الرضوخ لوكلاء إيران المحليين أو فتح جبهة لا قِبَل له بها.. مقتدى الصدر بين محنتَين
براء أحمد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ أقيمت الانتخابات النيابية في العراق في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021 في ظروف صعبة واستثنائية وذلك بعد عامين متواصلين من الاحتجاجات والسخط الشعبي الكبير على الطبقة السياسية في العراق.
أنتجت تلك الانتخابات فوزاً متوقعاً للكتلة الصدرية بواقع 73 مقعداً نيابياً في البرلمان المكوّن من 329 مقعداً، ومع تحالف المستقلين يصبح الفارق كبيراً عن أقرب المنافسين حزب “تقدم” التابع لرئيس مجلس النواب المنتهية ولايته الحاصل على 37 مقعداً.
وعلى الجانب الآخر شهدت هذهِ الانتخابات تراجعاً مدوياً لتحالف “الفتح” وخسارة مفاجئة لتحالف قوى الدولة وصعوداً نسبياً لقوى التغيير والمستقلين.
وعلى وقع هذهِ المعطيات انضوت الفصائل والميليشيات المرتبطة بتحالف الفتح والقوى التي تشاطرها نكبة الخسارة تحت مسمى “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” وصرّحت علناً بأنها ترفض نتائج الانتخابات معللةً ذلك الرفض بوجود شبهات تزوير وتلاعب بنتائج الانتخابات. وكذا هددت ضمنياً بالإخلال بموازين الأمن في البلاد لو تم تجاهل اعتراضاتها.
ذلك التهديد هوجم بوصفه غير ديمقراطي ويسعى للانقلاب على الدولة والنظام، حيث لم تستطِع القوى الخاسرة حتى اللحظة تقديم طعن واحد حاسم يُشير لوجود تزوير أو تلاعب حقيقي في النتائج، بل لجأت لخيار الضغط من خلال الشارع والدفع بأتباعها من المنتسبين في هيئة “الحشد الشعبي” لقطع الطرق وتهديد الدولة ومؤسساتها بوضوح.
تلك الفصائل قد مارست هذهِ اللعبة سابقاً وتحديداً في انتخابات 2018 والتي أفرزت فوزاً للتيار الصدري كذلك ولكن بفارق بسيط عن تحالف “الفتح” آنذاك، وقد صيّر الأمر بعد ضغوط شديدة مورست على مقتدى الصدر الى إتفاق على حكومة تحاصصية بقيادة “الفتح-سائرون” دون غالب ولا مغلوب، في حكومة ضمَّت الجميع وأنتجت رئيساً دون أبوين، عادل عبد المهدي، والذي ما أكملت حكومته عامها الأول حتى اندلعت شرارة ثورة تشرين احتجاجاً على جملة من القضايا المفصلية والمتراكمة التي تتعلق بالأمن والخدمات والتنمية والواقع الاقتصادي وسيادة البلد حيث أطاحت هذهِ الثورة لاحقاً بحكومة “الفتح-سائرون” التوافقية بعد سيلٍ من الدماء.
نتائج الانتخابات وخسارة قوى السلاح لن تتسبب بحرب أهلية في العراق على غرار سوريا أو انسداد سياسي على غرار الجاري في لبنان. للبيت ربٌّ يحميه هنا، وعرّاب لن يَسمح بنشوب حرب تذهب بهذا النظام نحو الانهيار وفقدان مكتسبات ما بعد 2003 في الوقت الذي يتعالى فيه السخط الشعبي القائم في المناطق ذات الأغلبية الشيعية من جهة، ومن جهة أخرى تتماسك فيه المكونات الأُخرى وتتحد نسبياً.
كل ما يحصل من تهديدات وشوشرة هي رسائل إيرانية للضغط على “التيار الصدري” للانخراط بتحالف لا غالب فيه ولا مغلوب على غرار تحالف 2018 الذي أنتج لنا حكومة توافقية. أي حكومة، لا معارضة لها، تحظى الأغلبية بمميزاتها وتتقاسم كعكتها في سياق طبيعي غير خارج عن سياقات المحاصصة الحزبية المتعارف عليها منذ أول عملية انتخابية في العراق ما بعد سقوط نظام صدام حسين.
ويبدو أن الصدر فهم الرسالة جيداً وبدأ يتجاوب معها من خلال خفض سقف طموحاته بحكومة أغلبية، وهذا ما نقرؤه جلياً من خلال بياناته وتغريداته الأخيرة. وذلك لمعرفته بأنه لا طاقة له بتحمل عبء تشكيل حكومة أغلبية واضحة يتبناها هو وتياره ويتحملون مسؤولياتها ونتاجاتها في ظل هذهِ الأجواء المضطربة.
تشكيل حكومة صدرية “قحة” هو مغامرة لن يُقدم عليها الصدر مطلقاً، فكلفة تشكيل حكومة أغلبية محفوفة بالمخاطر أعلى من كلفة الذهاب لتوافق سياسي لا أحد يتبنى الفشل فيه، فالأخير خيارٌ معمول به ولا يتعارض مع السياقات المتعارف عليها.
الصدر ما بين محنتين
أما بالنسبة لتصريحات الصدر وتغريداته ما قبل الانتخابات فما هي إلا جزء من حملة الحشد والدعاية لتياره وأتباعه ومحبيه، الذين ورغم كل الحشد الذي لم يكونوا على مستوى الحدث، أو على الأقل بمستوى انتخابات عام 2018.
كل الكتل خسرت بما فيها “التيار الصدري”، هذا ما تشير له أرقام المفوضية الرسمية مقارنة مع أرقام هذهِ الكتل في انتخابات 2018. جميع الأحزاب تضررت من فعلين؛ الأول المقاطعة الكبيرة والواسعة للانتخابات، والثاني هو التصويت العقابي لهذهِ الأحزاب من قبل المشاركين.
أما تفسير مقاعد التيار الصدري الكثيرة فهو أنه تحصيل حاصل للتنظيم الدقيق الذي يعتمده في تفاعله السياسي، التنظيم الذي استنفد كل أوراقه وحينما أتت الفرصة الحاسمة يبدو أنه سيتنازل عنها كما جرت العادة، لذا لن نشاهد هذا التنظيم متماسكاً في قادم الانتخابات.
الصدر ما بين محنتين؛ إما الذهاب نحو حكومة أغلبية سياسية يُقصي فيها تحالف “الفتح” والقوى القريبة من إيران الخاسرة في الانتخابات في خيار أقل ما يُقال عنه أنه مفصلي ومحفوف بالمخاطر عند الأخذ بعين الاعتبار ما ستنتهجه القوى المطرودة من الحكومة من خيارات غير ديمقراطية خصوصاً أنها تستمد قوتها بفعل السلاح الذي تمتلكه لا بفعل عدد مقاعدها في البرلمان، أو أنه سيرضخ في النهاية لضغوط هذهِ القوى ويتراجع عن خطاب “الكتلة الأكبر” ورئيس الوزراء الصدري “القحّي” وتقديم رئيس وزراء توافقي على شاكلة عادل عبد المهدي، وما بين هاتين المحنتين الصدر هو الخاسر الأكبر من هذهِ الانتخابات وإن كان الفائز الفعلي فيها.
عربي بوست