مشكلات سوق الكتاب والأدب العربية في معرض دبي
شتيفان فايدنر
ترجمة: رائد الباش
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ مشكلات سوق الكتاب والأدب العربية نوقشت بصراحة مذهلة في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب والذي أصبح مركز لقاء دولي بلا مثيل منذ ثورات الربيع العربي. تقرير شتيفان فايدنَر من أبو ظبي لموقع قنطرة.
شاركت ألمانيا عاماً تلو عام كضيف شرف في معرض أبو ظبي للكتاب، فها هي قد حلَّت ضيف شرف رسميًا هذا العام 2022 أيضا وللمرة الثالثة على التوالي على المعرض، بعد أن تكرَّر اختيارها بسبب جائحة كورونا إثر إلغاء هذا الحدث في عام 2020 بسبب الجائحة وإعادة إحياء المعرض عام 2021 ولكن بنسخة مصغَّرة فقط أقيمت معظم فعالياتها عبر الإنترنت.
ولذلك فقد جاء هذا الحدث أكثر روعة وفخامة في هذا العام 2022، بما أقيمت فيه من فعاليَّات كثيرة على مسرح متألق تحت شعار قصص ألمانية وبمن دُعي إليه وهم تقريبًا جميع العاملين في مجال الآداب والترجمة الألمانية العربية، وها هو التعاون الطويل الأمد بين معرض الكتاب في فرانكفورت ومعرض أبو ظبي للكتاب قد أثمر أخيرًا.
وهذا يعود إيضاً إلى حقيقة أن المعرض المُنظَّم من قِبَل “مركز اللغة العربية” في أبو ظبي قد تفوَّق في هذه الأثناء على جميع معارض الكتب العربية الأخرى (علما بأنه يوجد تقريبًا في كلِّ دولة عربية معرض واحد على الأقل) ولم يعد مجرَّد معرض عربي داخلي – بل تحوَّل إلى ملتقى عالمي، بالإمكان فيه وليس في أي مكان آخر اللقاءُ بالمؤلفين والأصدقاء والزملاء المقيمين في كندا وروسيا وبريطانيا وبيروت وصعيد مصر والكويت والعراق أو في المغرب.
هل الأدب جزء من الصناعة الإبداعية؟
تسعى أبو ظبي في مجالات أخرى أيضًا إلى تحويل المشهد الأدبي العربي إلى جزء متكامل من الصناعة الإبداعية المُعَوْلمة، وعلى الرغم من وجود الإرادة في هذا السياق لكن التحديات كبيرة.
ما من شكّ في أنَّ السؤال عن مدى جدوى الاعتماد فقط على التجارة -عندما يتعلق الأمر بالثقافة والأدب- قد تم استبعاده في المعرض، رغم أن هذا السؤال في “المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية” -الذي تم عقده قبل المعرض- كان حاضرًا مثل فيل ضخم لم يكن هناك مَنْ يريد الحديث عنه، رغم مثوله للعيان طوال الوقت بشكل واضح أمام الجميع.
ولكن أَلا يضمن عدم استغلال الأدب العربي تجاريًا حمايته من توجهه باتجاه عام واحد، وهو ما يتسم به الذوق الأوروبي الأمريكي كحتميةٍ مُرافِقة للعولمة؟ وألا يعتبر الدمج التجاري كـ”صناعة إبداعية” مجرَّد استيلاء (ما بعد) استعماري يتم من الباب الخلفي؟ من المعروف أنَّ المؤلفين والناشرين أيضًا يتمنون وجود قنوات توزيع أسهل ودخلًا أفضل وحواجز جمركية وبيروقراطية أقل. ولكن هنا بالذات، حيث يعتمد الأمر على اللوائح والقوانين الجمركية في كلّ دولة عربية، يمكن حتى لدولة مؤثِّرة مثل الإمارات العربية المتَّحدة أن تجد نفسها مقيَّدة اليدين.
