إيران والمقاومة الفلسطينية هم العدو.. ماذا يعني دمج إسرائيل في منظومة الأمن العربي؟
رامي أبو زبيدة
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ تسعى زيارة بايدن لتعزيز أمن إسرائيل من خلال منظومة أمن إقليمي شرق أوسطي، الهدف منه مواجهة ما أسموه بالخطر الإيراني، واستهداف مشروع المقاومة في المنطقة لتوفير الأمن والاستقرار لإسرائيل، هذا بحسب المعلن أن الأهداف لم تتحقق. لكننا لا نستطيع أن نجزم بذلك، فما يظهر على شاشات التلفزة وفي الخطابات ليس بالضرورة ما يدور خلف الكواليس.
يتوقع أن تؤدي موجة التطبيع الحالية، ومحاولات دمج إسرائيل، إلى تغييرات جذرية في مفاهيم الأمن الإقليمي، وفي الاستراتيجيات والتوازنات والتحالفات العسكرية في المنطقة، فهذه الموجة تعني أن دولاً عربية أصبحت ترى في إيران، وليس في إسرائيل، مصدر تهديد وجودي لأمنها الوطني.
وأنها باتت مستعدة إلى حد التحالف العسكري مع إسرائيل من أجل مواجهة هذا الخطر، الأمر الذي من شأنه أن يقلب معادلة الأمن القومي العربي رأساً على عقب، فهذا التحالف يعني أن بعض الدول العربية المجاورة لإيران باتت مستعدة لمنح إسرائيل قواعد وتسهيلات أمنية ولوجستية.
وبالتالي، فإن اتفاقيات التطبيع ومحاولات دمج إسرائيل لها العديد من الأبعاد العسكرية والأمنية التي من أهمها:
حرب الوعي
تشكل معركة الوعي والمعركة الثقافية والحضارية والفكرية أحد أهم الأسلحة التي ينبغي اللجوء إليها والاستعانة بها في هذه المرحلة الخطيرة، كي نستطيع تحديد طبيعة هذه المعركة والأسس التي يمكن اعتمادها من قبل القوى المقاومة، لا بد من التعرف على الكيفية التي يدير عبرها العدو الصهيوني معركة الوعي.
بعض المتخصصين بالشؤون الإسرائيلية ومتابعة الأوضاع داخل الكيان الصهيوني، يؤكدون أن العدو الصهيوني يركز في السنوات الأخيرة بشكل كبير على معركة الوعي، إلى جانب المعارك الأمنية والعسكرية، فأنشأ أجهزة ومراكز دراسات ومؤسسات خاصة من أجل خوض هذه المعركة، وهذه المراكز تتبع الأجهزة العسكرية والأمنية، إضافة لإشراف مؤسسات القرار الفاعلة في الكيان الصهيوني على هذه المراكز والتعاون معها في إدارة المعركة السياسية والإعلامية.
وبحسب هؤلاء المتخصصين، تركز هذه المراكز على عدة نقاط أساسية ومنها: تشويه صورة المقاومة لدى الرأي العام العالمي، وحتى في الأوساط العربية والإسلامية، ودراسة كل العوامل المؤثرة في هذه البيئات، والعمل من أجل تعزيز الانقسامات المذهبية والمجتمعية والسياسية، وإضعاف الإيمان والقناعة بقدرة وقوة المقاومة والتقليل من قيمة القدرات الأمنية والعسكرية لدى قوى المقاومة، والعمل من أجل اختراق مختلف البيئات والاستفادة من الاختلافات السياسية والمذهبية أو الاجتماعية من أجل خرق هذه المجتمعات، وتغيير القناعات والآراء من أجل تسهيل عمليات التطبيع وتحويل المعركة نحو أعداء آخرين يتم اختراعهم عبر استغلال الخلافات السياسية، كما يحصل بشأن تحويل الصراع ضد إيران كبديل عن المعركة ضد العدو الصهيوني، واستغلال الأخطاء التي تحصل لتخويف الشعوب العربية والإسلامية من بعضها البعض.
ويؤكد هؤلاء المتخصصون أنه في السنوات الأخيرة ازداد اهتمام المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية والبحثية بمعركة الوعي، وهم يستفيدون من كل الانقسامات والتوترات والأحداث الحاصلة في الدول العربية، ويضاف لذلك تشويه صورة العرب والمسلمين بسبب انتشار التنظيمات العنيفة والمتشددة والربط بين الإرهاب والمقاومة، أو بين الإرهاب والعرب والمسلمين والإسلام.
البُعد المعلوماتي والاستخباراتي
للبُعد الاستخباراتي والمعلوماتي بصمات واضحة في النشاطات الإسرائيلي داخل العمق العربي، إسرائيل من خلال وزارة الخارجية، وبإشراف جهاز الموساد، لديها وحدة خاصة تختار طواقمها الدبلوماسية والأمنية للنشاط بالدول العربية تحت غطاء من السرية. هذه الشخصيات والطواقم يختارها الموساد وفق تخصصاتها، سواء الأمنية الاستخبارية والتجارية والاقتصادية، بمعنى تقاسم أدوار هذه المنظومة والطواقم، وكل ينشط وفقاً لتخصصه ومجاله تحت مظلة الموساد.
