هل تتأثر الدول العربية والغربية بالعقوبات المفروضة على روسيا؟
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_بداية من دعوة موسكو إلى سحب القوات من الحدود الأوكرانية، ثم دعوتها إلى عدم شن أي تدخل عسكري، وأخيراً تحذيرها من التفكير في تجاوز أوكرانيا.
بدأ بعد ذلك مباشرة التلويح بفرض عقوبات على روسيا كوسيلة مساعدة وحيدة، لحد الساعة، من طرف حلف الناتو، لم ترق كثيراً لزيلينسكي. فهل ستعيش المنطقة فوضى من العقوبات الاقتصادية؟ وهل أمريكا في طريقها إلى استهلاك أحد أهم أسلحتها السياسية؟
خط أنابيب نورد ستريم 2:
حتى قبل بداية الغزو الروسي على أوكرانيا كما سماه بوتين في خطابه الأخير، حاول الرئيس جو بايدن بمساعدة حلفاء الاتحاد الأوروبي الضغط على برلين من أجل إيقاف مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، وسط تحفظ حول الأسباب من طرف المستشار أولاف شولتس الذي وجد نفسه مكرهاً على إيقاف المشروع لدواعٍ “فنية”.
ولقد كانت العودة لإشهار هذه الورقة بعد إعلان موسكو اعترافها باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بجرأة أكبر وكعقوبة رادعة هذه المرة، لكن في الحقيقة فإن الخط لم يتم تشغيله بعد حتى نقيس بدقة مدى تأثيره على الاقتصاد الروسي في الوقت الراهن، فوجود نورد ستريم 2 يعني أن 1 موجود فعلاً (بالإضافة إلى خطوط أنابيب روسية أخرى) ولا زال يمد أوروبا وخصوصاً ألمانيا بأكثر من 40% من حاجياتها من الغاز.
غير أنه في حالة تفاقم الأوضاع والتخلي عن الإمدادات الروسية، يمكن لدول الاتحاد الاعتماد على احتياطيات الغاز لديها إلى غاية شهر أبريل/نيسان في أفضل الأحوال، أو حتى التوجه إلى الفحم ضاربة بعرض الحائط شعارات الحفاظ على البيئة. وستكون بذلك ألمانيا، أكبر المتضررين من قرار كهذا، حيث إنها قامت قبل سنوات، بإغلاق جميع محطات الطاقة المعتمدة على الفحم لغايات بيئية. كما أن هذه الفترة يمكن أن تمتد لشهر إضافي آخر إذا ما تم استخدام ما يسمى “غاز الوسادة” المخزن تحت الأرض كورقة سرية لا تحبذ أوروبا كثيراً اللعب بها، لصعوبة استخراجه من تحت الأرض قانونياً وتنظيمياً وتقنياً أيضاً، إلا أن استخدام 10% من هذا الاحتياطي لن يشكل انهياراً أو خطراً على مواقع استخراجه، حسب شركة الاستشارات الطاقية “وود ماكينزي”.
نظام سويفت المصرفي:
وصفه بعض الخبراء بالقنبلة النووية، ولا أعتقد أن هذه التسمية جاءت فقط لكونه الحل الأخير الرادع للنظام الاقتصادي الروسي حسب رأي الاتحاد الأوروبي وواشنطن (مع تردد من طرف برلين بعد إعلان موافقتها سابقاً)، ولكن أيضاً لتأثيره على جل الاقتصادات المرتبطة به، بما فيها الدول العربية.
ولقد سبق أن تم طرد إيران من السويف سنة 2012، مما أدى إلى تراجع مداخيل تصدير النفط لديها بالنصف، وتراجع التجارة الخارجية بـ30%، وهي نفس النتائج التي يعتقد أن يمر منها الاقتصاد الروسي أيضاً، على الأقل إذا لم تكن موسكو قد وضعت فرضية الحظر في الحسبان، الشيء الذي أستبعده بشدة.
ففي سنة 2014 تم بالفعل التلويح بطرد الأبناك الروسية من السويفت (والتي تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الأبناك المنخرطة في الشبكة) بعد عملية ضم شبه جزيرة القرم، وهي نفس السنة التي أطلق فيها البنك المركزي الروسي نظاماً مماثلاً أطلق عليه spfs ، وقد تم تفعيله بالفعل بانخراط 23 دولة حليفة، بالإضافة إلى ربطه بنظام CIPS الصيني الذي أحدث بدوره سنة 2015.
نعم، الأمر مشابه نوعاً ما لقرار حظر هواوي من استعمال أنظمة جوجل، الشيء الذي توقعته هواوي والتي كانت قد وضعت بالفعل دعامة لنظامها الخاص الجديد.
