ليس لدى الرئيس العربي كلب
أحمد عمر
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_استمتعت بقراءة حوار ابن سلمان مع “ذا أتلانتيك” الشهرية الثقافية، وتنعمت بغمز الصحفي غريمي وود الذي أجرى اللقاء ولمزه ابن سلمان، وتحصينات ولي العهد التي اتخذها حرصاً على سلامته، وحذره من اللقاء، وسعيه بما أوتي من مواهب لدنية ومهارات اكتسابية لاستمالة قلب الصحافيين: رئيس تحرير المجلة جيفري غولدبرغ، والمحرر غريمي وود، وهو حوار مكتوب، والمكتوب أسهل على ولي العهد، فليس من كاميرا تتصيد حركاته ولفتاته. وأقترحُ أن يضيف الإعلام لغة الأثاث إلى لغة الجسد في قراءة المقابلات، فقد أمست طاولة بوتين الطويلة مثل اسم دولة القذافي حديث وسائل التواصل.
وقد أوحى ولي العهد الميمون بأنه استطاع استعطاف قلبي الصحافيين، وقلوب قرّاء ذا أتلانتيك، حتى أنه قال لهم إنه يعزّ عليه أن حواجز كورونا تمنعه من معانقتهما معانقة الأصحاب، وليس من المراسم معانقة الصحافيين. وكانت الطائرات قد نقلتهما في عمليات أمنية خوارزمية معقدة في منتصف الليل. وفي لقاء سابق قال لوفد أمريكي متضرعاً: إن أمه، أي مرضعته، حبشية مسيحية، فأحبّوه، واغفروا له زلاّته. المصريون يقولون في هذا المقام: مالنا ومال أمك؟
سيجعل المملكة ديزني لاند
وانتبه كاتب السطور إلى أمر وهو يشاهد الأخبار والنازحين الأوكران الأنيقين، وهم يهاجرون، أن بعضهم اصطحب كلبه في عبّه، وأنّه لم يجد ملكاً عربياً يتخذ كلباً قط، وانتبهت إلى أنه ليس لابن سلمان كلب ولا للسيسي ولا للأسد. كان لهتلر كلبة اسمها بلوندي، وكانت ايفا بروان عشيقته تغار منها، وكان يغار على الكلبة بشدة، ومرة قال لأحد ضيوفه، وقد وجده يلعب مع كلبه: إلا كلبي. الكلب هو الشرف والناموس، ولكل الرؤساء الأوروبيين كلاب، فالأسرة السعيدة الأوروبية لا بد لها من كلب، وظننت أن في دفتر العائلة صفحات للكلاب.
ويمكن أن نذكر هرّ بيل كلنتون “سوكس” وكلبه الابرادور، فمنذ عهد جون آدامز، أول رئيس للولايات المتحدة وجميع الرؤساء يتخذون كلابا ما عدا تشيستر آرثر ودونالد ترامب. أما اسم كلب أسرة بايدن فهو ميجور، وكلبة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو اسمها “كنزي”. “بو” و”سني” هما كلبا الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ونذكر دوق ودوقة كامبريدج وليام وكيت ميلتون وكلبهما لوبو. “نيمو” هو كلب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يشارك أحيانا في الاجتماعات الرسمية، بصفة مراقب.
يقول المؤرخون إن جورج ومبيدو هو صاحب هذه البدعة الكلبية البديعة، منذ أن اتخذ كلبا اسمه “جوبيتير”، وهو اسم إلهة إغريقية. وقد اضطر الزوجان شيراك إلى التخلي عن الكلب “سومو” الذي عضّ جاك شيراك في عدة مناسبات.
أما كلاب الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي فقد خرّبت الأثاث في أحد الصالونات الرئاسية بأنيابها ووطأتها بمناسم، وذكر المؤرخون والرواة أن الرأي العام غفر للكلاب ما جنت أنيابها، فهي تغفر للحيوان البهيم ما لا تغفر لأصحابها البشر.
ونذكر بطل الجودو فلاديمير بوتين وكلبيه يومي وبافي، وهما هديتان من رئيس الوزراء الياباني الذي سيتذكر جزر الكورديل قريبا ويطالب بها. وكان بوتين الذي يحبُّ ألعاب الترويع قد روّع بها المستشارة ميركل التي تعاني من رهاب الكلاب من أثر عضة كلب في أيام الصبا.
ووجدت من مشاهداتي في أوروبا حبّ الأوروبيين للكلب، وأن البشر يتوادّون بالكلاب ويتراحمون بها. الكلب خير رسول بين القلوب، وخير مؤدم بين الجيران، يتلاقى كلبان، فيتوادّ صاحباهما ويقفان مستمتعين بهراش الكلبين وجريهما وطرادهما. هو صحيح الهوى “كلاّب”.