سبق أن كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن وجود علاقات سرية قديمة بين قادة الكيان الصهيوني وزعماء دول الخليج، سواء على الصعيد الأمني أو الاستخباراتي وذلك من خلال دراسة أعدها “نيري زيلبر”، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، جاء فيها: إن التحالف السري بين الكيان الصهيوني ودول الخليج يشهد تمدداً نوعياً، مشيراً إلى أن علاقات الكيان الصهيوني وثيقة مع كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، في مجالي الأمن والاستخبارات، ضد التهديد الإيراني المشترك. وأن التعاون الأمني السعودي-الإسرائيلي يتوافق في رفض الاتفاق، نتيجة لذلك بدأت التقارير تظهر حول التعاون السري بين السعوديين وإسرائيل لإحباط البرنامج النووي الإيراني، وفقاً لهذه التقارير، كشف قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق الجنرال غادي آيزنكوت، أن رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات، التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقال إن هناك تعاوناً أمنياً واستخباراتياً بين إسرائيل والسعودية على أساس المصالح المشتركة بينهما، تتمثل بمواجهة إيران والحركات الإسلامية السلفية.
وحسب مستندات وزارة الاستخبارات فإن المصلحة الرئيسية لإسرائيل من التطبيع مع السودان هو الأمن، “فالسودان قريب من سواحل البحر الأحمر وتقع على خط التهريب المباشر للبشر والسلاح، هذا المكان الاستراتيجي من شأنه أن يساعد على تقليص أي تهديدات قد تمس المصالح الإسرائيلية على امتداد الخطوط البحرية الأساسية، كما يفتح آفاقاً للتنسيق والتعاون الأمني في المنطقة.
من وجهة النظر الأمنية والاستخباراتية، يجزم المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، أن الإعلان الرسمي لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية يكشف عن حقيقة وكواليس العلاقات السرية بينهما التي عرفت صعوداً وهبوطاً منذ اتفاقية أوسلو، وأن المصلحة الإستراتيجية الواضحة والمشتركة من التطبيع مع دول الخليج العربي تكمن في التعاون المشترك ضد إيران وحزب الله اللبناني والتنظيمات المسلحة وحركات الجهاد العالمي، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث إن المستفيد على مدار العقدين الماضيين من هذه المصالح والتعاون، هي الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
البُعد العملياتي المشترك
ربما يكون الأخطر في محاولات دمج إسرائيل واتفاقيات التطبيع، هو البُعد العملياتي العسكري والأمني المشترك، الذي يراد منه تشكيل تحالف عسكري في المنطقة، لمواجهة إيران وقوى المقاومة، كما ذكرت تقارير إسرائيلية.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فإن جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر هو إطلاق يدها بشكلٍ يتيح لها السيطرة الكاملة عليه وفرض الرقابة، ما يشكّل خطراً على حرية الملاحة والتجارة البحرية التي تستفيد منه مصر واليمن تحديد
كما سبق أن كشفت تسريبات الوثائق التي انفرد بها الموقع الأمريكي “أمريكان هيرالد تريبيون”، عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع الكيان الصهيوني؛ لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر. وقد أفصح الموقع عن أسماء لكبار الضباط في الجيش السعودي، المشاركين في التدريبات، وهم “محمد بن عبد الله الزهراني، ومحمد بن عبد الله ربيع، ووليد بن عبد الرحمن العبيدي”. وقد جاءت التدريبات ضمن مذكرة تفاهم بين الجانبين، وقع عليها عام 2014.
كما كشف صحيفة معاريف الإسرائيلية أن علاقات إسرائيل وإمارة أبوظبي تزداد متانة في المجال العسكري، في ضوء صفقات سلاح بين الجانبيين، وصل الى أن شركة “البيت سيستمز” الإسرائيلية لتطوير الأسلحة، افتتحت مؤخراً فرعاً لها في الإمارات، وأوضحت الشركة الإسرائيلية أن “فرعها في الإمارات يعمل على تطوير التعاون طويل المدى مع الجيش الإماراتي”، وأنها “ستدير عمليات تنسيق الحلول التكنولوجية للمستخدمين، وستقود نقل تكنولوجيا إلى الشركاء المحليين”.
الجدير ذكره هنا أنَّ إسرائيل تسعى دائماً إلى ضمان تفوقها العسكري والأمني النوعي في المنطقة، ففي أي علاقة عسكرية بين “تل أبيب” وعواصم التطبيع، ستستفيد إسرائيل منها أكثر بكثير من الاستفادة التي ستقدمها لهذه الدول، وستأخذ أكثر مما تعطي، وهذا ما يشير إليه الكثير من المحللين.
