إعادة الخارطة السياسية الاقتصادية بعد هذه الحرب الملتهبة
عماد علي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_إننا تلمسنا كيف انجرفت إفرازات هذه الحرب اللعينة بكل خباثتها و بسرعة مذهلة إلى أوروبا و هي تتأثر بشكل مباشر و أحدثت التغييرات المباغتة و تغيرت معها الحياة العامة في العالم في لحظة و انقلب كل شيء فجأة رأسا على عقب. ليس هناك ما يصد هذه السيول الجارفة من المؤثرات المباشرة وغير المباشرة في كل زوايا العالم مما حدا إلى إعادة التفكير لدى العديد من الدول الأوربية وفق تنبؤاتهم لنتائج الحرب التي تريد البعض إطالتها و تخطط لذلك و تريد الآخر فض الاشتباك العسكري لتبن معطياتها لسنين، و عليه يمكن لأية دولة إعادة ترتيب التحالفات و السياسيات الدولية لها وفق قراءة الوضع الاقتصادي العالمي للمرحلة المقبلة.
يمكن لأي متابع أن يدقق في أمور أولية في المرحلة المقبلة القريبة لما يمكن أن تصل إليه الحال من المواقف المتغيرة المتسارعة للبلدان التي تتحرك بعضها لتجد لها الدور البارز من اجل تامين نفسها و مستقبلها أو على الأقل تؤمن استقرارها امنيا اقتصاديا و سياسيا كإسرائيل و حركاتها دالة لذلك؛ و تركيا و ما تنبري إليه و هي في اعقد مراحلها المتنقلة على غير ما تخفيه من نواياها الإستراتيجية التي تحركها و التي تدفعها في أن تكون وسيط الخير في هذه الحرب على الرغم من أنها ليست بالدولة المناسبة لهذه المهامات نسبة لتاريخها المشؤوم و سمعتها و ما هي عليه الآن بالذات، و هناك بجانبها التحركات الإسرائيلية في المقابل و هي تدور في رحلات جوالة لتثبت هي كذلك ان تفرض موقعها القوي مستقلا ( الرحلات المكوكية الأخيرة بين روسيا و بولندا لرئيس إسرائيل تؤكد هذا الرأي).
هذه الحرب تشي لنا بان هناك الكثير من الإشارات التي تدعنا أن نشك في اتفاقيات أمريكية روسية قبلها و الهدف مصلحتهما أحداهما غير مباشر على حساب الصين و الآخر مباشر على حساب أوروبا، إلا أن علانية تعامل الصين مع المستجدات يمكن أن تقلب الطاولة على منفذي الهدف المنشود من هؤلاء، و بعد مدة يمكن أن نلمس بان الخاسر الأكبر فيها هي أوروبا و الرابح الأكبر هي الصين و ربما تكون أكثر ربحا من الدولتين أمريكا و روسيا استراتيجيا.
هل يمكن أن نسال بعدما زادت شكوكنا فيما وراء هذه الحرب و من خطط لها و ماوراء الستار الذي هو الخفي المؤثر الأكبر من العلن:
*لماذا تجهز أمريكا لإطالة الحرب أكثر من اللازم و تهدف لتأسيس حكومة أوكرانية جديدة في المنفى، و هي أول من أرادت إخراج زيلينسكي من بلاده ليبقيه رسميا على رأس الحكومة و أن كانت في المنفى و يتعامل العالم معه ليبقى آلة مطيعة بيدها في المدى الطويل أمام روسيا، و تفعل هذا بدلا من إيفاء وعودها التي قطعتها لأوكرانيا و أدخلتها في هذه الحرب بطعم دخولها إلى ناتو، لكي يكون لها حق الدفاع عنها من قبل دول الناتو، فاخلفت أمريكا وعدها و ما كان على الرئيس الأوكراني إلى أن يوقع دخول أوكرانيا للاتحاد الأوربي بهذه السرعة و في هذا الوقت الحساس و غير المهيأ و في وسط حرب دامية كرد فعل لعدم مد يد أمريكا إليها بشكل جدي و ياسها من رأس النظام الرأسمالي. و عليه يمكن أن نقول بان امتناع زيلينسكي للخروج من أوكرانيا و هو مصر على بقاءه في موقعه قد يحرم أمريكا من هدفها الاستراتيجي أن بقى صامدا إلى نهاية اللعبة.