قالت لي مرّة سيدة ألمانية متهمة: وجدت في بلادكم الكلاب هائمةً على وجهها. فشعرت بأني متهم، وكدت أقول نحن هائمون أكثر منها، وقلت لعل وعسى ألا تجرّ تهمة بالإرهاب. وتذكرت عنوان كتاب ابن المرزبان: “فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب”، لكني لم أستطع أن أبيّن لها ما نعتقد بالكلاب، بسبب طول السكة وبعد السفر ووحشة الغياب وعجمة اللسان.
كانت تريد القول إننا قوم نكفر بأنعم الله، فالكلب ثمين في أوروبا والكلاب تباع وتشترى وتهدى، وقد شاهدت فيلماً وثائقياً في الجزيرة الوثائقية عن فن الرعي في أوروبا، ووجدت جهد المزارعين والرعاة في رعاية قطعان الغنم وتوليدها. قال مقدم الفيلم مبشرا المشاهد إنّ كلبة ولدت في أثناء تصوير الفيلم، والجرو يبلغ ثمنه أضعاف ثمن الحمل، فالحمل الوليد ثمنه مائة وخمسون يورو، بينما يبلغ ثمن الكلب البسوس ثلاثة آلاف يورو!
قال لي عامل فيلبيني إن السوريين يهدرون ثروة كبيرة، فقلت: كل بلادنا ثروات مهدورة، نعوم على بحار من النفط وليس لدينا مواصلات، لدينا بترول ونموت من البرد في الشتاء، لدينا قمح ونقضي ربع يومنا أمام باب الفرن من أجل رغيف لا يؤكل، لدينا رئيس لكن يستحيل الاتصال به، نموت من العطش والماء تحت أقدامنا سيول. ثم سألت الفليبيني عن الثروة المقصودة، فقال: ثروة اسمها الكلاب. وقال: الكلاب لذيذة اللحم. وكان الفليبينيون القادمون من وراء أعالي البحار لإقامة منشأة صناعية في سوريا بعقد معقود، يشترون الجراء ويطعموها لحم الضأن حشواً لأمعائها باللحم، ثم يذبحونها أو يقتلونها ويشوونها ويأكلونها أكلا لمّا.
أطل في سكني الألماني على مرج يستروح فيه أهل المدينة كلابهم، حتى صرت أعرف كلابهم بصفاتها وشمائلها. السيدة سابينا وكلبها العاق الذي يأبى أن يعود إلى المنزل فتركب سيارتها وتوهمه بالعودة فيضطر للعودة، شنايدر وكلبه الكسول الحزين، شولتز وكلبها المعاق وسرورها بتركيب عجلات الإعاقة حتى تمكنه من المشي واللهو مع أخيه الكلب الصحيح، كلب السيدة الجرو السنجابي الذي عض عابر سبيل، فاعتقلته الشرطة وغرمتها غرامة كبيرة. أفضل طرق التسول في أوروبا هي بالكلب، لكل متسول كلب يستدر به قلوب الناس.
لقد غيّروا خلق الله، هذه كلاب أسيرة في البيوت، محرومة من الكلام، ومكرهة على الصمت. وأخالف كاتباً تركياً كتب كتاباً بالألمانية عنوانه “بلاد الكلاب السعيدة”، وأجدها حزينة، أعجمية مثلي. أما أسباب عزوف رؤسائنا عن اقتناء الكلاب تودداً إلى الرؤساء والسفراء والضيوف الأوروبيين، فتقع بين ثلاثة أسباب:
الأول: أنها ليست من تقاليدنا، وما يضعف هذا الرأي أن رؤساءنا قد تخلوا عن معظم التقاليد الموروثة، فهم يستعرضون الحرس على الطريقة الغربية، ويرتدون الأزياء الغربية، ويمشون على السجاد الأحمر مثل الغربيين.
الثاني: أنهم ليسوا بحاجة إلى الحب والحنان، فهم مشمولون بحب الشعب حباً يفديهم بالروح والدم والعظم والجلد.
الثالث: أن الأوروبي يتخذ كلبا لهواه بالطاعة العمياء والخرساء والصماء، وشعوبنا عمياء وخرساء. وسؤالي فيه غلط تكويني، والدليل في غلطه وضلاله يظهر في مشهد إقعاء الرئيس العربي بين يدي الرئيس الغربي.
هل أتاك حديث ربعي بن عامر وقد دخل بكلبه على رستم فرخزاد، قائد جيوش الفرس، وربط كلبه ودخل الإيوان وطيء كلبه السجاد الأعجمي، وشق وسادة نصفين وربط كلبه بها، وشق بزج رمحه الأثاث والوسائد المذهبة، وكانت “طاولة” رستم طويلة مثل طاولة بوتين فجلس على الأرض.
-عفوا، لم يدخل عليه ربعي بن عامر بكلبه وإنما بحصانه.
-الحصان عند العرب مثل الكلب عند الفرنجة.
عربي 21