أسرار هتلر.. خواطر حول العالِم المنتحر آلان تورنغ بفيلم سينمائي
سيد حمدي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_الابتكار الذي توصل إليه عالم الرياضيات الإنجليزي، آلان تورنغ، من أهم الأسباب التي عجّلت بانتهاء الحرب العالمية الثانية وقلصت فترة الحرب لسنتين فقط، وجعلت اليد العليا للحلفاء، وشلت حركة سلاح هتلر الجوي تحديداً.
لم أعرف الرجل إلا من خلال مشاهدتي لفيلم “The Imitation Game” أو “لعبة التزييف”، الذي يعد من أفضل أفلام الإثارة التاريخية، والذي تناول سيرة محلل الشفرات وعالم الرياضيات الفذ آلان تورنغ، ذلك الرجل الذي استطاع فكّ شفرة الألمان التي استعصت على كل علماء الحلفاء (الإنجما)، واستطاع أن يطلّع على الرسائل المتبادلة بين القوات الألمانية، وبين الألمان وبقية دول المحور، ليعجل بانتهاء الحرب وانتصار الحلفاء بقيادة الداهية تشرشل!
شاهدت الفيلم وخرجت بعدة خواطر حول حياة آلان تورنغ، أُلخّص أبرزها في الآتي:
• تكلّف إنتاج الفيلم 14 مليون دولار أمريكي، وحقّق إيرادات تُقدر بـ218 مليون دولار أمريكي، تلك الإيرادات تنسف بقناعة يؤمن بها الكثير من منتجي الأفلام، مفادها أن إنتاج أفلام خالية من القبلات والأحضان والمشاهد الحميمية، والبلطجة، تمثل خسارة على المنتج، والدخول فيها ضرب من الجنون باعتبارها مغامرة ترقى لمستوى المقامرة وخيمة العواقب.
• الفن كقيمة ما زال بعيداً عن أيدي أصحاب المبادئ، والقيم، فتوظيفه لنصرة قضايا إنسانية ضعيف، رغم نجاعته كوسيلة مضمونة وسريعة لإبراز الهدف والغاية، فضلاً عن أنه يمثل قيمة اقتصادية كبيرة.
• الدراما حل ناجع لتخليد الرموز وتجسيد البطولات وتعزيز القضايا في نفوس الناس، ولولا الدراما لما عرف ملايين المسلمين المعاصرين البطل المقاوم “عمر المختار” على سبيل المثال، ولذلك أبدع الغرب في إظهار رموزه من خلال الأعمال الدرامية، كما حدث على سبيل المثال مع العالم الفيزيائي العملاق “ستيفن هوكينج”، في الفيلم الذي يحمل عنوان “The Theory of Everything” أو “نظرية كل شيء”، وكما حدث مع العبقري “جون ناش” في فيلم “Beautiful Mind” أو “عقل جميل”، وغيرها من الأفلام الخالدة في ذاكرة السينما ووجدان الشعوب.
• ربما لو لم يُسلّط البريطانيون عدسات كاميراتهم على العبقري آلان تونغ” وينتجوا لنا فيلماً يحكي سيرة الرجل ويُظهر إنجازاته لدفنت سيرته، فكم من شخصية مغمورة لم تأخذ حظّها من الشهرة إلا من ناحية تناثر اسمها في بعض المناسبات والوثائق المغمورة أيضاً.
• من نظرة اجتماعية نفسية لبعد الأب والأم عن الطفل “آلان تورنغ” بسبب سفرهما في بعثة عسكرية، ولأسباب أخرى نشأ نشأة غير سوية، حيث ظهر وسط أقرانه ضعيفاً، مهاناً، وربما كان هذا سبباً في انحرافه الجنسي، حيث كان “تورنغ” مثلي الجنس، وظل هذا الأمر يشكل نقطة ضعف قوية في حياة الرجل، ربما هي التي جعلته يقرر أن ينهي حياته منتحراً في أوج شبابه!
• من الناحية العلمية، يعد الرجل واضع أول ورقة بحثية بُني على أساسها علم الكمبيوتر، حيث صنعها “آلان تورنغ”، ومن خلالها حاول تفسير خوارزمية قادرة على العمل بشكل منطقي رياضي متسلسل دون أي تدخل من البشر، طبقاً لمدخلات مرتبة من قبل، ويحسب له أنه حاول الإجابة عن “معضلة هيلبرت” أو مشكلة القرار كما يعرفها الرياضيون، والتي كان يسأل هيلبرت فيها عن الخوارزمية التي تتخذ شكل لغة رسمية، لكنها تأخذ طابعاً رياضياً.
المهم أن الرجل نجح في صناعة آلة بإمكانها حل شفرة الألمان، وقراءة الرسائل المتبادلة بين قواتها المختلفة، ومن ثم معرفة تحركات العدو، وزوّد متخذ القرار القوات البريطانية بالمعلومات التي على إثرها نجحت بريطانيا في الانتصار بالحرب العالمية الثانية.
• العلم ممثلاً في “آلان تورنغ” هو البطل دائماً في السلم وفي الحروب، فتورنغ هو البطل الحقيقي للحرب العالمية الثانية، وقد أنقذ ملايين الأرواح، وهو المادة الخام لأي إنجاز عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ولا قيمة لقائد سياسي أو عسكري وهو يهمش العلم، ولا يعترف بالدراسات والأبحاث، ويهمش العلماء ولا يستقطبهم ولا يستفيد منهم، فضلاً عن توفير محاضن لهم.
• آلان تورنغ هو الشاب المثلي، وهو الذي أنقذ ملايين الأرواح، وهو الذي عجل بانتهاء الحرب، وهو الأب الفعلي لعلوم الحاسب الآلي والذكاء الاصطناعي، وهو الذي وضع الأساس لكثير من العلوم والاكتشافات التي جاءت بعده، وهو الذي تركه أبواه لمدرسة داخلية تتولى تربيته، أعمِل عقلك في هذه الأسطر واخرج بعشرات الرسائل المبطنة!
• لم يكن يفتخر تورنغ بأنه مثلي الجنس، فقد كان يواري ضعفه عن الجميع، وكانت قوانين بريطانيا تُجرّم المنحرفين جنسياً، ولهذا ألقي القبض عليه عندما اعترف بانحرافه، ولم يقل قائل أتعتقلون رجلاً أنقذ بريطانيا، وكان سبباً في فوزها؟ بل على العكس الكل أمام القانون سواسية، العالم والجاهل، البطل والجبان.
• أُطلق سراح الرجل بعدماً وافق على الخضوع لعلاج كيميائي للحد من رغبته الجنسية، ومنع من مزاولة عمله كأستاذ بالجامعة، وساءت حالته النفسية فقرر الانتحار في عام 1954، وقبل 6 سنوات من انتحاره منحته ملكة بريطانيا عفواً ملكياً.
• في الفيلم بعض الرسائل السلبية، أبرزها إعلاء المثلية الجنسية، وتجلت هذه الرسالة في مقولة بطلة الفيلم “لولا أنك مختلف لما أنجزت كل هذا”، في إشارة منها إلى أن ميوله الجنسية تحمل سر تفوقه، وكل عمل وكل فعل في هذه الحياة له في الغالب جوانب إيجابية وأخرى سلبية، خد منها ما يُصلحك وينفعك وابنِ عليها!.
عربي بوست