سلسلةدرامارمضان ((جزيرة غمام _فخرالصناعةالمصرية واقع يصنعه الخيال))
غادة الطبيب
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_جزيرة غمام من الأعمال الدرامية التى حازت اعجاب المتابعين على اختلاف اذواقهم وتنوعها ، مسلسل جزيرة غمام وهو من كتابة السيناريست عبد الرحيم كمال ، سيد دراما الصعيد ومبدع العديد من الاعمال التى ظلت خالدة في ذاكرة المشاهدين ، ومن إخراج المبدع حسين المنباوي الذي قدم الفتوة وحلاوة الدنيا وغيرها من الاعمال المميزة، العمل مكون من 30 حلقة وفي رأيي أنه لايحتمل اكثر من ذلك فكل حلقة تحمل حدثاً جديداً يُراكم الحكاية على طول العمل دون مماطلة أو تسويف أو ملل ، كما ان مدة الحلقة نفسها اذا استثنينا الفواصل الاعلانية ملائمة ليست بالقصيرة المقتضبة ولا الطويلة المملة .
لا يمكن أن نصنف العمل أنه من اعمال دراما الصعيد ولا الدراما التاريخية لأنه لا يوثق لفترة تاريخية معينة مع أنه بدأ بزيارة افتراضية للرئيس السادات الى الجزيرة التى اصبح اسمها (جزيرة اولاد عرفات ) وهذا منح المشاهد فكرة عن ماهية لربما البطل أو الحكاية ، مع أن المخرج عمدَ إلى عدم كتابة اسماء الممثلين في التتر ربما لكى يتجنب احراج وضع اسم (أحمد امين ) سابقا لاسماء فتحى عبد الوهاب وطارق لطفى ورياض الخولى ومى عز الدين وهم أكثر نجومية من احمد أمين واقدم في مهنة التمثيل ، فهو في رأي الكثيرين البطل الحقيقي للعمل والمحرك الرئيسي للاحداث ، لكن هذا لاينفى اهمية بقية الادوار حتى الصغيرة منها مساحةَ مثل ابن هلالة التى لعبت دورها وفاء عامر باقتدار ، برز في الحلقات الأخيرة عند مواجهة خلدون .
يمكن القول أن العمل يمت بصلة وثيقة للمثيولوجيا وللقَصَص الدينى المستقَى من الديانتين المسيحية والإسلام بداية بالشيخ مدين الذي يمثل (رمزا) لأكثر من قصة دينية بداية باليهودية وانتهاءا بالإسلام، مرورا بخلدون ( الشيطان ) أو الشخصية الشريرة التى لعبها الفنان طارق لطفى باقتدار بعيدا عن النمط الشائع تجسيده في الدراما لشخصية الشرير، إذاً الشر فكرة والفكرة لاتموت وهذا ما اراد الكاتب ايصاله للمشاهد في مشهد النهاية بعودة العايقة الجديدة ( لعبت دورها رنا رئيس) وخلدون الذي شهدنا موته في الحلقة الأخيرة مما يضع بعض المشاهدين ممن لم يدركوا رمزية (عودة الشر ) في حيرة وارتباك أمام عودة خلدون في نفس لحظة موت الشيخ عرفات بعد سنوات من حياته على جزيرة غمام التى اصبح اسمها ( جزيرة اولاد عرفات ) عطفا على الاطفال الصغار الذين يمثلون خط البراءة والنقاء والفطرة الإنسانية ، فهم من قاموا ببناء كهف السفينة الذي آوى أهل الجزيرة ( الصالحين ) منهم فقط ، وهنا ايضا اسقاط على قصة سيدنا نوح وفي رأيي حتى اختيار اسم ( كهف السفينة ) كان اسقاطا واضحا على القصة ، أيضا يمكننا أن نلمح اثرا لاسطورة بوليفية قديمة تحكى عن نار سماوية ( وهى هنا الزوبعة ) تحرق الارض والسماء ولا ينجو إلا رجل صالح لجأ الى كهف وظل مختبأ فيه حتى بردت النار وانطفات وخرج ليعمر الارض من جديد .
