توماس نيدز على خطى دافيد فريدمان

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_لا يبدو ثمة فرق بين السفير الأمريكي السابق لدى الكيان الصهيوني دافيد فريدمان، الذي تميز بمواقفه الصهيونية المتطرفة، وبرؤيته الاستيطانية العنصرية، وبتصريحاته المستفزة، ومواقفه العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، وحقده الكبير على أبنائه وشهدائه ومعتقليه، ومواقفه المتقدمة كثيراً في دعم الكيان الصهيوني على رئيسه دونالد ترامب، الذي كان يلقى منه الدعم والتأييد، والتشجيع والتحريض، وقد كان ثالث الشياطين الكبار الذين خططوا لما كان يسمى “صفقة القرن”، ولولا كلمةٌ سبقت فأزاحت رئيسه وأقصت حزبه، لبقي في منصبه سفيراً مستفزاً، وعنصرياً حاقداً، وصهيونياً معادياً.

 لكن غياب فريدمان لم يغير شيئاً في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، ولم يعدل في مواقف الإدارة الأمريكية وقراراتها، ولم يؤدِ إلى تراجعها عما قامت به الإدارة السابقة، إذ أعلن السفير الأمريكي الجديد لدى الكيان الصهيوني عن الخطوط العامة لسياسة إدارة بلاده في المنطقة، والتي بدا فيها وكأنه يبني على قرارات الإدارة السابقة، ويعترف بها ويكرس وجودها، ويؤكد على ضرورة احترامها وعدم المساس بها.

  علماً أن الرئيس الأمريكي جو بايدن هو الذي اختار سفيره الجديد إلى الكيان الصهيوني، وهو يعلم حساسية الموقع وأهمية المنطقة، ومدى انعكاس طبيعة شخصية السفير وحقيقية مواقفه، وسلوكه العام وأفكاره السياسية، على مختلف الأطراف في المنطقة، ما يعني أن سياسة سفيره إنما هي انعكاسٌ لمواقفه، وتعبيرٌ عن سياسته الرسمية.

 كان توماس نيدز صريحاً جداً ومباشراً، وهو يقدم رؤيته لقضايا الصراع وملفات النزاع المتعلقة بالشرق الأوسط، وذلك خلال جلسة الاستماع التي عقدت في مجلس الشيوخ الأمريكي، فأكد لهم أنه سينطلق من قاعدة أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة “إسرائيل”، وأنها لن تكون موضع نزاع أو تفاوض على الطاولة بين الفرقاء، وأنه لا يفكر أبداً بنقل سفارة بلاده من مدينة القدس إلى أي مكان آخر.

 وأشار إلى أن مكانها في مدينة القدس هو المكان الطبيعي، إذ هي العاصمة المعترف بها، وهي مركز سفارات دول العالم، ووجودها في هذا المكان سلوك سيادي بين دولتين مستقلتين في قرارهما، وأكد أنها ستبقى في مكانها في مدينة القدس إلى الأبد.

 وقلل توماس نيذز من أهمية القنصلية الأمريكية في شرق القدس، رافضاً اعتبارها اعترافا أمريكيا بأنها تقع في عاصمة الدولة الفلسطينية، بل هي من أجل تسهيل عمل ومعاملات الفلسطينيين بصورة عامة، والذين يحملون الجنسية الأمريكية بصورة خاصة، وهذا الأمر لا ينبغي أن يشكل مساساً أو انتهاك للسيادة الإسرائيلية في عاصمتها القدس.

وزاد في تطمين المشرعين بقوله، أنه ينوي الإقامة في مدينة القدس، وسينقل إليها أفراد أسرته، ولن ينوي الإقامة في أي مكان آخر.

 وكان من قبل قد أشرف مع وزارة الخارجية الأمريكية، على اتفاق الإطار مع الأونروا، التي كبلها بشروطه، وضيق عليها بمحدداته، وجعل منها منصة أمنية لا تعترف بالمعايير الإنسانية، ولا تقدم خدمات على أساسها.

 يبدو أن توماس نيذز قد جاء ليكمل ما بدأه سلفه، ولا يفرط فيما أنجز وحقق، ولا يتراجع عن خطوة قام بها، ولو أنها كانت خاطئة وسلبية، وتضر بأمن المنطقة، وتتعارض مع قوانين الأمم المتحدة وقراراتها الدولية.

