تطبيع بين الأتراك والأرمن بعد 31 عاما من التوتر؟
ليلى إيغلي
ترجمة: يسرى مرعي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تقارب تركي أرمني غير مشروط بدأ في موسكو (يناير 2022) بعد انقطاع لِـ13 عاما، يركز على التجارة والنقل وتريده أنقرة أن يكون مباشرا. تحليل ليلى إيغلي لموقع قنطرة.
في 14 كانون الثاني /يناير 2022 التقى ممثلون عن ركيا وأرمينيا في موسكو بهدف بناء علاقات دبلوماسية، وهي المحادثات الأولى من نوعها منذ عام 2009.
وعلى الرغم من عدم عقد مؤتمر صحفي بعد الاجتماع الذي استمر 90 دقيقة، أكدّت المصادرُ أن الأطراف كانت متفائلة. ولكن بالنظر إلى أهمية القضايا التي تُناقَشُ، فمن المحتمل أن يكون التفاؤل الكبير سابق لأوانه.
واتفق الممثلان المعنيان (السفير السابق للولايات المتحدة سردار قليج) عن تركيا ونائب رئيس البرلمان الأرميني روبين روبينيان عن أرمينيا) على مواصلة الاجتماعات. ويتلخصّ هدفهم في تخفيف حدّة المشاكل القائمة والمساعدة على تهدئة ردود الفعل داخل كل من البلدين والشتات الأرميني.
في نهاية المطاف، يتمثّل الأمل في أن تجتمع القيادة التركية والأرمينية وتتصافحا وتستأنفا العلاقات الدبلوماسية، بعد انقطاع دام لأكثر من 30 عاماً.
ما هي المشاكل، وما هي الخطوات التي تُتخذ؟
حين أعلنت أرمينيا الاستقلال في أيلول/سبتمبر 1991، أرسلت الحكومةُ التركيةُ فريقاً من الدبلوماسيين في مسعى لبدء علاقات دبلوماسية.
بيد أنّ ردّ فعل الحكومة الأرمينية كان حذراً، فقد كانت لا تزال تحمل ندوباً جماعية من عمليات الترحيل الجماعي للأرمن من الأراضي العثمانية في عام 1915، بل إنّ البعض في الإدارةِ دعا إلى ضرورةِ إعادة ترسيم الحدود قبل إقامة علاقاتٍ مع تركيا.
وعلى الرغم من الرد الأرميني المتردّد، اعترفت تركيا باستقلالها في كانون الأول/ديسمبر 1991. ولكن قبل أن يتمكنا من تعيين سفراء، احتلّت أرمينيا إقليم ناغورني كاراباخ في أذربيجان. دعمت تركيا أذربيجان، الدولة التي يشيرُ إليها الأتراك بـ”إخوتنا وأخواتنا”.
في عام 1993، أغلقت تركيا الحدود وألغت الرحلات الجوية والقطارات بينها وبين أرمينيا وقطعت جميع طرق تجارة الترانزيت؛ وطلبت من أرمينيا الانسحاب من إقليم ناغورني كاراباخ، وهي منطقة ذات أغلبية أرمينية، ولكن يُعترفُ بها عالمياً على أنها تتبع لأذربيجان.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت أحداث عام 1915، وقضية ناغورني كاراباخ، والمطالبات المتعلقة بالحدود في حالة سبات بانتظار حلّها.
في هذه المرة، اتفقت أنقرة ويريفان على التركيز على القضايا التي يسهلُ تناولها، والتي ستكون مفيدة لكلا الطرفين، مثل التجارة والنقل. ومن جانبها، رفعت أرمينيا الحظر المفروض على السلع والبضائع التركية في كانون الثاني/يناير (2022).
وقبل عقد الاجتماع في موسكو، أُعلِن عن إجراء آخر بهدف بناء الثقة؛ استُؤنفت الرحلات الجوية بين إسطنبول ويريفان في 2 شباط/فبراير (2022). وكانت تلك خطوة مهمة وملموسة في اتجاه تحسين العلاقات بين البلدين.
ووفقاً لمصدر دبلوماسي تركي، يحاول كلا الطرفين في هذا الوقت تحديد جدول زمني للبدء بالتجارة. وبما أنه لا توجدُ نظم مستخدمةٌ حالياً، يمثّلُ فتح الحدودِ البريةِ مشروعاً طويل الأمد. وبمجرد أن تُفتحَ الحدودُ ويبدأ كلا الشعبين بإدراك الفوائدِ، سيُعيَّنُ السفراءُ.
العوامل المحلية والدولية
وينبعُ قرار المضي قدماً في تطبيع العلاقات بين البلدين بالتدريج من الذكريات التي لم تنس بعد للعملية التي انهارت في عام 2009. حينها حاولت الدولتان نسيان الخصومة بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عبر العديد من الاجتماعات الرفيعة المستوى التي عُقِدت على مدى عام كامل. وقعت الدولتان بروتوكولات لبدء العلاقات الدبلوماسية وفتح الحدود.