*العقوبات التي فرضت على روسيا لم ترد بإفرازاتها القوية إلا إلى صدر أوروبا المنافسة القوية لامريكا و الصين. و التخلل في استعار الطاقة يؤثر على أكلة الحرب أو اقصاره.
*من يدقق في أهداف أمريكا في هذه الحرب لا يتعجب في إنها تريد إطالتها مهما كان الأمر مخيفا و مأساويا للعالم اجمع و الدول الفقيرة على الأكثر، و تخطيطها لحكومة بديلة او حكومة برئاسة زيلينسكي أو بديله في المنفى، من اجل أن لا تعترف هي و حلفاءها بالحكومة التي تتأسس بعد سقوط كييف من قبل روسيا و تكون هاتين الحكومتين المتقابلتين الخارجية و الداخلية بؤرة الصراع و المنطلق لإعادة تنظيم التحالفات و الصراعات الطويلة الأمد كمثيلتها أبان الحرب الباردة.
*الهدف المخفي الأكبر الذي تفكر أمريكا تحقيقه منذ مدة طويلة هوفرض تبعية اوربا سياسيا و اقتصاديا لها، و ربما يمكم أن تحقيقها في المدى الطويل لو نتائج فيما بعد الحرب خرجت كما تنوي او تظهر لها حساباتها.
*لا يمكن التصور بان روسيا قد تفرض بشكل غير مباشر عدم خروج زيلينسكي من أوكرانيا، و يمكن أن يُعتقد بأنه يكون محرجا جدا لو خرج من البلاد و هي في حالة حرب، و عليه لا يمكن ان تمد روسيا يدها باي شكل كان إلى زيلينسكي لاغتياله على خلاف ما قيل من أنها خططت لاغتياله و كانت الادعاءات خارجة من ماكنة الإعلام الأمريكي الغربي، و من المعتقد ان يكون زيلينسكي حيا و في امان افضل لروسيا مستقبلا أكثر من قتله. و ربما بعد ضمان حكومة أوكرانية جديدة مستقرة تابعة سيكون هناك رأي آخر. و في جانب اخر في حالة اختفاء زيلينسكي سيكون نائبه الذي هو رئيس البرلمان الآن أفضل بديل لدى أمريكا، وأكثر من ذلك يمكن أن نتوقع بان يٌغتال زيلينسكي من قبل أمريكا أو حلفائها لو ضمنوا وصول نائبه إلى خارج حدود أمريكا و شكلوا بقيادته حكومة بديلة في المنفى.
و عليه، يمكن أن نقول بأننا دخلنا في بداية مرحلة جديدة مغايرة تماما لما كنا عليه, و ستتغير الأمور و مواقف و مواقع العالم رويدا رويدا، و هناك من يخرج من هذه الحرب خاسرا و اخر رابحا غير روسيا و أوكرانيا، و ستحدث انعطافة كبيرة في مسار الحكومات و سياساتهم و أفكار هام و مناهجهم و فلسفاتهم و العلاقات المتعددة التي تربطهم بالآخرين.
لكن نحن نتأكد من أننا نرى شياطين يحكموا العالم دون رحمة لمدة طويلة، فماذا يكون موقع من لم يصل إلى أهدافه الإستراتيجية في تاريخه كالأمم المحتلة كالامازيغ و الكورد و البلوج و غيرهم، و هذا ما نتطرق إليه في المقال القادم.
الحوار المتمدن