الناتو والدفاع على أوروبا
عبد الرحمن النجار
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_بينما يبدو حلف شمال الأطلسي (الناتو) السبعيني منهكًا ومتعبًا؛ في المقابل، تبسط منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) عضلاتها بالتصدي لقضايا الأمن الأوروبي، فهل آن أوان تقاعد الناتو؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور إعجاز حسين، محلل أمني مقيم في لندن، في مقال نشره موقع «جلوبال فيليدج سبيس».
يقول حسين إنه كما كان متوقعًا، استخدمت روسيا، بصفتها أحد أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة، حقها في الفيتو ضد أي قرار محتمل في مجلس الأمن الدولي يهدف إلى معاقبة الكرملين لشن عملية عسكرية ضد أوكرانيا. بحسب الكاتب، فقد ظلت الصين، وهي قوة فيتو أخرى في الأمم المتحدة، كعادتها بعيدة عن النادي الذي تقوده الولايات المتحدة في مجلس الأمن، أما بريطانيا، بصفتها حليفًا أمريكيًا مخلصًا دائمًا في أوروبا، وعلى الرغم من طلاقها من الاتحاد الأوروبي، فهي حريصة على الانصياع لأوامر واشنطن – لكن مثل هذه الأوامر لم تصدر أبدًا.
وأخيرًا فرنسا، بعد أن تعلمت دروسًا تاريخية كافية بالفعل – من المغامرة النابليونية ضد روسيا (1812)، وحرب القرم (1854-1856)، والحرب العالمية الأولى (1914-1918)، والثانية (1939-1945) والحرب الباردة – التزمت الهدوء الإستراتيجي في اجتماع مجلس الأمن في 25 فبراير (شباط) الماضي.
الناتو ضعيف أمام روسيا
خلال لقائه الأخير مع فلاديمير بوتين في موسكو، أكد الرئيس ماكرون أن فرنسا قد تسعى إلى الحياد الإيجابي في حالة تحول الأزمة الأوكرانية إلى نزاع مسلح. ويرى حسين أنه نتيجة لذلك، انقسم مجلس الأمن مرة أخرى بوضوح بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. ومن هنا، فإن خطة الولايات المتحدة بأكملها للقيام بعمل عسكري بتفويض من الأمم المتحدة وبقيادة الناتو ضد روسيا، مُنيت بالفشل، والنتيجة النهائية هي أن الرئيس بايدن لن يصرح للبنتاجون أبدًا بمهاجمة روسيا، علاوة على أنه سيبقي ستولتنبرج مقيدًا أكثر؛ إذ لن يقوم الناتو بعمل أحادي الجانب أيضًا.
ما سنراه قريبًا، بحسب الكاتب، هو أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي سوف يستسلم دون قيد أو شرط والهجوم الروسي لحماية الديمقراطية والدفاع عنها في دونيتسك ودونباس ولوجانسك، سينتهي في غضون أيام قليلة بعدها. هذه المرة سوف يُدرج في التاريخ نصرًا معنويًا روسيًا بشرف، وضربة قاسية لهيمنة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والناتو على أوروبا والمناطق المجاورة الأخرى. يسمي حسين هذا بنهاية مبدأ مونرو (1823) ومصدر استياء هائل لواضعي قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (2017) و517 من أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين صوتوا لصالحه.
يؤكد حسين مرة أخرى، وكما كان متوقعًا، لا يمكن لبايدن وحلفائه أن يذهبوا إلى أبعد من مجرد فرض عقوبات على بوتين، لكن هذه المرة، بدلاً من التأثير في روسيا بوتين، ستضر هذه العقوبات بمنطقة الاتحاد الأوروبي بأكملها – اقتصاديًا وسياسيًا. سنشهد، بحسب الكاتب، في غضون 6-12 شهرًا إغلاق عدد من المصانع الأوروبية، والعمال العاطلين عن العمل، والمنازل وأماكن العمل التي تواجه انقطاع التيار الكهربائي، والمركبات التي تسير على الطرق الوعرة، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية من بولندا إلى إسبانيا وفنلندا وحتى إيطاليا.
