الزواج الإجباري في القرن الـ17 والسم المخلص 

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ كان السمّ “أكوا توفانا” المُميت يأتي في زجاجةٍ جميلة، من دون لون أو رائحة أو مذاق، والأهم من ذلك لا يمكن اكتشاف أثره. لذلك نجحت النساء في استخدامه، طيلة 20 عاماً، بهدف التخلّص من أزواجهن.

في إيطاليا بالقرن الـ17، لم يكن للنساء أي سلطة مادية أو اجتماعية؛ وكُنّ يُجبرن على الزواج في سنّ مبكرة من رجالٍ غالباً ما يسيئون معاملتهن، من دون وجود أي فرصة للطلاق أو الانفصال. 

لذا وبحسب موقع ati ، لم يكن لدى النساء خيارات متعدّدة في الحياة. إما أن يتزوجن أو يبقين عازبات ويعتمدن في الغالب على البغاء لتأمين متطلبات العيش، أو يصبحن أرامل ميسورات الحال بعد أن يرثن أزواجهن.

وفي ظلّ الواقع السيئ للسيدات الإيطاليات آنذاك، استطاعت جوليا توفانا أن تؤسّس شبكة علاقات قوية، وسرعان ما باتت تُعرف بأنها صديقة النساء المستضعفات، وساعدتهن على التخلّص من بؤس حياتهن الزوجية.

من هي جوليا توفانا، ولماذا كان السمّ هو الحلّ؟ 

وُلدت توفانا، التي أصبحت إحدى أشهر نساء روما لاحقاً، في مدينة باليرمو الإيطالية في العام 1620؛ وكانت تعرف بعض الأمور عن الموت. فهي شهدت على إعدام امرأة تُدعى توفانيا دي أمادو، حين كانت بعمر الـ13 عاماً فقط، بعدما قتلت مَن ادَّعت بعض المصادر أنه زوجها.

وبحسب كتاب فيليب وكسلر”علم السموم في العصور الوسطى وعصر النهضة”، فإن توفانيا دي أمادو التي تمّ إعدامها هي غالباً والدة جوليا توفانا؛ وقد قتلت من قيل إنه زوجها  باستخدام السمّ.

لم تكن توفانا أوفر حظاً من والدتها، فتزوّجت هي الأخرى من رجلٍ يُسيء معاملتها، لكنها كانت أكثر دهاءً من والدتها. فقد تمكّنت من تطوير سُمّ لا لون له ولا طعم ولا رائحة، واستخدمته لقتل زوجها ثم انتقلت مع ابنتها إلى نابولي ومن ثم روما. 

حملت توفانا بعد ذلك إرث والدتها، باستخدام وصفتها القديمة. فبدأت تبيع ما أطلقت عليه اسم “أكوا توفانا”، وهو سُمّ صنعته في صورة مُقنَّعة ليبدو وكأنه مَرهَم، بعدما أسّست متجراً لمستحضرات التجميل في روما، بمساعدة ابنتها وعدد من النساء اللواتي كانت تثق بهن.

ويُقدّر أن السمّ قتل نحو 600 رجل بحلول خمسينيات القرن الـ17، مع تحوّل الزواج في ذلك الوقت إلى قفص، فكانت ترغب النساء بالتخلّص من زيجاتهنّ التعيسة، والحصول على ميراث الأزواج. 

ما هو سُمّ “أكوا توفانا”؟ 

مع أنَّ طريقة إعداد السمّ بالضبط قد فُقدت بعد ذلك، إلا أن مفعوله كان كبيراً جداً، ويُرجّح أن تكون توفانا قد حضّرته من الزرنيخ والرصاص ونبتة “ست الحسن”، وغالباً ما كان تأثيره هادئاً لا يُحدث جلبة ولا يترك أثراً. 

كان السمّ يأتي في زجاجةٍ بسيطة يمكن إخفاؤها بين مستحضرات النساء التجميلية، سيما وأنه كان يُعرف باسم “مانا سانت نيكولاس أوف باري”. ولأنه كان بلا رائحة ومذاق وطعم، فقد كان من السهل سكبه في طعام أو شراب الزوج، من دون أن يلحظ ذلك.

واللافت أن تأثيره كان يأتي على مراحل، وغالباً ما كان يظنّ الرجل أنه مُصاب بالرَّشح. فكانت الجرعة الأولى تتسبّب في أعراضٍ مشابهة لأعراض نزلة البرد، فيما كانت الثانية تتسبّب بآلامٍ في المعدة يرافقها القيء والإسهال، أما الجرعة الثالثة فكانت تقضي على الرجل.

