نتائج الدورة الأولى في الانتخابات التشريعية الفرنسية
علاوة مزياني
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ غداة الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، والتي أظهرت نتائجها بروز ثلاثة أقطاب رئيسية هي الاتحاد الشعبي اليساري بقيادة جان لوك ميلنشون والائتلاف الحاكم اليميني الوسطي بزعامة إيمانويل ماكرون، فضلا عن “التجمع الوطني” اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبان، يتساءل كثيرون هل ستُؤكد الجولة الثانية عودة المواجهة التقليدية بين اليمين واليسار؟
تثير نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد تساؤلات حول عودة الحياة السياسية الفرنسية إلى المواجهة التقليدية بين اليمين واليسار، وذلك بعد بروز ثلاثة أقطاب ستتنافس على حسم الاقتراع خلال الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 19 يونيو/حزيران. القوى الثلاث التي جاءت في طليعة النتائج هي الاتحاد الشعبي البيئب والاجتماعي الجديد (تحالف أحزاب اليسار واليسار المتطرف) بقيادة جان لوك ميلنشون، التحالف الرئاسي “معا” اليميني الوسطي بزعامة إيمانويل ماكرون، و”التجمع الوطني” اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبان.
فحسب تقديرات معهد “إيبسوس”، وهو شريك فرانس24 في هذه الانتخابات، تصدر التحالف اليساري نتائج الدورة الأولى بحصوله على 25.6 من أصوات الناخبين، ما يرشحه للحصول على ما بين 189 و219 مقعدا في البرلمان الجديد مقابل 25.2 للائتلاف الرئاسي (بين 255 و299 مقعدا)، فيما حل الحزب اليميني المتطرف ثالثا بنسبة 19.1 من الأصوات (بين 20 و45 مقعدا).
وأكدت هذه التقديرات تراجع حزب “الجمهوريون” الذي يمثل اليمين التقليدي، وهو التيار الذي كان الرئيس الأسبق جاك شيراك (1995 لغاية 2007) أبرز مدافع عنه وعن خطه الجمهوري الرافض لأي لبس أو غموض، لكن بدأ يركن بعض الشيء لتوجهات اليمين المتطرف خلال عهدة سلفه نيكولا ساركوزي بين 2007 و2012. وقام رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون مرشح اليمين لانتخابات الرئاسة في 2017 بمد يده لأقصى اليمين ليبقى وفيا لنهج ساركوزي وبالتالي يساهم بدوره في تفكيك التوجه المعتدل للحزب.
ولدى انتخابه رئيسا للجمهورية قبل خمس سنوات، سارع ماكرون لتعيين رئيس وزراء يميني، ومن حزب “الجمهوريون” بالتحديد، وهو إدوار فيليب ليلقم الضربة القاضية لليمين الجمهوري الذي ظل مذاك الحين في تقهقر متواصل. فحسب تقديرات معهد “إيبسوس”، سيتراجع عدد نواب “الجمهوريون” في البرلمان من 101 لما بين 50 و80 بعد حصوله على نسبة 13.6 من أصوات الناخبين.
التحالف الرئاسي يحشد الأصوات للدورة الثانية للحصول على الأغلبية البرلمانية
أما الحزب الاشتراكي فقد عانى أيضا غموضا في هويته خلال حقبة الرئيس فرانسوا هولاند، خليفة ساركوزي (بين 2012 و2017)، ليقترب من الزوال بعد انتخاب ماكرون الذي استقطب إليه غالبية أصوات اليسار، ما أدى إلى انهيار المرشح الاشتراكي آنذاك بونوا أمون بحصوله على 6.36 من الأصوات. وتأكد “اضمحلال” الحزب خلال الانتخابات الرئاسية 2022 إذ حصلت مرشحته آن هيدالغو عمدة باريس على أقل من خمسة بالمئة من أصوات الناخبين.
وأمام هذه “النكسة” التاريخية، وافق الحزب الاشتراكي على الدخول في عملية “ذوبان” في الائتلاف اليساري الذي تأسس حول جان لوك ميلنشون لأجل حفظ ماء الوجه والبقاء على قيد الحياة. فهو مرشح للحصول على ما بين 24 و29 مقعدا في البرلمان المقبل.
