات. وفي مقابل «الدبلوماسية» التي يسعى ماكرون إلى تظهيرها، خصوصاً بعد الإعلان عن اللقاء الذي سيجمعه إلى نظيره الأميركي جو بايدن، يعلو صوت المسؤولين الفرنسيين. فوزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، دعا الأوروبيين إلى «فتح أعينهم»، قائلاً إن «الدرس الأوّل الذي نتعلّمه من هذه الحلقة، هو أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يبني استقلاله الاستراتيجي. الحلقة الأفغانية وحلقة الغواصات تظهران أنه لم يَعُد في إمكاننا الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان حمايتنا الاستراتيجية»، لأن لدى واشنطن «اهتماماً استراتيجياً واحداً فقط: الصين، واحتواء صعود قوتها». وأشار إلى أن الرئيسَين دونالد ترامب وجو بايدن «يعتقدان أن حلفاءهما يجب أن يكونوا طيّعين. نحن نعتقد أنّنا يجب أن نكون مستقلّين. لم يَعُد بإمكاننا الاعتماد إلّا على أنفسنا». وفي الإطار نفسه، جاءت تصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، التي وصفت السلوك الأميركي بـ«الفظّ»، معتبرةً أن ما فعلته الأخيرة «لم يفاجئنا، ودرجت عليه واشنطن منذ زمن طويل». في باريس كما في واشنطن، وكذلك في بروكسل، يحاول الجميع الخروج من الأزمة رابحاً من خلال توضيح العلاقة عبر الأطلسي. وإذ ترى فرنسا «طريقاً محتملاً لتعميق التعاون»، وتأمل في الحصول من الولايات المتحدة على مزيد من «الدعم» للمشروع الذي يدفع به ماكرون للدفاع الأوروبي المكمّل لـ«الأطلسي»، فهي ترغب أيضاً في «تعزيز الدعم الأميركي لعمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الدول الأوروبية في منطقة الساحل»، فيما يطالب الرئيس الفرنسي بالاعتراف بوضع بلاده كـ«قوّة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ» في إطار ما زال يتحتّم تحديده.
في خضمّ النقاش المستعر حول استقلالية أوروبا الدفاعية، ومساعي فرنسا إلى تحصيل مكاسب تنهي «زعلها» الطارئ، بدا الأمين العام لـ«الناتو»،ينس ستولتنبرغ، حازماً إزاء الدول الساعية إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، إذ شدّد على أن إيجاد هيكليات «منافِسة» للحلف يهدِّد بإضعافه وتقسيمه. وفيما أبدى تفهُّماً لـ«خيبة أمل فرنسا» من جرّاء تحالف «أوكوس»، قال: «لكنّي لا أؤمن بالجهود الرامية إلى إنشاء أمر ما خارج إطار حلف الأطلسي، أو منافَسته أو استنساخه». وفي رسالة موجّهة إلى قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المجتمعين في قصر بردو السلوفيني، ذكّر ستولتنبرغ هؤلاء بأن 80 في المئة من الإنفاق الدفاعي للحلف مصدره دول غير أعضاء في الاتحاد: «هناك بالطبع الولايات المتحدة… وأيضاً حلفاء آخرون».
(الأخبار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post عمل جديد يجمع جورج كلوني وبراد بيت
Next post لاتقدم بعملية ضم البلقان للاتحاد الاوروبي