إشكاليات اقتصادية قد تشهدها سلطنة عمان
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ ورث السلطان هيثم اقتصادًا راكدًا؛ إذ كان نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل من 2% منذ عام 2017.
صحيحٌ أن المكاسب التي تجنيها سلطنة عمان من الإيرادات غير المتوقعة بسبب الارتفاع الحالي لأسعار النفط تعد خيرًا يعم البلاد وينعش ظروفها المالية، لكنها أيضًا تُذكرها بضرورة تنويع الاقتصاد، وحول هذه المسألة، نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تقريراً سلَّطت فيه الضوء على السياسات الاقتصادية الجديدة التي يتبناها سلطان عمان، مؤكِّدةً أنه طوى صفحة سلفه قابوس فيما يتعلق بالسياسات المحلية والاقتصادية.
استهلت المجلة تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي أُطلق فيه سراح سجينين بريطانيين من أصول إيرانية في شهر مارس (آذار)، واللذين كانا محتجزَيْن في العاصمة الإيرانية طهران، لم يكن مفاجئًا أن تكون سلطنة عُمان هي محطتهم الأولى. وباعتبار ذلك جزءًا من صفقة تسوي بها بريطانيا ديونًا قديمة مع إيران، أفرجت طهران عن المواطنين البريطانيين نازانين زغاري راتكليف وأنوشة عاشوري، المحتجزين منذ سنوات باتهاماتٍ وهمية، بحسب التقرير، مثل التخابر مع جهات أجنبية. وأدَّت عُمان دور الوساطة الرئيس في هذه الصفقة، بوصفها جسرًا عبَر من خلاله السجينان إلى الحرية وبنكًا تدفع من خلاله الفدية البريطانية.
الالتزام بالحياد
يلفت التقرير إلى أنه قد مر عامان منذ أن حل السلطان هيثم محل ابن عمه السلطان الراحل قابوس، الذي حكم البلاد طيلة خمسة عقود، وعندما تولى منصبه، لم يكن يُعرف عن السلطان الحالي كثيرًا من المعلومات، ولم يعلن قابوس عن خليفة له، ولم يكن واضحًا ما الذي يُمكن توقعه من السلطان الجديد، الذي تتسم مسيرته المهنية حتى الآن بالرتابة، مثل تولي بعض المهام في الشؤون الخارجية، من بين مسؤوليات أخرى، والاعتزاز بالتراث الوطني ومشاهدة مباريات كرة القدم وإدارة تعداد السكان.
ويبدو أن الدور الذي لعبته عُمان في صفقة السجينين البريطانيين يعد مؤشرًا، على أقل تقدير في السياسات الخارجية، أن نهج السلطان الجديد يشبه نهج السلطان الراحل. والتزمت عُمان من جانبها بسياسات الحياد، ليس تجاه إيران فحسب، بل تجاه السعودية والإمارات، الدولتين الخليجيتين، المثقلتين بأعباء أكبر بكثير ولديهما جيوش أضخم.
وألمح التقرير إلى أن السلطان الجديد التزم بإبقاء عمان على الحياد في حرب اليمن المجاورة، وهي حرب تدور رحاها بين تحالف تقوده السعودية ضد الحوثيين، الجماعة المتشددة التي استولت على أجزاء من اليمن في عام 2014، وأجرى السلطان هيثم محادثاتٍ بين الأطراف المتقاتلة، لم تحقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن، على الرغم من المفاوضات التي توسَّطت فيها عمان في عام 2020 بشأن صفقة تبادل أسرى، نجحت خلالها في الاتفاق مع الحوثيين على إطلاق سراح مواطنين أمريكيين. وفيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية والإمارات، يمكن القول إن السلطان هيثم كان أكثر ودًّا، أملًا في جذب الاستثمار، لكن العلاقات في مجملها تسير كالمعتاد.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تخلص السلطان هيثم من إرث الماضي فيما يتعلق بالسياسات العامة المحلية، وفي حين أن السلطان قابوس كان هو مؤسس الدولة العمانية الحديثة، لكنه لم يفعل كثيرًا لتنويع اقتصادها. وتُعد عُمان مُنتجًا متوسطًا للنفط، إذ تضخ نحو مليون برميل يوميًّا، ومع ذلك يعتمد اقتصادها تمامًا على المواد النفطية: ويمثل البترول ثلثي الصادرات وأكثر من 70% من الإيرادات الحكومية.