فما من شك أن الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، الملتف حول شخصية ميلنشون، ينتمي إلى اليسار إذ إنه يضم “فرنسا الأبية” (أقصى اليسار، بزعامة ميلنشون) والحزب الاشتراكي وحزب “البيئة” و”الحزب الشيوعي”. وما من شك أن “التجمع الوطني”، وريث “الجبهة الوطنية” التي أسسها جان-ماري لوبان في بداية سبعينيات القرن الماضي، ظل حزبا يمينيا متطرفا وفيا لأفكاره المعادية للأجانب وأوروبا والمسلمين، رغم مزاعم زعيمته مارين لوبان.
اليسار يحاول حشد أصوات الممتنعين عن التصويت في الدورة الثانية
لكن، ماذا عن الائتلاف الرئاسي الذي يضم حزب النهضة بقيادة إيمانويل ماكرون وحركتي “مودام” الوسطية بزعامة فرنسوا بايرو و”آفاق” اليميني الذي تأسس على يد رئيس الوزراء الأسبف إدوار فيليب ؟
الخبراء والمتخصصون في شأن السياسة الفرنسية يصنفونه على أنه من تيار اليمين، نظرا للتوجه الاقتصادي اليميني للرئيس ماكرون. وهو ما قد يرجح فرضية عودة فرنسا للصراع التقليدي بين اليمين واليسار.
وكان المحلل السياسي بيار بريشون قد قال في مقابلة لقناة “فرانس تي في أنفو” العمومية بين دورتي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إن نتائج الاقتراعين الرئاسيين 2017 و2022 لم تعلن نهاية المواجهة التقليدية بين اليمين واليسار، وإنما أكدت نهاية حضور الحزبين المتقاسمين للسلطة منذ 1958 (أي اليسار واليمين الجمهوريين) في الدورة الثانية من الانتخابات، سواء الرئاسية أو البرلمانية.
وأضاف أن تيار الوسط وأحزاب اليمين واليسار المتطرفين كانت قبل 2017 على هامش الحياة السياسية الفرنسية، لكن “اليوم، فقد نلحظ بروز ثلاثة أقطاب: قطب يميني متطرف حول مارين لوبان، قطب يساري متطرف حول جان لوك ميلنشون، وقطب وسطي حول الرئيس ماكرون”. وتابع قائلا إن ثمة مجموعات صغيرة داخل كل قطب من هذه الأقطاب.
وتوقع غابريال أتال الوزير المنتدب للحسابات العامة في حكومة إليزابيث بورن، والناطق السابق باسم حكومة جان كاستكس، أن تكون الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية “فرصة لتوضيح المشاريع” بين الائتلاف الرئاسي والتحالف اليساري.
وتتابين مشاريع القطبين في كل المجالات تقريبا: رفع الأجور، إصلاح معاشات التقاعد، التوظيف العمومي، الضرائب، التربية، التخطيط البيئي… لكن التحدي الأكبر بالنسبة لهما، ولليمين المتطرف على حد سواء، يكمن في تعبئة الناخبين لأجل الإدلاء بآرائهم الأحد المقبل، علما أن نسبة الامتناع عن التصويت قد بلغت في الدورة الأولى 52.3 في المئة من الهيئة الناخبة (حسب معهد “إيبسوس”)، وأن فئة 18-34 عاما تشكل غالبية الممتنعين.
أمام هذه المعطيات، بدأت معركة الجولة الثانية مساء الأحد، إذ دعا ميلنشون الناخبين إلى تشكيل ما سماه “موجة” للدفع به إلى اجتياح البرلمان، فيما دعت رئيسة الوزراء الممتنعين إلى “الثقة بقوة أصواتهم” وقدرتها على تأكيد المسار.
أما “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، فهو يتجه نحو الحصول على كتلة برلمانية للمرة الأولى منذ عام 1986 عندما بلغ عدد نوابه 35 بفضل إقرار الرئيس فرانسوا ميتران التصويت النسبي لقطع الطريق أمام اليمين. ويسمح القانون الفرنسي بتشكيل كتلة برلمانية في حال الحصول على 15 نائبا على الأقل.
بارديلا يهاجم تحالف اليسار ويدعو أنصار حزب “الاسترداد” للتصويت لحزب مارين لوبان
من الصعب أن نجيب بـ “نعم” أم “لا” عن السؤال المطروح حول عودة الحياة السياسة الفرنسية نحو المواجهة التقليدية بين اليمين واليسار. المؤكد أن تحالف اليسار واليسار المتطرف بزعامة جان لوك ميلنشون سيفرض نفسه معارضا رئيسا لائتلاف إيمانويل ماكرون ذي التوجه اليميني.\
فرانس24