 فقد أعلن أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي أن “إسرائيل” من حقها الاحتفاظ بمرتفعات الجولان السورية والبقاء فيها، وذلك بالنظر إلى أهميتها الاستراتيجية من الناحية الأمنية، واعتبر أنه من الخطأ ممارسة أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية في هذه المسألة، وإلا فإننا ندفعها نحو الانتحار الأمني والسياسي.

 وأكد على موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن من حل الدولتين، واعتبر أنه الحل الأنسب للصراع في المنطقة، لكنه رأى أن الوقت غير مناسب لفرض هذه الرؤية، وأن إدارته لا تستطيع ممارسة أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية بهذا الشأن، ودعا إلى إرجاء البحث في هذه المسألة إلى حين عقد لقاءات تفاوضٍ مباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وبذا يكون السفير الأمريكي الجديد قد وضع حدوداً للجهود الأمريكية، وسقفاً لطموحاتها في المنطقة، لا تختلف كثيرا عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وليس مستبعداً أن يعود والإدارة الأمريكية عملياً إلى بنود صفقة القرن، فيمررون بنودها بصمت وهدوء، خاصة أنه صرح أنه من المستحيل في هذه المرحلة تمرير حل الدولتين.

 ودان نيذز بشدة سياسة السلطة الفلسطينية الداعمة للأسرى الفلسطينيين وأسر الشهداء، واستنكر قيامها بتقديم المساعدة المالية لهم، واعتبر أن قيامها بدفع تعويضات مالية لهم من المساعدات الأمريكية والدولية عملاً بغيضاً، وأكد أنه سيطلب من السلطة الفلسطينية التوقف عن هذا السلوك الذي يتنافى مع التفاهمات البينية بينها وبين الإسرائيليين والادارة الأمريكية.

 ودعا نيذز إلى ملاحقة كل الذين يقدمون الدعم للإرهاب بكل أشكاله، واعتبر أن المقاومة الفلسطينية إرهاباً، وأن شهداءهم ومعتقليهم ليسوا إلا إرهابيين، لا يستحقون العطف أو الرعاية والاهتمام.

 وفي الوقت نفسه دعا إدارته إلى تقديم أكبر الدعم والإسناد إلى الكيان الصهيوني، معتبراً إياه يتعرض لتهديداتٍ أمنيةٍ خطيرةٍ، مما يوجب على الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي مساعدته والوقوف معه ضد كل من يهدد أمنه ويعرض سلامة مستوطنيه للخطر.

 وفي السياق نفسه دعا الكونغرس الأمريكي، إلى الموافقة على منح إسرائيل مساعدة بمليار دولار، لتعويضها عن الأضرار الأخيرة التي تعرضت لها منظومتها الصاروخية الدفاعية، ودعا إلى إعادة تزويد بطاريات الباتريوت الأمريكية بصواريخ جديدة، تجعل من هذه المنصات منظومات فاعلة ورادعة، وتعيدها إلى العمل الفاعل والجهوزية الكاملة كما كانت قبل الحرب الأخيرة مع قطاع غزة.

 إنها السياسةُ الأمريكية المنحازة إلى الكيان الصهيوني والمؤيدة له، سياسةٌ واحدة لا تتغير، والتزامٌ واحدٌ لا يتبدلُ، وتعهدٌ أمريكي قديمٌ يتجددُ، يلتزم به كلُ رئيسٍ أمريكي ولا يفرط فيه، فلا يظنن أحدٌ يوماً أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تغير موقفها من “إسرائيل”، أو قد تتخلى عنها وتتوقف عن دعمها وحمايتها ومساندتها، فعلى كل المراهنين عليها أن يستفيقوا من غفلتهم، وأن يصحوا من سكرتهم، وألا يبنوا أمالاً جديدة عليها، أو أن يركنوا إليها، وعليهم ألا يفرطوا في ثوابتهم، أو يتخلوا عن أسباب قوتهم، وألا يسلموا أوراقهم إلى عدوٍ لا يرحمهم، وإدارةٍ لا تفضلهم، وإلا فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ستأخذهم إلى البحر، ليعودوا منه أشد عطشاً وأكثر ظمأ.

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post يختنق ليل المدينة
blue and red freight truck on road Next post تسهيلات في بريطانيا للسائقين الأجانب