soldiers in line to get in a plane

“أفغانستان في قلب أوروبا”.. هل دخل بوتين ورجاله “السجن الكبير”؟

جمال نصار

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأجانب إلى التوجه إلى السفارات الأوكرانية في جميع أنحاء العالم، للانضمام إلى “لواء دولي” من المتطوعين للمساعدة في محاربة القوات الروسية الغازية، وقال: كل الأجانب الراغبين في الانضمام إلى المقاومة ضد المحتلين الروس، وحماية الأمن العالمي، مرحب بهم من قبل القيادة الأوكرانية، للحضور إلى دولتنا، والانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الإقليمية.

وفي المقابل قال سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، إن نحو 1 ألف مقاتل من الشرق الأوسط أبدوا استعدادهم للمشاركة في القتال في صفوف الجيش الروسي، وأكد أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أعطى أوامر بالسماح لمقاتلين من الشرق الأوسط بالمشاركة في الحرب الجارية، فهل ستكون الحرب في أوكرانيا أفغانستان جديدة لروسيا؟ وهل ستكون بداية نهاية عهد رئيس أصبح قيصراً ثم دكتاتوراً؟

كل المؤشرات الأولية تشير إلى أنه باستمرار الحرب على هذه الوتيرة من العنف والتدمير، ستجعل من أوكرانيا مسرحاً دولياً للصراع بين روسيا والغرب، وخصوصاً مع إصرار بوتين لتحقيق أهدافه كاملة، برغم كل العقوبات الاقتصادية القاسية التي لحقت ببلاده جرّاء مغامرته في أوكرانيا، وسعيه الحثيث لتدمير البنية الأساسية في كييف، والقضاء على القوة العسكرية والنووية لها، حتى تكون عبرة لغيرها.

ويبدو أن قناعة بوتين بأن أوكرانيا بلد غير شرعي جعلته يفشل في تقدير مقاومة الجنود الأوكرانيين، بل مقاومة الشعب الأوكراني بأكمله، إذ أعلن الأوكرانيون أنهم جميعاً متكاتفون خلف رئيسهم، الذي أظهر هو الآخر شجاعة ورباطة جأش واضحة، وينضاف إلى ذلك الدعم الأوروبي الكبير بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي شمل العديد من المجالات على المستوى الاقتصادي، والعسكري، والدبلوماسي .

والواضح أن أوكرانيا 2022 أبعد ما تكون عن أوكرانيا العقد الأول من القرن الـ21، فقد أصبحت دولة تتحلى بالقيم الأوروبية وبالديمقراطية، بعيداً عن نهج الكرملين الذي يشبه ما كانت عليه الأمور في القرون الوسطى.

فمنذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا في عام 2004، جاءت سياسة الكرملين بنتائج عكسية. وبعيداً عن إعادة كييف إلى الحظيرة الروسية جعلت الأوكرانيين أقرب إلى الغرب، وخاصة إلى أوروبا. واليوم يرى فلاديمير بوتين، الذي أراد نزع سلاح أوكرانيا، أن الدول الأوروبية تقدم مزيداً من الأسلحة للحكومة في كييف.

وبما أن الأسباب نفسها تؤدي إلى النتائج ذاتها، فإن السوفييت غزوا أفغانستان في عام 1979، وبعد 10 سنوات من الحرب، ومقتل 15 ألف جندي، اضطرت موسكو للانسحاب من حرب لم تستطع الانتصار فيها، وقد أسهمت الهزيمة في أفغانستان في انهيار حلف وارسو وسقوط الاتحاد السوفييتي، وبالتالي بدافع من الغطرسة يمكن أن يسلك فلاديمير بوتين في أوكرانيا المسار نفسه الذي سلكه رئيس الاتحاد السوفييتي، في الفترة من 1964-1982 “ليونيد بريجنيف” في أفغانستان.

المآلات المتوقعة لحرب روسيا في أوكرانيا

بعد التضامن غير المسبوق مع أوكرانيا من قبل الأوربيين، بالمقارنة بأحداث مشابهة للجيش الروسي سواء في الشيشان، أو أفغانستان، أو حتى سوريا، ربما تكون النتائج مختلفة، ومن ثمّ يمكن رسم العديد من المسارات والاستنتاجات والسيناريوهات التي يمكن من خلالها توقع كيفية نهاية الصراع المحتدم الآن بين روسيا وأوكرانيا، وكلها ستكون مكلِّفة بما فيها أكثر هذه الاحتمالات تفاؤلاً. 