ويلفت الكاتب إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة لم تحقق النتائج المرجوة في حالات إيران والعراق وسوريا وأفغانستان وكوريا الشمالية والصين – وستثبت أنها ستكون كارثية بالنسبة لأوروبا ككل – إذا استمرت ضد روسيا لفترة طويلة.
بداية النهاية للهيمنة الأمريكية
يشير حسين إلى أن فلاديمير بوتين أظهر بوضوح تام لبايدن وجونسون وقادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أن الوقت قد حان لتغيير نهجهم القسري تجاه البلدان التي تختلف مع أسلوب الحياة الأمريكي.
لقد احتاج الزعيم الروسي إلى عقدين من الزمن لإعادة بناء بلاده التي فقدت مجدها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1990. وكان عليه التراجع عن مجموعة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية والصناعية والعسكرية التي اتخذها جورباتشوف ويلتسين خلال التسعينيات. كان مقتنعًا أنه بدون معالجة المجالات الأربعة المذكورة أعلاه، لن تتمكن روسيا من تحقيق التقدم الاقتصادي والازدهار. اليوم، يدرك كبار الإستراتيجيين وخبراء الأمن العالمي على جانبي المحيط الأطلسي لقد أعادوا قراءة كتاب «جوهر القرار» الذي ألفه عالم السياسة الأمريكي جراهام أليسون حول أزمة الصواريخ الكوبية وكيف اتبع ماكجورج بندي وماكنمارا ودين راسك ضبط النفس المفرط لتجنب حرب نووية على أعتاب بلدانهم، يقول الكاتب إنهم كانوا جميعًا مذعورين من النطاق التدميري لقنبلة إيجور كورتشاتوف النووية شديدة الرعب، التي عرفت باسم «قنبلة القيصر»، الوحش النووي الحراري في ذلك الوقت.
القدرات العسكرية الروسية
ينوه حسين إلى أنه لا يزال لدى روسيا أكثر من 6400 رأس نووي، وهو ما يمثل أكثر من 45% من إجمالي 14 ألف سلاح نووي في العالم، وكشف الرئيس بوتين، قبل أربع سنوات بالضبط – أثناء إلقاء خطابه حول حالة الأمة في 1 مارس (آذار) 2018 – النقاب عن العقيدة الإستراتيجية الجديدة لروسيا. لقد أعاد ضبط الخطاب النووي لروسيا بإعلان أن «موسكو ستستخدم أسلحتها النووية إذا تعرضت للتهديد أو التخويف من قبل خصومها»، كان هذا، بحسب الكاتب، ردًّا صارخًا وواضحًا على قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات.
وفقًا لآخر إحصائيات التوازن العسكري، تمتلك روسيا أربعة مكونات رئيسية في ترسانتها النووية المحدثة:
أ) صاروخ نووي حراري فائق القوة PC-28 CopMaT MIRV، يمكنه إصابة أي هدف بدقة في نطاق 16 ألف كيلو متر تقريبًا – تغطي كل شبر من أمريكا الشمالية وأستراليا.
ب) منصة الطوربيد النووية الفائقة (بيلجورود وخاباروفسك)، التي يبلغ رأسها 100 ميجا طن، يمكن أن تسبب أمواج تسونامي بارتفاع 500 متر حول أي مدينة ساحلية في المحيط الهادئ، والمحيط الأطلسي، والهند، وكذلك القطب الشمالي والأطلسي، وتستطيع النيل من جميع حاملات طائرات الحلفاء البالغ عددها 18.
ج) صواريخ آفنجارد AVANGARD انزلاقية نووية أسرع من الصوت، بمتوسط سرعة 7 كيلومترات في الثانية (20 ضعف سرعة الصوت). يمكنها اختراق أي نظام دفاع صاروخي على هذا الكوكب.
د) بورفتشنيك BUREVESTNIK، صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية (9M730)، يمكنه القضاء تمامًا على أي هدف بحجم مدينة نيويورك أو لندن، في نطاق 10 آلاف ميل.