وقد اعتبرت صحيفة الغارديان على لسان أحد الخبراء المصرفيين أن هذه الخطوة تعد ضرورية للغاية في الوقت الحالي، لكنها تبقى غير كافية.
من جهة أخرى، هناك احتمال كبير للجوء إلى استعمال العملات الرقمية كخطة بديلة في المعاملات التجارية الدولية، وسط مخاوف كبيرة من بعض الدول، من الحرب السيبرانية للهاكرز الروس، مع أيضاً طرح احتمالية قطع كابلات الإنترنيت الأطلسية على حلف الناتو من جديد، إذا ما وجدت روسيا نفسها على مشارف الخطر.
خبرة بوتين أمام ثقة زيلينسكي الزائدة:
لقد اعتاد الدب الروسي على الحرب الباردة، ونشأ في محيط جيوسياسي مضطرب باستمرار، ولا يمكن أن تكون موسكو قد اختارت الحرب بدون أن تكون على وعي تام بما ينتظرها من عقوبات دولية قد نقول إنها ألفتها. في حين أن “خادم الشعب” الأوكراني لا يشاطر بوتين نفس الثقة حالياً بعد أن وجد نفسه أمام خيارين، إما انتظار نتيجة العقوبات التي لا زالت بعض الدول في الاتحاد الأوروبي نفسه، مترددة في تطبيقها على روسيا، أو قبول إحدى الرحلات التي عرضت عليه من طرف بعض دول التحالف من أجل الهروب. صحيح أن بوتين يعلم أن روسيا لوحدها غير كافية للصمود أمام هذه التحالفات، ولكنه يعلم أنها قادرة على زعزعة الاستقرار الجيوسياسي والجيو-اقتصادي بالمنطقة وخلق إزعاج لدول حلف الناتو.
ولعل بوادر الحلم السوفييتي لدى طالب التاريخ وعميل (كي جي بي) السابق، بدأت تظهر جلياً في السنوات الأخيرة، ليعطى بوتين بذلك أهم درس في الحرب السياسية ألا وهو أن تعتمد على نفسك بالدرجة الأولى، بيد أن زيلينسكي لم ينفعه دوره في “خادم الشعب” على فهم اللعبة جيداً التي لم تكن أحداثها مشابهة للمسلسل، ليجد نفسه شبه وحيد للأسف!
في نهاية المطاف يمكن القول إنه لم يكن لروسيا خيار آخر سواء كانت ملمة بما ينتظرها أم لا، فأن تجد حلف الناتو يطل على الشرفة الخلفية لموسكو هو خطر داهمٌ بحد ذاته لا أعتقد أن دول الحلف كانوا ينتظرون من موسكو تقبله.
كما لا أريد حالياً الخوض فيما صرحت به بعض المصادر الصحفية وذلك لقلتها، وهو أن بوتين يبدو واثقاً من نفسه هذه الأيام أمام تصريحات جو بايدن، لتمكنه فعلاً من اختراق جدار الاقتصاد الأمريكي، بحصص مهمة جداً بمساندة من بارونات النظام المصرفي العالمي، ضامناً تدبيراً جيداً للمخاطر المستقبلية وحماية من العقوبات الأمريكية على الخصوص، والتي قد تطال أثرياء موسكو المقربين من بوتين أو تمس بورقة الطاقة الروسية الضاغطة.
ويأتي في نفس السياق ما جاء به أحد كتاب موقعthe hill ، الذي قضى عقوداً من الزمن في دراسة حكام الأوليغارشية والذين يعد بوتين أهمهم؛ حيث اعتبر أن هذا النوع من الحكام يتميز عن غيره بفهمه الجيد للعلاقة بين السلطة والمال، وتسخير أحدها لتوفير الآخر. هم يفكرون مثل رواد الأعمال، في جو يسوده الغموض الشديد. يبدأون بتقييم الوسائل المتاحة، ثم يقررون ما يمكنهم تحمل خسارته، مع إبقاء هذه الخسائر عند أدنى مستوياتها، وأخيراً استعمال عنصر المفاجأة ببراعة.
فهل يمكننا إذن القول إن أوكرانيا كانت قطعة الجبن التي جرت روسيا إلى الفخ؟
وهل حلف الناتو جاد في العقوبات المفروضة أمام السيطرة الطاقية الروسية على المنطقة؟
وهل بوتين يسعى إلى إحياء الحلم السوفييتي رغم أنه صرح عدة مرات بأنه لا يهدف إلى ذلك فعلاً؟
عربي بوست