أولاً: المسار التفاؤلي

هذا السيناريو أشبه بالمعجزة، نظراً لأنه يبدو متفائلاً إلى درجة كبيرة وصعب المنال، ولكنه في النهاية قابل للتنفيذ على الأرض ولو بصعوبة فهو يتصور أن المقاومة العسكرية والمدنية الأوكرانية قد تتغلب على الصعاب، وتوقف تقدم القوات الروسية بدعم من المساعدة الدفاعية التي تقدمها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبفضل تصميم ومهارة المقاومة الأوكرانية، ما يفرض جموداً في ساحة المعركة لصالح المدافعين، وفشل بوتين في الإطاحة بحكومة كييف، وإقامة حكومة موالية له.

وفي ظل هذا الوضع يصبح جلياً للكرملين أن روسيا ستدفع ثمناً باهظاً لمغامرتها إذا طال أمد القتال، بما في ذلك احتمال زيادة قوة المقاومين داخل أوكرانيا، إلى جانب الانهيار الاقتصادي لروسيا، والعزلة الدبلوماسية لموسكو حول العالم، ومن ثمَّ يقرر الرئيس بوتين سحب قواته من أوكرانيا لتبقى دولة ديمقراطية ذات سيادة، بينما تؤدي هزيمة موسكو إلى تسريع وتيرة الاستياء الداخلي الذي ينتشر في مختلف أنحاء روسيا، ويضطر بوتين إلى تحويل تركيزه نحو التهديدات الداخلية المتزايدة لسلطته، وفي المقابل يحقق “الناتو” وضعاً أمنياً أفضل في أوروبا بعدما تتعرض روسيا للتأنيب والمساءلة، وتقترب أوكرانيا أكثر من الغرب.

ثانياً: سيناريو الإطاحة بالرئيس الأوكراني

تتحول أوكرانيا في هذا السيناريو إلى مستنقع مرير للقوات الروسية، فهو يتصور أنه بعد أسابيع من القتال العنيف في العاصمة الأوكرانية كييف والمدن الكبرى الأخرى سوف تتمكن روسيا من الإطاحة بحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وتُنَصِّب حكومة جديدة موالية لها، لكن القوات المسلحة الأوكرانية والمواطنين المدنيين المتطوعين للقتال يرفضون

الاستسلام، ويقررون بدلاً من ذلك شنّ تمرد واسع النطاق، مسلح بشكل جيد ومنسق بدرجة كبيرة ضد القوات الروسية الغازية، وعلى الرغم من تضاؤل قدرات القوات النظامية الأوكرانية بمرور الوقت، واحتلال المدن الكبرى مثل كييف، فإن انتصار روسيا سيكون باهظ الثمن.

في هذا السيناريو سوف تتعرض أوكرانيا للدمار، لكن هيبة بوتين سوف تتضرر بشدة، ويصبح وضعه الداخلي في روسيا غير مستقر، إذ من المتوقع أن تشكك النخب المختلفة في قدرته على اتخاذ القرار الصائب وتقدير الأمور بحكمة، وسيعبّر عامة الناس عن غضبهم من الوضع الاقتصادي المتدهور الذي ستعاني منه بلادهم، فضلاً عن تقليص المكانة العالمية لروسيا التي كانت تتمتع بها خلال السنوات الماضية.

ثالثاً: مسار انهيار أوكرانيا

في هذا السيناريو تنهار أوكرانيا في النهاية تحت وطأة الغزو الروسي، فعلى الرغم من شدة المقاومة تتمكن القوات الروسية من السيطرة على البلاد عبر استخدام الأسلحة الثقيلة، ومزيج من التكتيكات المختلفة التي سوف تستطيع بقوة ووحشية إخماد المقاومة ضد الحكومة الموالية لموسكو التي نصّبها بوتين، والتي تفشل في إثبات قوتها بدرجة تكفي لتحدي القوات الروسية الكبيرة المنتشرة في أوكرانيا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لقتل أكبر عدد ممكن من الناس، وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية الأوكرانية للقضاء على استقلال البلد، وحريته، وثقافته، ومحو قيادته.

ورغم معاناة روسيا من تكاليف اقتصادية باهظة فإن بوتين سيتمكن من تعزيز قبضته على السلطة في موسكو، ويسحق المعارضة المحلية بقوة أكبر، بينما يصبح حلف “الناتو” أكثر اتحاداً في مواجهة التشدد الروسي، لكن الحلف سيكون مجبراً على قبول خياراته المحدودة للغاية، والتي لا تمكِّنه من تغيير اتجاه خسارة أوكرانيا.