مع هذه الحقائق المخيفة التي لا يمكن تصورها، لن تهاجم الولايات المتحدة روسيا أبدًا.
لا مزيد من الحروب بالوكالة
يعتقد حسين أنه بعد الخطأ الفادح الأوكراني، قد لا تشن الولايات المتحدة حربًا بالوكالة ضد روسيا أيضًا، لقد أصبح بايدن بين مطرقة روسيا من جانب (أوروبا)، وسندان الصين القوية من ناحية أخرى (آسيا والمحيط الهادئ).
وقد فشلت الولايات المتحدة في حشد الدعم الكافي من حلفائها السابقين الذين يمكنهم القتال في أوروبا، إلى جانب البنتاجون، ضد روسيا. وبدلاً من ذلك، يرجح الكاتب أن يقدم الرئيس بايدن، في غضون أيام قليلة، تنازلات جوهرية لإيران، برفع عدد من العقوبات الاقتصادية. كما أنه قد يعلن أيضًا التخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية المستمرة في أفغانستان.
أما بريطانيا، يقول الكاتب إن مواردها شحيحة، إذ إن جيشها سيئ التجهيز قوامه 86 ألف جندي بدوام جزئي، و33 ألف بحار مسالم من البحرية الملكية و33 ألف طائر بلا أجنحة في سلاح الجوي الملكي، بحسب تعبير الكاتب، وسفن وغواصات متآكلة، وقيادة سياسية ضعيفة، وبالتالي فلن تتحرك بريطانيا ضد القوات الروسية، إرضاءً لحلفائها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
ومن ثم، بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الطموحين، فإن إمكانية متابعة المرحلة الثانية من الحرب الباردة – ضد الصين وروسيا – تتضاءل بسرعة. بعبارة أخرى، لم تعد تايوان وكوريا الجنوبية واليابان والهند في وضع يسمح لها بالوقوف إلى جانب الأمريكيين ضد الصين تحت بند أي معاهدة، سواء كان تحالف كواد الرباعي أو معاهدة أوكوس. وبالمثل، فإن البلدان الصغيرة مثل أوكرانيا ودول البلطيق، وجمهورية التشيك، وحتى بريطانيا في عهد جونسون لن تصمد أمام روسيا عسكريًا.
حان الوقت لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لتأكيد قوتها
يؤكد حسين أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا جاهزة للخروج من الجدران الخرسانية في فيينا لتكون بمثابة عصبة جديدة قوية في أوروبا. السفيرة هيلجا شميت، الأمين العام الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لديها نضج إستراتيجي ووضوح عملياتي وقدرة بشرية لتقديم بديل أمني أفضل للأوروبيين مما يمكن أن يوفره ستولتنبرج. إنها حازمة وواسعة المعرفة ومقنعة.
قابل حسين الشابة هيلجا لأول مرة في صيف عام 1997 عندما رافقت رئيسها الألماني آنذاك كلاوس كنكل، الذي جاء لإلقاء محاضرة في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن. والتقاها مجددًا عام 2013 في فيينا وجنيف عندما حضرت عددًا من جلسات الاتفاق النووي لمساعدة أنجيلا ميركل وفيديريكا موجيريني، ولعبت السيدة شميدت دورًا جديرًا بالثناء لإنجاز الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015، بحسب الكاتب، الذي عبر عن شعوره بالفزع عندما انسحب دونالد ترامب منها في مايو 2018.
يعتبر الكاتب أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومقرها فيينا، قادرة تمامًا على التعامل مع القضايا المتعلقة بالأمن لجميع الأعضاء الـ57 في أوروبا، إذ يحتاج الأوروبيون إلى تحالف أوروبي قوي للتخلص من حلف الناتو الذي عفا عليه الزمن، والذي ظلوا منذ عام 1949 يقدمون مساهمات منتظمة ومتساوية – مالية وبشرية وضمانات – لكنهم لا ينعمون بفوائده على قدم المساواة.
القوة العسكرية الروسية – التقليدية والنووية على حد سواء.
Sasapost