فلا يوجد أي مانع أخلاقي أو سياسي لدى إسرائيل في التجسس على أقرب حلفائها، وهذا ما فعلته مع حليفتها “الأوثق” الولايات المتحدة، إذ أدرجت وزارة التجارة الأميركية شركة “إن إس أو” الإسرائيلية التي طوّرت برنامج “بيغاسوس” للتجسس ضمن قائمة الشركات المحظورة، لأنها تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي.
ويعد أحد أهم المخاطر للعلاقات العسكرية العربية-الإسرائيلية هو الانكشاف التام لهذه الدول أمام إسرائيل، وهذا يتيح للإسرائيليين فرصة محاصرة المنظومة العسكرية العربية واختراقها، وربما في أوقات لاحقة “إعطابها”، وذلك على قاعدة أنه “لا يجب أن يكون هناك دولة في المنطقة تتفوق في أي جانب عسكري على قدرات الكيان”.
البُعد التقني والإلكتروني
يلعب الموساد دوراً بارزاً في ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك يرجع الفضل الكبير فيه إلى شركات التقنية العالية، التي أسسها أفراد سابقون عملوا في الوحدات التقنية للاستخبارات الإسرائيلية، هناك وحدة مميزة في جهاز المخابرات، يسارع أفرادها بعد إنهاء خدماتهم فيها إلى تأسيس شركات جديدة ورائدة في مجالاتهم، مستفيدين من الخبرة الهائلة التي اكتسبوها في وحداتهم.
إن الأفراد الذين كانوا قد أثبتوا جدارتهم ومهاراتهم في ميدان الجاسوسية والاختراعات، يثبتون أنفسهم مرة أخرى في ميدان الأعمال والشركات والتجارة، مستخدمين في ذلك الطرق ذاتها، ومنطلقين من الوسائل التي تدربوا عليها في المؤسسة العسكرية، أما النجاح الذي حصدوه في عملهم السري، فقد استثمروه في تجارتهم وخدمة مصالح إسرائيل وأمنها القومي.
في مقال لأندرياس كريغ، الخبير في الشؤون الأمنية والأكاديمي في جامعة كينغز كوليدج البريطانية، أوضح انضمام خبراء إلكترونيين إسرائيليين إلى شركات إماراتية سيئة السمعة، مثل شركة “دارك ماتر” ومجموعة “إن إس أو”، ومن بين الخبراء مجندون قدامى في الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، كما تم تعيين خبراء عسكريين وأمنيين متقاعدين أو متفرغين، للعمل لصالح الشركات العسكرية والأمنية الإماراتية الخاصة، أصبح الخبراء الإسرائيليون المتقاعدون يعملون مع الإمارات كمدربين ومرتزقة
وذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية، في تقرير للكاتب حاييم لفنسون، أن تل أبيب تشجع بشكل رسمي شركة NSO التي يتركز عملها على الاستخبارات الإلكترونية، من أجل بيعها برنامج “بيغاسوس” للدول الخليجية، لكي تتمكن من التجسس على المعارضين لأنظمتها وخصومها السياسيين.
ولفتت الصحيفة إلى أن برنامج “بيغاسوس 3” الذي طورته الشركة، يستطيع اختراق الهواتف النقالة، ونسخ محتوياتها واستخدامها عن بُعد، من أجل التصوير والتسجيل، مشيرة إلى أن طواقم بالشركة تعمل على رصد الثغرات، بعد التعديلات المتسارعة التي تجريها شركات الهواتف الخلوية.
كما كشفت مصادر في إسرائيل عن عمل ضباط استخبارات إسرائيليين في جيش الاحتياط في شركات خاصة، بعضها مرتبط بمخابرات الإمارات العربية المتحدة، ومن غير المستبعد أن يكون كل هذا التجنيد الإماراتي لخبراء السايبر الإسرائيليين، يجري بموافقة الجهات العليا في إسرائيل، بهدف تعزيز التعاون الاستخباراتي مع الإمارات من جهة، ولكي يبقى هؤلاء الخبراء عيناً لإسرائيل لتزويدها بمعلومات تجسسية، حتى لو أعلنوا قطع علاقاتهم معها، على شركة الاستخبارات الإماراتية نفسها.
الخلاصة
تخلق محاولات دمج إسرائيل ضمن منظومة أمن إقليمي شرق أوسطي مجموعة من الإشكالات للأمن العربي، وللعلاقات العربية-العربية وللقضية الفلسطينية في وقت واحد، على الصعيد الأمني والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي والقانوني والثقافي والفكري، فعلى الصعيد الأمني والعسكري، تؤشر التحولات الجارية بشكل واضح إلى أن دولاً عربية أصبحت ترى في إيران والمقاومة، وليس إسرائيل، الخطر الأكبر على أمنها الوطني، ومن ثم باتت مستعدة للتحالف العسكري مع إسرائيل، ما يشكل انقلاباً كاملاً للمعادلات العسكرية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة، خاصة أن إيران ستجد في هذه الخطوة استفزازاً كبيراً لها، ما يفتح المجال لزيادة التوتر بين إيران والدول العربية.
عربي بوست