الغزو الروسي والنفاق الأوروبي

إبراهيم عطا _كاتب فلسطيني

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_كم هو مبهر هذا الاجماع الاوروبي وهذا التكاتف الغربي بوجه الحرب الروسية على اوكرانيا والتي لاقت اشد الادانة والاسنكار على اعلى المستويات واقسى العبارات…
لقد شعرنا وكأن هناك مايسترو محترف يدير هذه “السيمفونية التضامنية” العظيمة ويوزع الادوار على الكبار من الاوروبيين قبل الصغار….فما اروعها من عملية تآزر بوجه الغزو والعدوان وما اجملها من صورة لرص الصفوف والوحدة بين الاخوان، ولكن هل دول اوروبا بهذه السذاجة حتى تنجر الى حرب مدمرة على اراضيها وتلعب الدور المنوط بها في هذا الفيلم الامريكي الطويل وكلها سمعا وطاعة لراعي البقر صاحب القرار الاول والاخير؟…فنراهم منذ اليوم الاول وبشكل منسق ومتناسق يشاركون كل حسب امكانياته، او بالاحرى حسب تقديرات وتوجيهات هذا المايسترو اليانكي الذي يحركهم بعصاه السحرية وحسب اهوائه ومصالحه الذاتية، فهذا مع فرض الحصار الجوي والعقوبات الاقتصادية وذاك يشارك باتخاذ وقف التعاملات والاجراءات المصرفية بينما اخرون يتولون الدعم العسكري واللوجستي، وأما الباقون فيسارعون لتقديم المساعدات الانسانية لاستقبال اللاجئين وتقديم كل اصناف العون والتسهيلات الضرورية…
ولم يتوقف هذا التعاضد عند هذا الحد فقد وصل بهم الامر الى حد ايقاف بث اهم القنوات الروسية مثل سبوتنيك وآر تي، وتجنيد وسائل التواصل الاجتماعي العالمية مثل تويتر ويوتيوب وغيرها، في تناقض كبير مع مفهوم حرية الرأي والاعلام الذي يتغنون به على مسامعنا…لتنتقل بعدها العدوى الى الرياضة فتعلن الفيفا واليويفا حظر المشاركات الروسية في كافة البطولات الدولية والمنافسات العالمية…كل ذلك في موقف موحد وداعم لنضال الشعب الاوكراني “الذي يعاني الويلات من الغزو الروسي والاحتلال منذ ما يزيد على السبعة ايام… “
والاهم من كل ذلك الحديث التصاعدي عن المقاومة الشعبية وتسليح وتدريب المتطوعين المحليين والاجانب لمحاربة المحتلين الروس، وبالفعل بدات افواج من الاسبان والانكليز وغيرهم بالوصول الى معسكرات التدريب، وكذلك تشجيع العمليات الانتحارية ضد قوات الاحتلال الروسي، وكيفية صناعة قنابل المولوتوف التقليدية لالقائها على قوافل الغزاة التي تدخل المدن الاوكرانية…
فقط سبعة ايام من الحرب كانت كافية لتعرية مفاهيمهم الزائفة، ولاظهار عهرهم ونفاقهم المتمادي، وتجلت خلالها سياسة المعايير المزدوجة باوضح صورها، فلا داعي لمقارنة مواقفهم البطولية هذه مع مواقفهم الانهزامية تجاه الاحتلال الصهيوني لفلسطين وصمتهم الرهيب على جرائم القوات الاسرائيلية التي تقتل الاطفال عند محاولتهم القاء الحجارة على عربات الاحتلال، وكذلك حياة الملايين ممن يقبعون تحت الاحتلال وفي جيتو غزة او الذين يعيشون في مخيمات اللجوء منذ اكثر من سبعين عاما، وفضحت ايضا نظرتهم العنصرية والغير اخلاقية تجاه مختلف شعوب الكون، فلا داعي ان نتطرق لما تردده وسائل اعلامهم عن النازحين الاوكرانيين الذين يعتبرونهم لاجئين من الدرجة الاولى، فلا يمكن مقارنتهم بالسوريين والعراقيين والافغان، او اي لاجيء آخر من دول العالم الثالث…
نقول لكم يا زعماء اوروبا والعالم الغربي المنافق كفاكم عهرا وذرفا لدموع التماسيح، ولا تسوقون للقيم الانسانية ومفاهيم التحرر والحرية بينما ما زلتم تدعمون الاحتلال الصهيوني في فلسطين وتغضون الطرف عن مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات، ولا تجرؤون على الحديث عن عقوبات او حتى ادانات تجاه جرائمه اليومية .. فانتم يا سادة اوروبا المتحضرة، شكلا وليس مضمونا، ما زلتم مثل أي من حكام العربان تحتاجون لراعي البقر كي يوجهكم ويحدد مهامكم ويدير الحروب باسمكم…
واخيرا، انا كغيري من الناس او مثل الغالبية العظمى ممن عانوا من سياسة النفاق والكذب والكيل بمكيالين، من اوروبا ومن الولايات المتحدة الارهابية، اتمنى ان ينقلب السحر على الساحر وان تتغير قواعد اللعبة وكل تلك المعادلات الظالمة التي فرضها راعي البقر على العالم، كي تسود الاخلاق بين الحكام والمساواة بين الشعوب ويتوقف الظلم والعدوان في كل دول العالم وعلى رأسها فلسطين، وليس في اوكرانيا وحدها لانها اوروبية شقراء وعيونها زرقاء.

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post موقع تصوير مسلسل لوبين يتعرض لسرقة
Next post أجزاء من حوار ولي العهد السعودي بمجلة ذا أتلانتيك