الفيتو البيئي القادم
يوسف مبارك
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ أطلقت الصين عددا من المشاريع العملاقة لحصد الكربون وتوليد الطاقة المتجددة، بصورة تبين استعدادا لتأمين الاكتفاء الكهربائي، والتجهيز لمرحلة تتراشق فيها الدول الاتهامات بالتقصير والمطالبة بدفع غرامات أو ضرائب على قبول صادراتها إن لم تحيّد أو تقلل بصمتها الكربونية.
وهذا الاستعداد سيؤهلها لمطابقة المعايير البيئية القادمة قبل أوان استحقاقها، وبالتالي حصر الاتهامات لغرمائها والدفاع اللازم عن صادراتها حينئذ.
من المتوقع في يوليو الجاري إنجاز وتشغيل سد بايهيتان المولد لـ 16 غيغاوات من الكهرباء، وأُعلِن في العام الماضي عن مشروع صحراء الصين للألواح الشمسية بطاقة توليد تبلغ 100 جيجاوات، وقبلها في 2019 تم الإعلان عن قاعدة أولان كاب لمراوح التوليد بطاقة 6 غيغاوات.
وكانت الصين قد شغلت مزارع ألواح شمسية بطاقة 40 غيغاوات في 2020 لتبلغ إجمالي إنتاج للطاقة الشمسية مقداره 240 غيغاوات على مستوى مساحتها الكاملة، مع مزيد من الطاقة يضاف مع كل تشغيل جديد لمزرعة ألواح أو مراوح أو سدود.
يوجد ضغط ذاتي من كل دولة متقدمة أو في طريقها إلى التقدم تطبقه على مؤسساتها وقطاعها الخاص والاستثمارات الأجنبية المتواجدة فيها والساعية إليها.
وتبادل المفاضلة بين هذه الدول، وتوجيه اللوم والوصاية إلى الدول النامية أمر سيجعل من المعايير البيئية سلاح عصا وجزرة جيو-سياسي وجيو-اقتصادي لمعسكر المراعين لمناخ وبيئة الكوكب والمضرين بهما.
في الصين، تفرض صدارة الكوكب في التعداد السكاني وطموحات الصدارة التنموية وضع توليد الطاقة المتجددة وتنظيف البيئة في خانة الأهمية المعطاة لتطوير إمكانيات وجاهزية قواتها المسلحة.
تم إنجاز البنية التحتية الجديدة وتجديد القديمة في أرجاء الدولة مترامية الأطراف، وجاري العمل للخروج بها من خانة الملوث الأكبر، رغم أن ما جعلها كذلك هو اتكالية الدول الصناعية الأخرى على عمالتها ومصانعها لغزارة الإنتاج وتقليل التكاليف.
في المقابل لا يبدو أن لأوروبا نفس الحظ من وفرة الأشعة الشمسية وكبر مساحات المزارع الشمسية بالقدر الذي يتيح توليد هامش طاقة كبير يقلل أو ينفي الاتكال على الفحم والغاز، أما طاقة الرياح فنفعها محصور في عدد قليل من الدول حيث الظروف مواتية للاستفادة المجدية منها.
أما الولايات المتحدة، فتحتاج إلى تجديد شامل في البنية التحتية تدمج فيه متطلبات الطاقة المتجددة في مواقع كثيرة، لا ينبئ الوضع الاقتصادي الحالي عن إمكانية الشروع في العمل بالوتيرة اللازمة والانتشار المطلوب.
أصدر الجيش الأميركي في فبراير الماضي استراتيجيته المناخية، وذكر فيها أن قواته البرية ستكون “صلبة ومستدامة وقادرة على العمل في كافة النطاقات، مع اتخاذ التدابير الناجعة للتقليل من أبرز التأثيرات الناتجة عن الانبعاثات وتفعيل التأقلم اللازم، تماشيا مع جهود تحديث الجيش”، وتواصل الاستراتيجية في ذكر “تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمعدل النصف في 2030 مقارنة بانبعاثات 2005، وبلوغ الحياد الصفري بحلول 2050، والمبادرة بوضع التبعات الأمنية في الاعتبار في الاستراتيجيات والتخطيط وعمليات الشراء وسلاسل التوريد ومستندات وعمليات البرمجة”.
لا تخلو هذه الاستراتيجية المناخية من جانب علاقات عامة بيئية يجمّل العمل العسكري، ويضيف طبقة أخرى من المتطلبات الفنية المكلفة، وكأن هذا المجال الأكثر تنافسية بين القوى الكبرى كان ينقصه هذا التسابق المحموم على المعايير والمواصفات، ولكن لإضافة معيار مفاضلة وشيطنة و”تسخيط” دولي على من يتخلف عن مواءمة عتاده مع الاشتراطات البيئية، وقد يصبح السلاح الملوِّث محرماً مثل النابالم الذي أهلك الحرث والنسل في فيتنام، لغرض بيئي إلى جانب الهدف الإنساني، أو يطبق عليه وعلى الصادرات المدنية الملوٍّثة حق النقض البيئي.
سكاي نيوز