المدار ترصد أواخر أيام المثقفين ((الروائى الراحل محمد ناجى.. مدينته الإبداعية لغتها دافئة ومريرة))
أواخر الأيام ترصدها نجاة أحمد الأسعد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_توفى الكاتب الكبير محمد ناجى، فى باريس، عن عمر يناهز 68عاما، بعد صراع طويل مع سرطان الكبد، وحيث كان يتعافى من آثار جراحة زرع كبد فى الأسبوع الماضى ويذكر أن الكاتب الكبير كان يخضع منذ أربعة سنوات لجلسات علاجية متتالية فى باريس وكان أصدقاؤه على أمل دائم فى شفائه، ويذكر أن الروائى الراحل محمد ناجى، قد ولد فى مدينة سمنود عام 1947 وتخرج فى كلية الآداب قسم الصحافة، والتحق بالخدمة العسكرية من 1969 إلى 1974، وخاض حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، وله العديد من الأعمال الإبداعية منها “خافية قمر” و”لحن الصباح” و”مقامات عربية” و”العايقة بنت الزين” و”رجل أبله.. وامرأة تافهة” و”الأفندى” و”ليلة سفر” و”قيس ونيللى”، وله قيد الطبع روايات “سيدة الماسنجر” و”سيد الوداع” و”البوليتيكى” و”ذاكرة النسيان”، وقد عمل الراحل الكبير لسنوات فى مجال الصحافة والإعلام، فكان مشرفاً على النشرة الثقافية فى وكالة “رويترز” ووكالة أنباء وتلفزيون الإمارات، كما أنه أسس جريدة الأيام البحرينية، وكان مدير تحرير جريدة “العالم اليوم” الاقتصادية.
وحصل ناجى على “جائزة التميز” من اتحاد كتاب مصر عام 2009 كما نال “جائزة التفوق” فى مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية.
فى قراءة لمحمود عبد الشكور عنوانها “أربعة مفاتيح لدخول مدينة الروائى “محمد ناجى” والتى نشرها فى أحد المواقع الثقافية، يؤكد “عبد الشكور” أن مفاتيح عالم “ناجى” ومدينته الروائية بدت واضحة المعالم منذ روايته الأولى “خافية قمر ” ، ثم تبلورت الصورة وأبعادها مع رواياته التالية: “لحن الصباح” و “مقامات عربية ” و “العايقة بنت الزين ” و “رجل أبله .. امرأة تافهة ” و ” الأفندى ” و ” ليلة سفر ” ، لا بل إن الأسئلة التى طرحتها هذه الروايات ستجدها أيضا فى المونولوج النثرى البديع “تسابيح النسيان “. هى جدارية ضخمة ملونة تتزاحم فيها الوجوه ، وتُسمع فيها الأصوات والآلات، تتحدث عن الحاضر ولكن من باب واسع اسمه الذاكرة ، ترسم البشر من الداخل والخارج، بالقلب والعقل ، وحول المشهد بقايا أساطير وحكايات نلتمس منها الفهم والتفسير ، الجدارية عن الوطن مثلما هى عن الإنسان الباحث عن معنى وطريق، الإنسان الذى يسأل سؤال “عبد الحارس ” المؤلم فى “خافية زمقمر “: ” يا حفيد الزباء خبرنى كيف تفرّق الصحاب وقضيتهم واحدة وكيف نسى الناس ملكهم البكّاء حتى ضاع وريثه فى البرية “؟ ! ، لأجل ذلك تبدو الجدارية ملّونة بالأخضر ( لون الحياة والحلم ) والوردى ( لون النشوة والحب ) والرمادى ( لون الموت والحرب ) ، وتظهر شخوصها معلّقة بين السماء والأرض مثل كائنات “مارك شاجال ” ، ويستدعى المشهد كله علامة استفهام ضخمة كتلك التى ارتسمت بيت الرجل والمرأة فى “رجل أبله .. امرأة تافهة ” ، وكأنها ترتسم بين الإنسان والحياة. ترى ما المطلوب أن ترسم أكثر من جدارية بعمق واتساع تجربة الشخوص والوطن والبشر حتى يدركها الآخرون ؟
ثم يؤكد “محمود” أن مدينة ناجى الروائية لها 4 مفاتيح أولها وأهمها جميعاً هو “الذاكرة”، فـ”محمد ناجى ” هو أديب البحث عن الذاكرة بامتياز ، والمفتاح الثانى فى عالم ” ناجى” هو الأسماء سواء أسماء الشخوص أو الروايات نفسها، والمفتاح الثالث لعالم “ناجى” هو أن تستقبل الرواية كسؤال لا كإجابة فكل رواية تنتهى بدائرة مفتوحة وكأنها تمهيد لرواية جديدة، أما المفتاح الرابع فى عالم ناجى فهو “المرأة “. فمن المستحيل أن تصل الى أبعاد كل رواية دون تحليل شخصياتها النسائية.
بينما كتبت إيهاب الملاح تحت عنوان ” محمد ناجى .. روائى القلق والصنعة” تكتظ عوالم محمد ناجى بأنماط من البشر ونماذج إنسانية تضم بشرا عاديين ومهمشين وفقراء ومنسحقين وقتلة وفاسدين ومغنين ورواة وحكائين.. عالم زاخر يموج بالأساطير المؤسسة لواقع مؤلم وحزين. عالم يرصد دراما التحولات العاصفة التى ضربت مصر فى الربع الأخير من القرن المنصرم.
وبديهى أن يكون محمد ناجى ابن فترة «القلق العظيم» شاهدا ومؤرخا ومسجلا جماليا لهذه التحولات التى تفتحت عيناه عليها منذ رفع شعارات الموت فى 1952، والتى شارك فى تمثيلها وإنشادها على خشبة مسرح المدرسة، ثم مشاركته بقوة وفاعلية فى الحركة الطلابية فى الجامعة، مرورا بفترة تجنيده ومشاركته فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، ثم الانفتاح وعواصفه حيث سافر مع من سافروا لشراء شقة لأسرته وللتطلع لحياة كريمة، وشاهد التصورات الفردية والأنانية، وانسحاق القيم الجماعية أمام البنكنوت.. إذا لم يكتب محمد ناجى عن كل ذلك.. فعن ماذا يكتب؟