مستقبل الغرب: تسامح ودمج للمهاجرين أم مواجهات عرقية ؟

سعيد عكاشةباحث مشارك – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ادي صعود نجم دونالد ترامب مرشح محتمل عن حزب جمهوري للانتخابات رئاسيه امريكيه قادمه رغم خطاباته مثيره محمله بعنصريه فجه تجاه مهاجرين غير شرعيين وتجاه امريكيين مسلمين، وما قابله علي ضفه اخري من اطلنطي من تصويت 52% من بريطانيين علي خروج من اتحاد اوربي تحت ذريعه حمايه ثقافه انجليزيه تي باتت مهدده بتوافد ملايين مهاجرين من شرق اوسط واسيا وبلدان اوروبا شرقيه الي مملكه متحده.

ادي هذين حدثين الي تشكك في مدي تاصَّل ثقافه مواطنه والمساواه والتسامح تي ظل غرب علي ضفتي اطلنطي يردد انها قد باتت ثقافه سائده في مجتمعاته عقب نهايه حرب عالميه ثانيه.

واذا كان من سهل سرد اسباب تي ادت الي فشل ما اسماه كاتب هندي اصل بريطاني جنسيه كنعان مالك بفشل سياسه استيعاب مهاجرين في غرب، فان تنبؤ نتائج تي سيقود اليها هذا فشل وتاثيره علي مجتمعات غربيه يبدو صعبا الي حد كبير سواء علي صعيد امني او اقتصادي-الاجتماعي، بل وايضا علي صعيد علاقات مع شعوب اخري في ظل ترسخ وتقدم ظاهره عولمه طارده لايه محاولات لاستعاده سياسه عزله واقامه حواجز بين دول والثقافات مغايره .

اسباب مركبه لفشل استيعاب في عدد مارس 2015 من مجله foreign affairs هاجم كنعان مالك دول اوروبيه متهما اياها بعدم جديتها في تطبيق سياسات تؤدي الي استيعاب مهاجرين اليها ومساعدتهم علي اندماج في اوطانهم جديده.

ودلل مالك علي ذلك اشاره لتقرير قديم للحكومه بريطانيه صدر عام 1953 ورد فيه “ان وجود جاليه كبيره من ملونين في بريطانيا مرئيه للعيان سيضعف مفهوم انجلترا او بريطانيا ذي حافظ عليه مواطنون بريطانيون عبر سنوات كومنولث.”

وهو ما يعني انه في اوج فتره تي كانت بريطانيا ومعظم بلدان اوروبا غربيه تسعي لجذب مهاجرين لتعويض نقص قوي عمل بعد خسائر بشريه هائله تي منيت بها في حرب عالميه ثانيه، كانت حكومات غير مرحبه بفكره ان يكون معالجه وضع طاريء له اسباب اقتصاديه محضه سببا في تجاوز ثقافه مستقره وعميقه مازالت تحمل في تجلياتها معاصره ملامح اسطوره تفوق رجل ابيض.

ورغم ان افكار اخاء والمساواه وحقوق انسان كانت قد استقرت في منظومه تشريعيه والقانونيه لمعظم دول اوروبيه، الا انها لم تكن قادره علي اجتثاث عنصريه من مكون ثقافي للشعوب اوروبيه، وهو عين ما كانت تواجهه ولايات متحده امريكيه حيث لم تؤد نجاحات حركه حقوق مدنيه للسود في ستينات قرن عشرين الي تغيير مماثل في ثقافه مجتمعيه هناك.

بمعني اكثر وضوحا ظلت هناك فجوه بين دوله والمجتمع حول موقف من مهاجرين، بل واخذت تزداد اتساعا بسبب عوامل اقتصاديه والثقافيه متنوعه، مما جعل من صعب وضع سياسات استيعاب ناجحه للمهاجرين خاصه من شعوب ملونه، ناهيك عن شكوك تي حامت حول مدي حماس مجتمعات والحكومات لتطبيق هذه سياسات ان وجدت.