تغيير السياسات الاقتصادية ضروري
يُنوه التقرير إلى أن السلطان هيثم ورث اقتصادًا راكدًا، إذ كان نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل من 2% منذ عام 2017. وكانت السنوات التي شهدت انخفاض أسعار النفط سببًا في زيادة أعباء الدين الخارجي لسلطنة عمان من 64% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 إلى 94% في عام 2019، وبعد ذلك، حلَّت جائحة كوفيد-19، مما تسبَّب في انكماش الاقتصاد غير النفطي بنسبة 4% في عام 2020 وأدَّى إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكَّد التقرير أن هذه الإحصائيات والأرقام كانت عاملًا محفزًا على ضرورة تغيير السياسات المحلية، والذي بدأ فعلًا بالقطاع العام، وبلغت قيمة الفاتورة الضخمة لأجور القطاع العام في عمان نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 و25% من الإنفاق العام، ومع ذلك، فقد يكون من الصعب العثور على موظف حكومي واحد يجلس على مكتبه بعد الساعة 2 ظهرًا، بحسب التقرير.
ومنذ عام 2020، اضطر كبار السن من الموظفين إلى التقاعد، لتوفير أماكن لتعيين موظفين جدد بأجور أقل، وفرضت عمان، في العام الماضي، ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، وهي رابع دولة خليجية تطبق الضريبة المضافة. وتتوقع وزارة المالية حصد نحو 450 مليون ريال عماني (أي حوالي 1,2 مليار دولار) في عام 2022، والتي تقدر بنحو 4% من ريع السلطنة، كما ارتفعت في العام الماضي أسعار الكهرباء والمياه، وقد تُلغى الإعانات بصورة تدريجية بحلول عام 2025.
وأضاف التقرير أن ميزانية هذا العام تتوقع عجزًا يُقدر بنحو 5%، وهو أفضل من ذي قبل ولكنه لا يزال مرتفعًا في دولة ترتفع فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن نسبة 100%. ومع ذلك، استندت الميزانية إلى تسعير النفط بـ50 دولار للبرميل، ولذلك، إذا بقيت الأسعار على وضعها الراهن عند المستويات المرتفعة، يتعين على عُمان أن يكون لديها فائض من الأرباح وأن تستخدم هذا في حسابها الجاري، وفي 24 مارس، تعهد السلطان هيثم باستخدام الأرباح المفاجئة نتيجة ارتفاع أسعار النفط في سداد الديون.
تنويع الاقتصاد هو التحدي الأبرز
شدد التقرير على أن التحدي الأكبر الذي يتعين على عُمان التعامل معه يتمثل في كيفية تنويع اقتصاد البلاد وخلق فرص عمل، إذ يُقال إن نصف الشباب العماني عاطل عن العمل، بحسب وصف المجلة، بالإضافة إلى ذلك، توجد عدد من المشروعات الكبيرة التي أُعلن عنها خلال السنوات الأخيرة من حكم السلطان قابوس كانت تعتمد إلى حد كبير على النفط، مثل المصافي ومصانع البتروكيماويات هي مشروعات ضخمة في ميناء الدقم الضخم الذي يطل على المحيط الهندي.
وأفاد التقرير أن السلطان الجديد تجنب الانخراط في المشروعات الضخمة البراقة، كما أعاد وزارة الاقتصاد، التي أُلغيت في عام 2011، وأنشأ هيئة استثمار جديدة، وكلاهما لديه صلاحيات لخلق فرص عمل جديدة، وفي 28 مارس، أعلنت بورصة مسقط أنها ستسمح بالملكية الأجنبية الكاملة للشركات المسجلة لديها، على أمل كسب اهتمام الخارج.
واختتمت المجلة تقريرها بتأكيد أن كل هذه الإجراءات والتدابير من شأنها أن تساعد سلطنة عمان، لكن في المجمل البلاد لا تزال ملاذًا هادئًا لطيفًا، وتبدو الأجزاء الأكثر بهاءً في مسقط، مثل الفنادق الفخمة ودار الأوبرا الملكية الواقعة على الشاطئ في القُرم، وكأنها صُممت للسائحين، الذين لا تبذل عُمان مجهودًا كبيرًا لجذب انتباههم واستقطابهم. لكن يبدو أن حكومة السلطان الجديد تدرك ضرورة التغيير.
ساسابوست