بقيت جوليا توفانا تبيع سُمَّها بسريّةٍ تامة، طوال عقدين من الزمن تقريباً، إلى أن تسبّبت إحدى زبوناتها في الإيقاع بها. كيف حصل ذلك؟ 

تقول الرواية إن إحدى زبونات توفانا قرّرت استخدام “أكوا توفانا” لقتل زوجها. فوضعت بعض القطرات في حسائه وقدّمته له خلال جلوسهما إلى مائدة الطعام، لكنها تراجعت عن قرارها حين رفع الوعاء إلى شفتيه.

رجته الزوجة ألا يتناول الحساء، وأقرَّت  بعدما تعرَّضت للضرب- بأنَّها سمَّمت الحساء، كما أخبرت زوجها بالمكان الذي اشترت منه السُمّ. 

لكنَّ نسخة أخرى من الرواية تُشير إلى أنَّ تلك المرأة بدأت تدلي بطقوس اعتراف بالقتل للكهنة، كلّما شعرت بالذنب. وفي الوقت نفسه، كان الناس قد بدأوا يلاحظون أنّ عدد النساء الأرامل صار كبيراً على نحوٍ غير معتاد!

مصير توفانا.. بين التعذيب والموت بسلام

تقول الرواية الأكثر انتشاراً إن السلطات الباباوية حينها طالبت بالقبض على جوليا توفانا، بعد تلك الحادثة، إلا أن شعبيتها الكبيرة في روما جعلتها تنجو في البداية لأن السكّان المحليين قدّموا لها الحماية، ومنحوها ملاذاً آمناً في الكنيسة.

وعندما تعالت الأصوات التي تتهم توفانا بالقتل العمد وتسميم رجال روما، اخترقت الشرطة الكنيسة واعتقلتها. فاعترفت تحت التعذيب، بقتل 600 رجل بين عامَي 1633 و1651. فتمّ إعدامها مع ابنتها، و3 من مساعداتها، في يوليو/تموز 1659.

لكن، ووفقاً لأحد المؤرخين، فمن المرجح أن جوليا توفانا لم تواجه ذلك المصير المروع. ورغم أن محاكمة عصابة السُمّ قد حدثت بالفعل في روما العام 1658، إلا أن توفانا لم تكن جزءاً منها. 

يُشير المؤرخ مايك داش، من جامعة كامبريدج البريطانية، إلى أن توفانا توفيت على الأرجح في العام 1651، وقد ماتت بسلام على الأغلب. ويُعتقد أنَّ مساعِداتها وزبوناتها، من الطبقة المتدنية، قد مَثُلنَ للمحاكمة من دونها.

كما يُشير داش إلى أن سُمّ “أكوا توفانا” قد ارتدى طيف الأسطورة في السنوات التالية. وقد أصبح يُحكى عنه على اعتباره “نوعاً شاملاً يصف فئة مُفتَرَضة من السموم الغامضة الدقيقة بطيئة المفعول، التي جرى الاعتقاد بأنَّه ليس بالإمكان كشفها والمميتة دوماً”، خصوصاً مع انتشار سمٍّ مشابه في فرنسا لاحقاً.

وفي الواقع، تنامت أسطورة “أكوا توفانا وزوجات روما القاتلات” بمرور الوقت. وانتشرت الحقائق الأساسية حول قصة “مئات الأزواج الموتى، والسُّمّ الذي كانت تبيعه امرأة” بطول أوروبا وعرضها في القرن السابع عشر.

وهناك حادثة تُروى عن الموسيقار فولفغانغ موزارت في هذا الإطار، لاحقاً في القرن الثامن عشر. فقد قيل إنه شعر بالقلق حين بدأ يعاني من أعراضٍ صحية لمرضٍ غير واضح، وكان حينها في الـ35 من عمره فقط.

وكتب موزارت مُتخوّفاً من سمّ “أكوا فينا”: “أنا متأكد من أنّني قد سُمِّمت. لا يمكنني التخلّص من هذه الفكرة.. أحدهم قد أعطاني أكوا توفانا وحَسَبَ الوقت الدقيق لوفاتي”. وبالفعل فإن وفاة موزارت يلفّها الغموض حتى اليوم، وقد قيل إن جسده كان متورّماً بعد الوفاة، ولو أنّه لا يوجد دليل واضح على أنّ سُمّ “أكوا فينا” هو السبب.

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post رسائل للاحتلال والسلطة.. ما وراء تطوير المقاومة الفلسطينية صاروخ “ستريلا-2”
Next post المعارضة المجرية تظهر تقاربها مع المؤسسات الأوروبية