الاستقطاب السياسي للطاقة والتقنية
يوسف مبارك
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ أكبر مصدر صديق دائم للغرب لمعدن الليثيوم هو أستراليا، ومؤخرا قامت بريطانيا – الضلع الثاني من مثلث أوكوس – بالإعلان عن أول مصفاة ليثيوم في أوروبا، تمهيدا لما يبدو أنه “تغريب” حصري لسلاسل توريد للطاقة المكتفية.
هذا المشروع برعاية شركة غرين ليثيوم، وبدعم كبير من شركة ترافيجورا العملاقة لتجارة الطاقة والمعادن ومقرها سنغافورة، في خطوة استباقية للتخندق في جيو-اقتصاديات الثروات المعدنية، التي ما إن يحدث التصعيد السياسي العسكري في أي منطقة إلا وتساوم عليها الدول المصدرة نظيرتها أو غريمتها المستوردة.
الجانب الاستباقي في الليثيوم هو أحد دروس الغاز الروسي، لئلا يصبح ليثيوم الصين في حال ضمها لتايوان من المحرمات على المصانع الغربية ومعداتها وأجهزتها، مع أن هذه الأخيرة يُصنع جلّها في الصين، لكن فلنفترض أن القلق يختص فقط بليثيوم بطاريات وسائل المواصلات وتخزين الطاقة الشمسية للمباني.
تسعى شركة غرين ليثيوم لتكرير خمسين ألف طن من المعدن المذكور سنويا كمرحلة أولى، تزود ترافيجورا مصفاة غرين بالليثيوم الخام لإنتاج البطاريات الخاصة بالسوق الأوروبية في المقام الأول، وخلق ألف وظيفة جديدة في ذات الوقت.
الجانب الآخر من المعادلة هو مساعدة الساسة الغربيين على البر بقسمهم للجماعات البيئية ولوبياتها بخفض معدل انبعاثات الكربون بالتحول السريع إلى الطاقة الكهربائية وتبنّي كافة ملحقاتها، كالبطاريات ومحطات الشحن السريع، ومشروع تمكين المواطن الأوروبي من مقاضاة حكومة بلده إذا زاد معدل الملوثات في أجواء مدينته ليسبب ضيقا في التنفس أو عرضا صحيا مصاحبا أو حتى نقصا في مجال الرؤية يهدد السياقة والملاحة.
ومن أجل ذلك أيضا نرى التغزل الأوروبي بأمثال إيلون ماسك، ليس لتصدره تصنيف أثرياء العالم حاليا فحسب، وإنما لأنه كشخص حامل لواء التحول الصناعي الأخضر الثوري الذي يلتقي مع الموجة المسيّسة لحماية البيئة.
وقد كان للقاء المصور بين ماسك ورئيس قطاع الصناعة في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون، حيث ظهر الممثل القاري الأخير وكأنه يتقدم لوظيفة لدى الأول في مصنعه الأحدث في تكساس، متغزلا في نجاحه وملتمسا افتتاح مصانعا أكثر في أوروبا لنقل المعرفة والتصنيع بينها، وملمحا بالعوائد المرجوة من القارة العجوز، وكان رد ماسك عليه مقتضبا في استجابة سريعة وبسيطة وتواضع مصطنع.
على صعيد آخر، تجتهد جبهات بحثية للاستعاضة عن المعادن والفلزات النادرة، المطلوبة لتخزين وإيصال الطاقة، بمعالجة معادن عادية لتكتسب خواص نظيرتها النادرة، وهو أمر إن تحقق سيقلب جيو-سياسية وسائط الطاقة الجديدة رأسا على عقب.
في هذا المجال، قام باحثون من جامعة مينيسوتا الأمريكية بتعديل عدد الإلكترونات حذفا أو إضافة في ذرات الألمنيوم ومعادن أخرى وفيرة لتتحول إلى محفزات محولة للطاقة شبيهة بخواص الليثيوم والروديوم والبلاتينيوم والبلاديوم.
بطل هذه التجربة جهاز جديد اسمه المكثف التحفيزي catalytic condenser، وما أكثر التجارب العلمية ودوافعها المتفاعلة مع الجغرافيات السياسية والاقتصادية.
سكاي نيوز