التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية بشأن “تيران وصنافير”

ديفيد شينكر

شبكة المدار الأعلامية الأوروبية …_

تُعد الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المنطقة خطوة جديرة بالثناء، ولكن على الإدارة الأمريكية أن تحرص على ضمان محافظة أي اتفاق مع الرياض على الترتيبات الأمنية البالغة الأهمية في المنطقة المنصوص عليها في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

على الرغم من تصدّر تعهدات الطاقة لقائمة النتائج المنتظَرة من رحلة الرئيس بايدن القادمة إلى الشرق الأوسط، إلا أن الإدارة الأمريكية ترى أيضاً فرصةً لتعزيز السلام الإقليمي  ، وذلك جزئياً من خلال التوسط لإبرام اتفاق بشأن نقل تبعية الجزيرتيْن الصغيرتين “تيران وصنافير” في البحر الأحمر. ومع ذلك، ففي حين أن اتفاقاً إسرائيلياً سعودياً بشأن هذه المسألة قد يشكّل انتصاراً بارزاً للرئيس الأمريكي على صعيد السياسة الخارجية،إلّا أن القضية أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. وعلى الرغم من التغييرات الإيجابية التي حدثت في العلاقات العربية الإسرائيلية خلال السنوات القليلة الماضية، إلّا أن المخاوف الأمنية المستمرة تحتم على الرياض ومصر – الدولة التي تقع الجزيرتين تحت إدارتها حالياً – تقديم تنازلات كبيرة قبل تنفيذ نقلهما.

عقود من تغيير المُلكية

تشكّل المُلكية التاريخية لجزيرتَي “تيران وصنافير” محل خلاف، كما هو موضح بالتفصيل في البحث الذي أجراه كريم عادل كبيش في آذار مارس 2019 . فقبل ما يقرب من ربع قرن من تأسيس المملكة العربية السعودية، أَقرّت اتفاقية أُبرمت عام 1906 بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا السيادة المصرية على الجزيرتين. وبإذنٍ صريحٍ من الرياض، احتلت القوات العسكرية المصرية هاتين الجزيرتين في عام 1950 لتقييد دولة إسرائيل الوليدة. لكن بعد سبع سنوات، تحدى دبلوماسيون سعوديون سيادة مصر في الأمم المتحدة.

وفي عام 1967، استغل الرئيس المصري جمال عبد الناصر الجزيرتين لإغلاق مضيق تيران، مما حدّ من وصول إسرائيل البحري إلى ميناء إيلات في خليج العقبة. وتسببت هذه الخطوة بضربة استباقية إسرائيلية، وبحلول نهاية حرب الأيام الستة التي أعقبتها، استولت إسرائيل على الجزيرتين جنباً إلى جنب مع شبه جزيرة سيناء. وأُعيدت هذه الأراضي بالكامل إلى مصر في عام 1982، بعد ثلاث سنوات من توقيعها معاهدة السلام التاريخية مع إسرائيل. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يشعر بأنه ملزم بمراقبة نزع السلاح في سيناء وحرية الملاحة عبر المضيق. ووفقاً لذلك، تمركزت عناصر عسكرية ومدنية من 12 دولة في كل من شبه الجزيرة وتيران تحت رعاية “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” (“القوة”) التي أُنشئت في ذلك الوقت.

وبعد مرور أربعين عاماً، يستمر ما يقرب من 1700 عنصر من “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”، من بينهم حوالي 700 أمريكي، مراقبة امتثال مصر وإسرائيل للمعاهدة. ولكن تمت إعادة النظر في الجزء الخاص بتيران من هذا الترتيب في عام 2016، عندما توصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية يقضي بنقل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة. وعلى الرغم من أنه لم يتم بتاتاً توضيح السبب رسمياً وراء قرار السيسي، إلا أن الكثيرين يتكهنون أنه كان مدفوعاً بمساعدات واستثمارات تقدر بنحو 25 مليار دولار تعهدت بها الرياض لمصر في ذلك الوقت تقريباً. ومهما يكن الأمر، فقد أثار الاتفاق غضب العديد من القوميين المصريين، وعزز الجهود الرامية إلى إفشال الاتفاق في المحكمة، ولكن مع ذلك تم التصديق عليه في نهاية المطاف من قبل مجلس النواب المصري في حزيران/يونيو 2017. ومنذ ذلك الحين، يناقش المسؤولون في مصر وإسرائيل وواشنطن و”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” والرياض أفضل السبل لنقل الجزيرتين إلى عهدة السعودية دون المساس بالضمانات الأمنية لإسرائيل المنصوص عليها في “اتفاقيات كامب ديفيد”.

