حيدر حيدر الأديب المنسي

نجاة أحمد الأسعد

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_لا  شيء يعادل الأثر الذي تتركه الأجواء الكابوسيّة لكتابات هذا القاصّ والروائيّ «المُغاير»، ولا كتابة تشبه الصّدمة التي يُخلّفها إذ تحفر عباراته ورؤاه بعمق في طمأنينتنا المُتوهّمة التي غالبًا ما نخدع بها أنفسنا لنستطيع الاستمرار بحياتنا دون منغّصات، مع أن الموت والدّمار والظّلم يحيطون بنا من كلّ جانب. حيدر حيدر، كما يعرّف نفسه، هو «كاتب اليأس والقسوة، والنّهار المهزوم بالظّلمة»، مُعلنًا بلا مواربة أن «الحياد في زمن الصّراع تواطؤ»، لينقلنا في ضربة قلم من راحة التّعويض والاستبدال، إلى عبء المواجهة.

رغم تحوّل الأزمان، ظلّ حيدر مُخلصًا حتى اليوم لهذه المحدّدات، فلم تهزمه رقابة داخليّة ولا خارجيّة، وظلّ محافظًا على مسافة نقديّة شرسة من كلّ الأطراف: من ديكتاتوريّة النظام الحاكم في بلده سوريا، كما من ديكتاتوريّة الفهم العامّ و«المُتعارف عليه»، من قمعيّة الأيدولوجيا الدوغمائيّة والحزب الحاكم كما من طغيان السّلطة المُشتقّة من الدّين.

كانت كتابات حيدر حيدر أوّل نصوص أدبيّة جادّة أقرأها في حياتي، وشكّلت لي معبرًا أوليًّا باتجاهين حدّدا مساري اللّاحق: مشاهدة الواقع دون فلاتر ومجمّلات ومجاملات، وتحويل فظاعاته، بأدوات الكتابة، إلى مادة فنيّة رفيعة على صعيد الشّكل. هذه باختصار هي ملامح «مدرسة حيدر حيدر» الكتابيّة التي أعتبر نفسي واحدًا من تلاميذها: ليست مدرسة ديستوبيّة على الإطلاق، بل مدرسة تنطلق من فكرة مركزيّة مفادها أن واقعنا هو أشدّ بؤسًا من أي ديستوبيا، أما الفنّ فيتحقّق من خلال قلب هذا الواقع من الدّاخل إلى الخارج، من خلال مواجهة الخراب وجهًا لوجه، بأشكال كتابيّة مبتكرة وطليعيّة تخدم فكرة القلب والمواجهة نفسها.

ولد حيدر حيدر في قرية حصين البحر على الساحل السوري عام 1936، أكمل دراسته في مدارس طرطوس عام 1951 ليلتحق بعدها بمعهد المعلّمين في حلب، الذي تخرّج منه عام 1954، ليبقى بعدها في حلب مدرّسًا لعقد من الزمن، انتقل بعدها إلى دمشق، ومنها إلى عنّابة في الجزائر عام 1970 حيث درّس اللّغة العربيّة، ومنها إلى بيروت حيث عمل في بعض دور النشر هناك مُصحّحًا ومُدقّقًا لغويًّا. التحق حيدر حيدر في بدايات الحرب اللبنانيّة بالمقاومة

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Previous post أحداث تاريخية
Next post مطار بروكسل هذا الصيف