سويسرا والكشف عن تبرعات الحملات الانتخابية

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_كواحدةٍ من أواخر الدول التي لا تتمتع بشفافية التمويل السياسي في أوروبّا، قاومت سويسرا الكشف عن التبرعات التي تتلقاها الأحزاب والتبرعات المخصّصة لحملات الانتخابات أو الاقتراعات. وبعد عرض المسألة على عدة استفتاءات شعبية، بدأ الأمر يتغيّر الآن.

يكاد أن يكون ذلك حدثًا مفاجئًا ومدويًّا في مسألة شفافية التمويل السياسي: في الثالث عشر من فبراير الجاري، أيّد الناخبون والناخبات في كانتون جورا المبادرة الدستورية: “الشفافيّة في الأحزاب السياسية”، وذلك بشكلٍ واضح، إذ وافقت عليها نسبة ستين بالمئة، بينما لم تجد المبادرة المضادة التي طرحها برلمان الكانتون أغلبيةً مؤيدة، إذ حصلت على أقل من 45% من الأصوات الناخبة.

بالنسبة لمارتين هيلتي، مدير الفرع السويسري لمنظمة “الشفافية الدولية” غير الحكومية، فإن ذلك “قرارٌ مرحَّبٌ به؛ لأن خلقَ شفافية في التمويل السياسي أمرٌ ذو أهمية بالنسبة للديمقراطية”. في الواقع، يتعلق موضوع التصويت بمسألةٍ تكاد تكون نقطةَ ضعفٍ تقليدية في سويسرا، فهي منذ فترةٍ طويلة تقفُ مع روسيا البيضاء في آخر الصف الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالإفصاحِ عن تمويل الأنشطة السياسية. ولهذا السبب فإنها انتُقدت بشكلٍ حاد ومتكرر من قبل مجموعة دول المجلس الأوروبي لمكافحة الفساد  المعروفة اختصارا بـ “Greco”.

في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي الهيئة التي تتعاون من خلالها أكبر اقتصادات العالم، لا زالت سويسرا اليوم البلد الوحيد الذي يفتقر على المستوى الوطني إلى القواعد التنظيمية المناسبة لذلك.

لكنّ السنوات الأخيرة شهدت حركة في وضعٍ ظل معطَّلا لفترة طويلة. هنا برزت أولًا هوةٌ بين الكانتونات الناطقة بالألمانية وبقية الكانتونات الأخرى في الموقف من واجب الكشف والإفصاح. كأولى الكانتونات أرست نوشاتيل وجنيف وتيتشينو أحكامًا للشفافية بالنسبة للمؤسسة السياسية، بينما فشلت في صناديق الاقتراع اقتراحاتٌ مماثلة في ريف بازل (نصف كانتون) وفي كانتون آرغاو.

هذه الانعطافة أتت بمبادرتين شعبيتين في كانتوني فرايبورغ وشفيتس: في الرابع من مارس 2018 وافق 70% تقريبا من مواطني ومواطنات فرايبورغ على مادة دستورية لهذا الغرض، وفي كانتون شفيتس فازت مبادرة الشبيبة الاشتراكية بنسبةٍ ضعيفةٍ جدًّا هي 50.28%.

على وجه الخصوص في كانتون شفيتس المحافظ تقليديًّا، جعلَت كلمة “نعم” الانعطافة الثانية واضحةً، فقد شجّعت النتيجةُ البرلمان الفدرالي أن يأخذ على محمل الجَد مبادرةً شعبية مماثلة على المستوى الوطني، وهي مبادرةٌ نجحت في جمع مئةِ ألف توقيع كانت قد قُدِّمت له في العاشر من أكتوبر 2017 تطلب من الكنفدرالية إصدار أحكامٍ للكشف عن التبرعات التي تتلقاها الأحزاب وكذلك حملات الاقتراع والحملات الانتخابية.

واجب التصريح ابتداءً من 15 الف فرنك 

بعد مفاوضات دامت سنواتٍ، أصدر البرلمانُ أخيرًا في الثامن عشر من يونيو 2021 اقتراحًا يقابل بشكلٍ غير مباشر مبادرة الشفافيّة التي سُحبَت نتيجةً لذلك.

مدير الفرع السويسري لمنظمة “الشفافية الدولية”، مارتين هيلتي، يصف ذلك بـ “الخطوة المعتدلة في الاتجاه الصحيح”، ويقول: “هذه الأحكام الجديدة تُغلق ثغرةً قانونيةً مهمة”.

مستقبَلًا يجب على الأحزاب السياسية الممثَّلة في البرلمان أن تصرّحَ بالمداخيل والتبرعات التي تَزيد على خمسة عشر ألف فرنك للشخص الواحد في العام الواحد، وهذا الأمر يشملُ غرفتي البرلمان. إلى ذلك يأتي واجب الكشف عن التبرعات التي تزيد عن 15.000 فرنك للشخص الواحد في العام الواحد في حملات الاقتراع والحملات الانتخابية أيضًا، وذلك إذا زادت قيمة هذه الحملات عن 50.000 فرنك إجمالًا. كذلك لا يُسمَح في المستقبل بتبرّعاتٍ من خارج البلاد عندما يكون المصدر مجهولًا.

مُحبّب للشعب ومكروهٌ للسّاسة

بالنسبة لمارتين هيلتي تقع الكرة الآن على المستوى الوطني في ملعب الحكومة الفدرالية: “هي مطالَبةٌ الآن بإصدار مرسومٍ تنفيذي للاقتراح المقابل لمبادرة الشفافية يكون فاعلًا ومتماسكًا ويخلو من الثغرات قدر الإمكان”.

ولكن على مستوى الكانتونات أيضًا ما زالت تُهيمن الحاجة للتفاوض كما يؤكد خبير الشفافية، ففي كانتون شافهاوزن، حيث وافق الناخبون والناخبات قبل عاميْن بنسبة 54% على مبادرةٍ شعبية في هذا الصدد، يحاول برلمان الكانتون حاليًّا تليين المادة الدستورية الجديدة مرّةً أخرى.

كذلك في الجورا، كانتون الشفافية الحديث، حيث صار يجب أن يكون هناك، إلى جانبِ التزاماتٍ أخرى، تعهّدٌ بالإفصاح عن التبرعات التي تزيد عن 750 فرنكًا لكل شخص في كل عام، فإنَّ البرلمان مطالبٌ الآن بوضع التطبيق القانوني على سكّة التنفيذ، وهذا البرلمان هو عيْنُه الذي وقف بغالبيته قُبيل الاقتراع العام في الثالث عشر من فبراير 2022 ضد المادة الدستورية الجديدة.

الأنماط تتماثل: فبينما الشعب في كل أنحاء البلاد يطلب من الطبقة السياسية المزيد من الشفافية، لا يود رجال السياسة ونساؤها أن يتحدثوا عن ذلك.

خلاصة القول: حتى الآن، يبقى طريق الخروج من الغرفة المظلمة للتمويل السياسي طريقًا طويلًا بالنسبة لسويسرا.

Swissinfo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post شحنة من محطات توفير خدمة الانترنت يرسلها ايلون ماسك لأوكرانيا
Next post يوتيوب وتغيرات من أجل منافسة تيك توك