ولكن مقاومة العديد من السياسيين الأرمينيين، وبدعم من بعض الناخبين الأرمينيين، وصلت إلى المحكمة الدستورية الأرمينية. وطلب المشاركون تعديلات مختلفة على البروتوكولات، وهي تعديلها رفضها الأتراك.
كما كان ردّ فعل أذربيجان قاسياً، فقد أثار غضبها مساعي تركيا لتطبيع العلاقات مع أرمينيا بينما القوات الأرمينية تتواجد في ناغورني كاراباخ. ورفض الرئيس الأذربيجاني علييف حضور مؤتمرات القمة في تركيا وصدرت تصريحات سلبية للصحافة. في نهاية المطاف، هدّدت أذربيجان برفع أسعار صادرات الغاز إلى تركيا، ويمكن القول إنه أحد الأسباب الرئيسية لتعثّر العملية.
ومع سيطرة أذربيجان مرة أخرى على ناغورني كاراباخ في أعقاب النزاع في خريف عام 2020، فمن المرجّح ألا تشكّل الإدارة في أذربيجان عائقاً كبيراً كما فعلت في عام 2009، أمام إعادة التقارب التركي-الأرميني. ووفقاً لمصدر دبلوماسي تركي، بدأت أنقرة بعملية استئناف المحادثات مع يريفان مباشرة بعد استعادة أذربيجان لإقليم ناغورني كاراباخ.
وأكَّد المصدر بأنّ “التطبيع سيحسّن من استقرار المنطقةِ، فالجميع يحتاجه. إن اتبعت أرمينيا نهجاً إيجابياً فستُفتح الحدودُ وتُقام العلاقات”.
لكن ما قد يشكّلُ عقبةً محتملةً أمام هذا التقارب الهجرةُ القسريةُ ومقتلُ مئات الآلاف من الأرمن أثناء سيرهم الطريق في عام 1915، والتي تعتبرها أرمينيا وبعض الدول الأوروبية إبادة جماعية.
فهناك البعض في أرمينيا، ومن بينهم سياسيون، يعتقدون أنّ تركيا تصرفت في حرب ناغورني كاراباخ في عام 2020 بشكل مشابه للعثمانيين، وذلك من خلال دعمها لأذربيجان بمسيَّرات مسلحة (طائرات من دون طيار).
وأمسى يقع على عاتق الحكومة الأرمينية إقناع شعبها بأنّ تركيا يمكن أن تشكّل شريكاً تجارياً موثوقاً به، وأن تشكّل سوقاً محتملة ضخمة مع عدد سكانها الذي يبلغ 80 مليون.
ورغم خسارة أرمينيا لإقليم ناغورني كاراباخ لصالح أذربيجان، نجح رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في توطيد سلطته بفوزه لمرة ثانية في الانتخابات.
وفي أعقاب الاجتماع الأول في 14 كانون الثاني/يناير (2022)، كانت جميع المؤشرات إيجابية. إذ قرّر كلا الطرفين مواصلة المحادثات من دون أي شروط مسبقة.
تركيا تدفع باتجاه “الحوار المباشر”
ومن الأهداف الأخرى للاجتماع الأول، وضع خريطة طريق للحوار المباشر، من دون الحاجة إلى تدخّل طرف ثالث، مما يتيح لتركيا وأرمينيا كتابة بروتوكولات جديدة تحدّد البنية التحتية السياسية والقانونية للتطبيع استناداً إلى مصالحهما فحسب.
وبما أن فكرة الممثليين الخاصين جاءت من موسكو و كان من واجب أنقرة الترحيب بالتأثير الإيجابي لروسيا على المفاوضات، ولذلك وافقت على عقد الاجتماع في موسكو.
قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 30 كانون الأول/ديسمبر 2021، “إننا نتفهم أنّ كلاً من روسيا وأرمينيا تريدان عقد هذا الاجتماع في موسكو. بالنسبة لنا، لا يهم حقاً من ستكون الدولة الثالثة المعنية. ولكننا ممتنون لروسيا للمساعدة على تحقيقِ المبادرة الحالية”.
دور روسيا مهم بالنسبة لأرمينيا. أما تركيا من جهتها فتتّخذ كل الاحتياطات اللازمة حتى لا تثير غضب روسيا، بسبب العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية الوثيقة للغاية التي تربط بين البلدين، لا سيما بالنظر إلى الطبيعةِ المتوترةِ للعلاقات التركية مع الغرب.
وقد قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مراراً أنّ نظيره الروسي فلاديمير بوتين موافق على عملية تطبيع العلاقات التركية-الأرمينية. إضافة إلى ذلك، تدعم الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية الدول الأوروبية أيضاً المبادرةَ الأخيرة، كما فعلت في عام 2009. وقد يبدو هذا الدعم إشارة جيدة بالنسبة لتركيا: فقد عزّز بلا شك من ثقة الوفد التركي عند التفاوض على شروط المشاركة الروسية خلال الاجتماع الأول.
ولم يتم التوصل إلى توافق في الآراء في كانون الثاني/يناير (2022) حول مكان انعقاد الاجتماع الثاني. وبالتالي فالسؤال المطروح الآن: هل ستواصل روسيا التحكّم بالمفاوضات أم لا؟
قنطرة