رابعاً: مسار نزاع عسكري بين “الناتو” وروسيا

السيناريو الأكثر خطورة لمستقبل أوروبا والنظام العالمي هو الذي يمهِّد فيه الصراع (الروسي- الأوكراني) المسرح لنزاع عسكري مباشر بين حلف “الناتو” وروسيا، حيث يمكن أن يسلك طرقاً عدة لتحقيق هذه النتيجة، أولها أن يقرر حلف “الناتو” في وقت ما من الصراع تصعيد مشاركته في أوكرانيا، وقد يكون ذلك عبر محاولة تنفيذ منطقة حظر طيران أو أي شكل آخر من أشكال التدخل المباشر، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في “الناتو” رفضوا في الوقت الحالي تطبيق منطقة حظر طيران، فإن هذه الحسابات يمكن أن تتغير إذا استمرت روسيا في تصعيد قصفها للمدنيين.

وإذا حدث هذا التدخل تحت ضغط شعبي وإعلامي في الغرب كما تشير استطلاعات الرأي الآن، فسوف تضطر روسيا إلى اتخاذ قرار بالتراجع أو الاشتباك المباشر مع قوات التحالف العسكرية، فإذا اختارت الخيار الأخير فسيزداد خطر تصعيد النزاع المسلح بين “الناتو” وروسيا بشكل كبير.

توابع أخرى للحرب الروسية في أوكرانيا

وفي سيناريو آخر للمواجهة المحتملة يمكن لروسيا أن تضرب عن غير قصد أراضي دولة عضو في “الناتو” على سبيل المثال، من خلال استهداف غير دقيق أو تحديد خاطئ للصديق والعدو، ما يؤدي إلى اتخاذ إجراءات مضادة من قبل “الناتو”، بخاصة أن روسيا هاجمت بالفعل أهدافاً قريبة من الحدود البولندية خلال الفترة الماضية، وهناك إمكانية لتزايد هذا الخطر خلال الأسابيع المقبلة، مع بدء تضاؤل مخزون الجيش الروسي من الذخائر الموجهة بدقة، واعتماده على الذخائر التقليدية التي تخطئ أهدافها في بعض الحالات، ما يهدد باندلاع صراع مباشر في المناطق الحدودية لأوكرانيا، وهذا يؤدي بلا شك إلى حرب مفتوحة.

وعلاوة على ذلك، هناك احتمالية مخيفة تتعلق باحتمال أن يكون لدى الرئيس بوتين مخططات أوسع بكثير تمتد خارج أوكرانيا، فإذا أحرزت القوات الروسية تقدماً سريعاً في أوكرانيا، وحققت سيطرة فعّالة على البلاد، فقد يتجه بوتين إلى تحويل انتباهه إلى الدول التي يطمع فيها، كجزء من رغبته في إعادة تشكيل مجال نفوذ يتوافق على نطاق واسع مع أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، وفي هذا الوضع ستكون دول البلطيق، وكلها أعضاء في “الناتو”، هي المرشحة بوضوح لاختبار مخططات بوتين وعزم الناتو للتصدي له في الوقت نفسه، وقد يكون لدى بوتين اعتقاد بأن “الناتو” سوف يتراجع إذا استمر في الضغط عليه، وقد يصر الناتو على التصدي لأي توغل عسكري روسي في دولة عضو بالحلف.

ومع ذلك فإن الحروب عندما تندلع فإنها نادراً ما تتبع مساراً محدداً، بل يقودها المقاتلون والقادة العسكريون والسياسيون في مسارات غير متوقعة، وقد تفرز نتائج من شأنها أن تغير العالم، ومن الواضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا يحمل بذور مثل هذا الصراع، لكن نتائجه بالنسبة لأوكرانيا وبقية العالم تظل قيد الانتظار.

والمرجح أن استمرار بوتين في حربه الشرسة في أوكرانيا، وإصراره على ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، سيدفع روسيا إلى سجن كبير، نظراً للعزلة الدولية التي يفرضها عليه الغرب، وأعتقد أنه لا مخرج أمام الشخصيات المتنفذة في روسيا والشعب الروسي ككل إلا أحد خيارين، إما التعاون للإطاحة ببوتين، أو ينتهي بهم المطاف في العيش معه في بلد معزول دولياً.

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post كاظم يغني مع حفيدتيه ويشعر بالتعب في لوس انجلوس
city man people woman Next post استغلال الأوكرانيات في بلجيكا