هل يكمن المستقبل في الكتاب الإلكتروني؟
ولذلك فلا عجب من أنَّ تركيز المؤتمر في هذه الدورة 2022 من معرض الكتاب قد انصبَّ بالذات على وسائل الإعلام الإلكترونية، التي من المعروف أنَّها تتجاوز حدود الدول. فهل يكمن إذًا مستقبل الكتب العربية في الكتب الإلكترونية؟ هذا أكيد بحسب رأي مايكل تامبلين، الرئيس التنفيذي لموقعي الكتب الإلكترونية كوبو وتولينو، والذي أعلن عن أنَّ شركته ستصبح أوَّل شركة كتب إلكترونية تعمل الآن في السوق العربية أيضًا. ونأمل هنا أن يستطيع العرب تحمُّل تكاليف أجهزة القراءة الإلكترونية الخاصة وأن يجد أيضًا الأدب الجيِّد مكانه على هذا الموقع (يمكن حتى الآن العثور على كتب إلكترونية باللغة العربية على موقع “أبجد” الأردني، الذي ننصح به).
وفي حين أنَّ تجارة الكتب الإلكترونية العربية لا تزال في مهدها، تعمل شركة أمازون، التي أصبحت ممثَّلة في مصر أيضًا، على تشجيع بائعي الكتب المصريين، مثلما يقول شريف بكر من المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. ظهر فجأة أنَّ بائعي الكتب لا توجد لديهم قوائم يمكن استخدامها تشمل الكتب المتاحة ولا حتى معايير موحَّدة تمكِّنهم من إعادة طلب العناوين بشكل فعَّال وسريع.
وعلى الرغم من ذلك تنتشر في كلِّ مكان مكتبات صغيرة جديدة ودور نشر مبتكرة، مثلما يقول شريف بكر: وهذا يكاد يثير من دون ريب الانطباع بأنَّ العاملين في مجال العمل الأدبي أصبح عددهم الآن أكثر من عدد القرَّاء، لا سيما وأنَّ القرَّاء يقفزون إلى العناوين التي تعدهم بالترفيه السطحي أو إلى كتب للمساعدة على تجاوز مشكلات الحياة و”تحسين الذات” – تمامًا مثلما هي الحال في أية سوق كتب ذات توجُّهات ليبرالية جديدة.
وكذلك وجدت مؤخرًا الكتبُ الصوتية مكانًا لها في العالم العربي: يُفضِّل الناس الاستماع أثناء الطهي وقيادة السيَّارة. ولكن في الكتب الصوتية أيضًا يتم إغفال الأدب الجيِّد، تمامًا مثلما يحدث لدينا في أوروبا.
عدم جدوى النقد الإعلامي
فقد حذَّر أيضًا نيكولاس كار، وهو ناقد بريطاني معروف ينتقد وسائل الإعلام الجديدة المعتمدة على الإنترنت، من التخلي عن الكتاب كوسيلة مطبوعة. وقال إنَّ الورق المطبوع وحده يحمينا من التشتُّت، الذي تسببه لنا دائمًا المواقع والمنصات الإلكترونية. وأضاف أنَّ الكتاب الورقي وحده يعلمنا التركيز والقراءة والفهم بتعمُّق. ولكن تحذيراته هذه ذهبت أدراج الرياح.
فبعد ذلك مباشرة خلال الجلسة المعقودة حول السؤال إن كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي سوق الكتب الجديد، صعد إلى المنصة ممثِّلو تيك توك وتويتر وحاولوا الترويج لقوة التشتيت الكامنة في منصاتهم باعتبارها رابطًا مفيدًا للقارئ.
ولكن مع ذلك فقد كان من الواضح أنَّ كلَّ هذا لا يعود بأية فائدة على المؤلفين طالما كتبهم يتم تحميلها كملفات بي دي إف PDF من مواقع غير قانونية. وفي هذا المجال تعمل إحدى المبادرات الجديدة الأكثر أهمية في أبو ظبي، وهي “جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ”.
تسعى هذه المبادرة إلى إيجاد نظام فعَّال لإدارة الحقوق. وهدفها لا يكمن، مثلما ذكرت رئيستها روان الدباس، في تأسيس نوع من شرطة حقوق التأليف والنشر، بل في خلق ظروف تجعل قرصنة الكتب على الإنترنت غير ضرورية. وأهم هذه الظروف هو تسهيل الوصول إلى الكتب العربية لكلّ مَنْ يريد شراءها بشكل قانوني.
دعم الترجمة لا يحقِّق أي نجاح
وكان الموضوع الرئيسي الآخر في معرض الكتاب وفي مشاركة ضيف الشرف ألمانيا هو السؤال عن كيفية الترويج بشكل أفضل في أوروبا وفي ألمانيا للأدب العربي المتنوِّع والعالي الجودة، ولكن في الوقت نفسه الأشبه بالأدغال وغير المعروف. وحتى الآن لم يكن الأدب العربي عملًا مربحًا بالنسبة للمستكشفين والوكالات الأدبية. ولذلك فإنَّ نقل الأدب لا يزال يعتمد على الصدف والمبادرات الخاصة.