علي جانب اخر ادت عمليه تجاهل وضع سياسات استيعاب او عدم حرص علي تطبيقها عمليا في حالات تي شهدت محاولات من هذا نوع، الي مزيد من تقوقع مهاجرين حول ثقافتهم ام، وبالتالي بناء اسوار اكثر ارتفاعا بين سكان بلد اصليين وبين مهاجرين مما فاقم من ازمات اغتراب تي عانتها بشكل اكبر اجيال لاحقه تي تمزقت هويتها بين جذورها قديمه وبين انتماءها لبلد مولد.

ايضا راكم شعور بفشل دوله وطنيه في عالم ثالث في تلبيه تطلعات مواطنيها نحو رخاء اقتصادي والديمقراطيه والعداله اجتماعيه، شعور مواز نقمه حيال دول غربيه تي تسببت باستمرار سياستها استعماريه قديمه في صوره جديده (الهيمنه اقتصاديه والثقافيه) في تاخر نمو هذه دول، امر ذي ادي ضمن اسباب اخري الي نمو ظواهر اٍرهاب موجه للمصالح غربيه منذ سبعينات قرن ماضي، والذي قاد بدوره الي مزيد من نفور مجتمعات اوربيه من مهاجرين وابنائهم، وتشير بيانات والاستطلاعات في سنوات اخيره الي هذه حقيقه بوضوح، فقد ذكر سبعه من كل عشره اشخاص في استطلاع اجري عام 2013 في فرنسا انهم يعتقدون ان بلادهم تستضيف اجانب اكثر من لازم .

كما راي (74%) منهم ان اسلام لا يتناسب مع فرنسا.

وفي استطلاع اخر اجري في المانيا عام 2011 ذكر 40% من مستطلَعين ان وجود جاليات اسلاميه في مانيا يهدد هويه وطنيه لها.

ايضا يمكن قول ان وصول مواطنين من اصول غير اوروبيه الي مناصب سياسيه كبري في غرب لم يؤد الي تقليل شعور عام بينهم بان ذلك امر كافي للاعتقاد بتجاوز مجتمعات اوروبيه للنظره عنصريه قديمه من رجل ابيض تجاه اخرين من شعوب ملونه ، بل ان هذه نجاحات رمزيه نفسها، اثارت قدرا كبيرا من مشاعر رفض من جانب سكان اصليين مهاجرين وابنائهم محملين اياهم مسؤليه فشل في اندماج في مجتمعات وفرت لهم اسباب نجاح علي مستوي فردي ولكنها (اي هذه مجتمعات) ليست مسئوله عن فشل جماعي للمهاجرين في ذوبان في ثقافه والنسيج اجتماعي للدول تي هاجروا اليها واستقروا فيها.

ايضا ليس من مستبعد ان يكون تزايد حالات قتل من جانب شرطه امريكيه تجاه امريكيين من اصول افريقيه في سنوات اخيره قد اتي في جزء منه كرد فعل لا شعوري علي وصول اوباما للبيت ابيض منذ عام 2009، وربما لم تكن مصادفه ايضا ان لقي خطاب دونالد ترامب عنصري هوي في نفوس امريكيين محافظين، وكانه نوع من انقلاب علي مواجهه لخطاب اوباما منفتح علي ثقافات انسانيه والذي ميزه طيله فترتي ولايته في البيت الابيض.

هواجس انقراض العرق الابيض

في تحليل نفسي للسلوك جماعي لدي بشر كان عالم نفس اشهر سيجموند فرويد قد حلل في كتابه “افكار لازمنه حرب والموت” دور غريزتي بقاء والموت في تحريك لا شعور فردي والجماعي.

وبقدر ما تبقي مناقشه جوانب ميتافيزيقيه في تفسير نشاه اساطير محل جدل علي دوام، الا انه لا يمكن تجاهل ان اسطوره تفوق رجل ابيض والتي قادت الي حقبه تغلغل استعماري للغرب في شتي انحاء عالم، قد اتخذت منحا عكسيا مع تنامي ظاهره عولمه في وقت راهن، حيث بات غرب مسكون باسطوره مضاده وهي خوف من اندثار نتيجه تراجع ملحوظ في اعداد سكان بيض نتيجه تناقص معدلات خصوبه للمراه اوروبيه.

فقد نشر معهد ماكس بلانك للبحوث ديموجرافيه بمدينه روستوك المانيه في مطلع عام 2009 دراسه دق فيها ناقوس خطر محذرا من تعرض قاره اوروبيه لتراجع كبير في عدد سكان.