الأولويات الإسرائيلية

يتمثل القلق الإسرائيلي الرئيسي بشأن عملية النقل في ضمان استمرار حرية الملاحة عبر البحر الأحمر إلى إيلات. ومن الناحية العملية، إن هذا الحق مكفول بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”، لذلك فهو لا يعتمد على المعاهدة مع مصر أو على اتفاقيات ثنائية أخرى. ومع ذلك، فبالنظر إلى التجارب الماضية، من غير المفاجئ أن تكون إسرائيل قد سعت إلى الحصول على ضمانات مكتوبة من السعودية بأنها ستواصل احترام هذا الحق.

ووفقاً لتقارير مختلفة، تربط الرياض اتصالات سياسية وعسكرية  رفيعة المستوى مع إسرائيل وقامت مؤخراً بتغيير قوانينها للسماح  لرجال الأعمال الإسرائيليين بزيارة المملكة. ولكن في ظل غياب اتفاق رسمي للتطبيع، ربما لم تتطور العلاقات إلى الدرجة التي تكون فيها الرياض على استعداد لتوقيع أي اتفاقيات مباشرة مع القدس.  ووفقا لبعض التقارير يجري النظر في إيجاد حل بديل قبل رحلة الرئيس بايدن: فقد تمنح الرياض واشنطن تعهداً مكتوباً باحترام حرية الملاحة، وهو ترتيب قد يرضي إسرائيل. ولا شك أن القدس ستريد أيضاً ضمان بقاء الجزيرتين منزوعتي السلاح.

وتتعلق الطلبات الإسرائيلية المحتملة الأخرى بالطيران المدني. ففي عام 2018، فتحت السعودية مجالها الجوي أمام رحلات شركة “طيران الهند” التي تعمل على تسيير رحلات بين نيودلهي وتل أبيب، واختصرت زمن الرحلة [بنحو] ساعتين. وبعد توقيع “اتفاقيات إبراهيم”في عام 2020، سمحت المملكة بتحليق رحلات جوية إسرائيلية إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة. وبالنظر إلى البيئة الإقليمية المحسّنة – ناهيك عن الرغبة في تحقيق انتصارات في مجال السياسة الخارجية في الفارة التي تسبق الانتخاباتةالاسرائيلية المبكرة   في تشرين الثاني/نوفمبر – بإمكان المسؤولين في القدس الضغط على واشنطن لكي تؤثر على السعوديين من أجل السماح لشركة الطيران الإسرائيلية “إل عال” بالوصول إلى المجال الجوي للمملكة. ولن يؤدي ذلك إلى جعل “إل عال” أكثر قدرة على المنافسة على مسار الرحلة فحسب، بل سيشكل أيضاً الخطوة العلنية الأكثر أهمية نحو التطبيع الإسرائيلي السعودي حتى الآن، مما يساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد نظرياً في صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، تفيد بعض التقارير أن إسرائيل قد تدعو إلى تسيير رحلات جوية مباشرة إلى مكة المكرمة لكي يتمكن مسلمو إسرائيل من المشاركة في الحج بسهولة أكبر .