العمل مليئ بالرموز المستقاة من القرآن والتوراة كما اسلفت ولعل الدليل الواضح هو رحلة عرفات في الصحراء ولقاؤه عدة شخصيات مثل الرجل الذي يحفر ليدفن ذنوبه وحسناته وقد لعبها الفنان حمدى هيكل ، كذلك شخصية الراعي التى لعبها باقتدار الفنان سليمان عيد وشخصية السيدة من قرية شوطة التى تخلى لها عن آخر متاعه ( حذائه البالي المهترئ) في صورة رمزية رائعه لتخليه عن كل ماهو مادي حتى اتفه الأشياء واغلاها مثل سبحة الشيخ مدين التى تمثل العلم اللدني وهو اشارة واضحه الى قصة الخضر في القرآن الكريم.
للحقيقة الكادرات والإضاءة الليلية هي من اللازمات التى تميز اعمال المخرج حسين المنباوي وهى مشابهة لنوعية الاضاءة والكادرات في مسلسل الفتوة بحيث تكاد تكون ملازمة لاعمال المخرج الصعيدية أو التى تدور احداثها في الصعيد.
أما الحوارات فهى فلسفية عميقة وإن كانت لاتعوزها البساطة التى تبعدها عن ( الفزلكات ) التى قد تبعد العمل عن عوام المشاهدين .
الشخصيات مرسومة بمهارة ولكل منها مساحة تستطيع فيها فرد عضلاتها التمثيلية دون انتقاص من دور غيرها.
مى عزالدين وأحمد امين قدما ادواراً رائعة وخرجا عن جلديهما خاصة بعد سلسلة الفشل التى منيت بها مى عز الدين في اعمالها الأخيرة، فقد قدمت دور ( العايقة ) ببراعة وتمكنت من التحكم في تعبيرات وجهها وملامحها والتى كانت تمثل مشكلة في ادائها، اما احمد امين الذي عرفه المشاهدون من خلال البلاتوه ومن بعده ماوراء الطبيعة ، فقد قدم أداءاً استثنائيا وضعه في مصاف نجوم الصف الاول بعيدا عن الافتعال والمبالغة في الأداء ، كان ممسكا بزمام الشخصية ومتمكناً منها في أداء هادئ وواثق ، كذلك تميز فتحى عبد الوهاب في دور الشيخ الذي يعميه التعصب الدينى فأداؤه كان مختلفا وهادئا وفي اعتقادي قدمه بشكل مختلف.
تميز رياض الخولى في دور العمدة والزعيم وهو دور للحقيقة ليس جديدا وليس مختلفا عما قدمه من قبل، أما محمد جمعه أو الشيخ يسرى فهو احد مفاجآت العمل فقد لعب دور الشيخ اللعوب الذي يكتب الأحجبة ويزعم معرفته بعالم الجن والروح ويتخدها ذريعه للتقرب من النساء.
العمل ككل قدم مشاهداً رائعة وكادرات ليست بجديدة على الدراما المصرية ولكنها قدمت بشكل مميز خاصة مشاهد الزوبعه التى قدمها باتقان فنيو الخدع والمؤثرات البصرية .
يمكننا القول أن العمل كان متعة بصرية وروحية وسمعية متمثلة في التتر أو اغنية المسلسل التى غناها المبدع على الحجار وهو سيد من غنى الكلمات الصعيدية ، الكلمات تحاكى قصة عرفات من بدايتها مرورا بحبه للعايقة وحب درة بنت الشيخ العجمى له وبالمناسبة استاء العديد من المشاهدين من الغموض الذي احاط بتمام زواج عرفات من درة أو زواجه من العايقة فقد تمنى الكثير على صفحات مواقع التواصل لو تم توضيح هذا الخط ، خاصة عندما كان عرفات يقسم ( مثلما فعل الشيخ مدين في بداية القصة ) ارثه على اولاده الثلاتة فلم يعلم المشاهد ان كانوا اولاده من صلبه أو من مجموع الاولاد الذين صنعوا معه كهف السفينة في الزوبعه.
يمكننا القول ببساطة أن الشر لايموت طالما هناك سلطة مادية وسلطة معنوية ونفوس ضعيفة يستطيع خلدون ( الشيطان ) وامثاله اغوائها.
يظل جزيزة غمام من الاعمال التى ستحفر عميقا في الذاكرة الجمعية للمشاهدين.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_