وحسب دراسه فان عدد كل جيل سيقل عن سلفه بنسبه خمسه وعشرين مائه، وبحلول عام 2050 سيتناقص عدد سكان دول اوروبا بنحو خمسين مليون نسمه، كما ان متوسط اعمار فيها سيزيد عشره اعوام.

ان شيوع هذه هواجس ربما لعب دور علي مستوي لاشعوري لدي هؤلاء اشخاص ذين باتوا في حاله خوف من اغراق مجتمعاتهم مهاجرين وبالتالي مالوا لتبني افكار يمين متطرف.

وقد اظهرت ذلك بعض تحذيرات في بريطانيا قبيل تصويت علي خروجها من اتحاد اوروبي خاصه بعد ان قامت منظمات يمينيه عنصريه مثل “بريطانيا اولًا” بعده اعتداءات علي مهاجرين ومصالحهم في عده مدن بريطانيه رافعين شعارات تتهم مهاجرين والاقليات تاثير علي اقتصاد بريطاني وحرمان مواطنيين بريطانيين اصليين من فرص عمل، فضلا عن تهديدهم ثقافه بريطانيه راقيه تلوث بعناصر ثقافيه ادني حملها مهاجرون معهم وحافظوا عليها في مواطنهم جديده.

التاثيرات المُحتمله للسياسات عرقيه مستقبلا

اذا كانت اساطير عنصريه تي راجت في اوروبا في عصر ذي مهد للحقبه استعماريه (منتصف قرن سابع عشر وحتي ثلث اخير من قرن عشرين) قد حققت اغراضها في حينها بدفع راسماليه قدما الي اعلي مراحلها تطورا، فانها قادت ايضا الي توترات ثقافيه بين غرب وبين بقيه عالم لم تنته حتي برحيل استعمار.

كما ان اوروبا ذاتها دخلت في حرب متعدده مستويات (اقتصاديه وسياسيه، وثقافيه) في اواخر حقبه استعماريه مع بعض ابناء عرقها (المانيا نازيه)، وبالتالي فان احتمال تولي احزاب يمينيه للسلطه في بعض بلدان اوروبيه واحتمال وصول دونالد ترامب للبيت ابيض في نهايه هذا عام، قد يرفع من مستوي تحديات امنيه داخليا وخارجيا علي جانبي اطلنطي، حيث من متوقع ان تتجه هذه احزاب لتطبيق سياسات متشدده لمنع قدوم مهاجرين جدد والتضييق علي مهاجرين اخرين متواجدين في اراضيهم مما يزيد من مشاعر احتقان والتوتر ثقافي والعرقي والذي بوسعه امداد جماعات اصوليه مسلمه والجماعات عرقيه وطنيه باسباب اضافيه لتوجيه عملياتها ارهابيه تجاه غرب داخل اراضيه، وضد مصالحه في خارج.

ايضا في ظل حاجه اوروبا لمزيد من قوي عامله في كافه تخصصات مع تراجع معدلات نموها سكاني وضعف اقبال مواطنيها علي دراسه تخصصات علميه دقيقه وهامه في دفع سبل ابتكار تكنولوجي، فان سياسه تضييق علي مهاجرين لابد وان يكون لها انعكاسات سلبيه علي نمو اقتصادي والتنافس تكنولوجي علي مديين متوسط والبعيد.

واخيرا فان تزايد قوه افكار عنصريه ستقود حتما الي تقويض صوره اوروبا والغرب تنويريين بما يفقدهما احد اهم اوراق قوه ناعمه تي ظلت في حيازتهما حتي وقت قريب وبما مكنهما من جذب نخب مثقفه في عالم ثالث لتشكيل كتل ضاغطه تعمل في اتجاهين، فمن جهه تؤكد عالميه ثقافه اوروبيه، ومن جهه اخري يجري استغلالها في بعض احيان لتحقيق مصالح غرب في بلدان تي تشكل انظمه حكمها مخاطر علي هذه مصالح.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post النرويج تعتزم منع النقاب في أول قرار من نوعه ببلد إسكندنافي
Next post برامج الأحزاب السويدية و اثرها على إندماج المهاجرين