الاعتبارات الاستراتيجية

سواء كان السعوديون مستعدين للنظر في مقترحات السفر الجوي هذه أم لا، فإن الواقع هو أن لدى واشنطن وإسرائيل أولويات أكثر إلحاحاً لمناقشتها معهم. على سبيل المثال، أوضحت الرياض أنها حالما تستحوذ على الجزيرتين، فلن تستضيف بعد ذلك الوحدة الصغيرة لـ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” في تيران، مما يخلق ثغرة في التغطية على حركة العبور في المضائق. لذلك يجب إجراء ترتيبات بديلة مسبقاً كجزء من أي اتفاقية بوساطة الولايات المتحدة، للتعويض عن ضعف الرؤية البحرية والحفاظ على التدابير الأمنية لـ “اتفاقيات كامب ديفيد”. وعلى وجه التحديد، على واشنطن أن تطلب من مصر تزويد “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بالتصاريح وأشكال الدعم اللوجستي الضرورية لإقامة نقطة مراقبة في جنوب سيناء تطل عبر المضيق باتجاه السعودية. ويمكن إنجاز هذه المهمة بسهولة باستخدام التكنولوجيا الحديثة،من بينها الكاميرات المتقدمة أو المركبات الهوائية. وقد بُذلت جهود مراقبة مماثلة منذ عام 1982 من قمة جبل في تيران، لذلك لا ينبغي أن يشكل الطلب إشكالية بالنسبة للقاهرة.

ويمثل الوضع الراهن المتغير فرصة أيضاً لتجديد التزام الولايات المتحدة بـ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”، التي عززت الثقة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لأكثر من أربعة عقود. وعلى الرغم من الدور الهام لهذه “القوة”، سعت إدارات أمريكية متعددة لتقليص مساهمة القوات الأمريكية، التي هي العمود الفقري لـ “القوة”. لكن حتى في وقتنا هذا، في خضم “اتفاقيات إبراهيم” والديناميكيات الإقليمية الإيجابية الأخرى، لا يزال السلام بين مصر وإسرائيل محور الاستقرار في الشرق الأوسط. ولإثبات دعم إدارة بايدن للسلام واستعدادها للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، عليها الالتزام بإبقاء الوحدة الأمريكية التابعة لـ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” عند مستواها الحالي أو بالقرب منه إلى أجل غير مسمى، وبالتالي الحفاظ على نزاهة “القوة”.

أخيراً، سيشكل الاهتمام الأمريكي رفيع المستوى بجزيرتي “تيران وصنافير”، وبـ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” فرصة جيدة لمراجعة حالة السلام بين مصر وإسرائيل. فلم تكن العلاقات بين القاهرة والقدس أفضل من أي وقت مضى، لكن بإمكان تقويض البنود الأمنية للمعاهدة في المستقبل بسبب تزايد عسكرة  مصر لسيناء، من بينها تواجد قوات ومعدات وأنشطة البناء العسكرية التي تنتهك الملحق الأمني لـ “اتفاقيات كامب ديفيد”. وتهدف هذه الجهود إلى محاربة عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكن مع زيادة فعالية مصر في احتواء تهديد الإرهاب في سيناء، على واشنطن أن تحث القاهرة على إعادة نشر القوات والمعدات الزائدة غرب قناة السويس.

الخاتمة

يجب أن يُنسَب الفضل لإدارة بايدن في محاولة إتمام عملية نقل “تيران وصنافير” إلى المملكة العربية السعودية – وهي خطوة يمكن أن تساعد في تحسين الحالة القاتمة للعلاقات الأمريكية السعودية، وإنشاء نقاط اتصال إضافية بين الرياض والقدس، وفي نهاية المطاف تقدم عملية السلام في المنطقة. ومع ذلك، عند محاولة تحقيق نتيجة منتظرة من رحلة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، على الإدارة الأمريكية أن تتأكد من وضع النقاط على الحروف. فمنذ ما لا يزيد عن عقد من الزمن، تعرضت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للاختبار عندما أدى “الربيع العربي” إلى انقسامات دبلوماسية خطيرة بين البلدين. ولضمان الاستقرار الإقليمي والأمن الإسرائيلي، يجب أن يتضمن أي اتفاق بشأن “تيران وصنافير” أكثر من مجرد منح تعهد سعودي باحترام حرية الملاحة. وعلى غرار العديد من التحديات في الشرق الأوسط، فإن نقل تبعية هاتين الجزيرتين هو أكثر بكثير من مجرد صفقة عقارية.

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

Previous post بداية العام الدراسي في لوكسمبورغ والواجبات المنزلية لطلبة المدارس
Next post الجنسية الإسبانية بديلاً عن المغربية