من الممكن أن يؤدِّي دعم الترجمات من قِبَل الدول العربية إلى تغيير قواعد اللعبة. ولكن هنا بالضبط يكمن الخطأ: إذ إنَّ دعم الترجمة الموجود مثلًا في أبو ظبي لا يتيح للناشرين فرصة اكتشافهم الكتب بأنفسهم ثم تقديم طلب للحصول على تمويل لهذه العناوين، كما يفعل مثلًا الأوروبيون في تمويل الأدب والترجمة. بينما أبو ظبي تموِّل فقط العناوين، التي تقترح ترجمتها لجان مشكَّلة خصيصًا لهذا الغرض وترغب في رؤيتها مترجمة. لكن بما أنَّ الناشرين لا يحبون أن يُفرض عليهم ما يجب عليهم نشره فإنَّ هذا النوع من الدعم والتمويل لا يحقِّق أي نجاح.
وطالما أنَّ الجانب العربي لا يتحرَّك هنا ولا يكافئ مبادرات الناشرين والمترجمين الخاصة، فإنَّ هذا الوضع لن يتغيَّر. وفي هذا الصدد لا بدّ من القول بصراحة إنَّ المؤسَّسات العربية هي نفسها التي تضع حجر عثرة في طريق الأدب العربي إلى أوروبا. وبالرغم من إثبات دراسة أجرتها المترجمة الألمانية ساندرا هيتسِل أنَّ عدد العناوين المترجمة من العربية قد تَزايدَ باستمرار، ولكن هذه الزيادة تسير بشكل بطيئ جدًا لدرجة أنَّها تكاد تكون غير ملحوظة، خاصة وأنَّ الترجمات العربية ما تزال بعيدة حتى الآن عن الكتب الأكثر مبيعًا ذات التأثير الإعلامي.
شاعر يعاتب مضيفيه
ولكن ماذا عن الأدب نفسه؟ كان هناك نقص في حضور نجوم الأدب، ومع ذلك فقد ظهر في المعرض على الأقل أدونيس – الشاعر اللبناني السوري، الذي يبلغ عمره الآن اثنين وتسعين عامًا ولا يزال مثل ذي قبل رشيقًا ومثيرًا للجدل. وكان على وشك النجاح في إحداث تغيير وإحضار صديقه الباريسي بيتر هاندكه معه إلى المعرض، لكن هذا الأخير اضطر إلى الاعتذار عن الحضور لأسباب عائلية. ومثلما كان متوقعًا فقد عاتب أدونيس مضيفيه.
حيث أشار وبضوت عال خلال ندوة حول طه حسين (1889 – 1973)، عميد الأدب العربي الكلاسيكي الحديث، إلى أنَّ العرب كانوا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين لا يزالون يراهنون وبكلّ تأكيد على التقدُّم، ولكنهم مع مرور الوقت خلطوا للأسف بينه وبين النمو الاقتصادي (وهنا يتساءل المراقب من أوروبا: هل هذه مشكلة العرب وحدهم؟).
وهكذا أصبح عالم الخليج اللامع ما بعد الحداثة يتعايش مع الظروف الاجتماعية الرجعية، بحسب أدونيس؛ وهذا يظهر أيضًا بالطريقة المخيفة إن لم تكن القمعية التي يتعامل بها الحكَّام مع الأدب. وفي الختام، نصحهم بأن يقتدوا بمثال شارل ديغول، الذي عندما اقترح عليه مستشاروه القبض على الشاعر جان بول سارتر، أجابهم هذا الرئيس الفرنسي بسؤاله: مَنْ هو ديغول حتى يجرؤ على اعتقال فولتير شخصيًا.
ولكن عندما يُسمح لأدونيس – لهذا الشاعر العربي المعاصر، الذي يعتبر بمثابة فولتير، بالعودة إلى باريس من دون أن يتم اعتقاله، فيمكن لحاكم أبو ظبي المُطْلَق الجديد، الشيخ محمد بن زايد، أن يتباهى على أية حال بأنَّه ليس أقل من شارل ديغول في مسألة التسامح.
قطرة