ترنيمة الحجر ..و.. قصائد الحصى ((الفنانة الأردنية هاجر الطيار))
كوثر الفرجاني
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ اعتدنا على وصف بعض القلوب بالحجر، كدليل على قسوة وغلاظة قلب شخص بعينه، وصار الحجر غير المذنب رمزا للقسوة والشدة والغلاظة، لشدة وصلابة المادة الذى يتكون منها دون اختيار منه.
لكن فنانة، رفضت وصم الحجر بالشدة، والقسوة، وبدأت فى استخدام “الحصى” والحجارة بألوانها وتصميماتها المختلفة لعمل لوحات، تدخل السرور والدفء والبهجة على قلب كل من يشاهدها.
فحجر يتحول لشخص، وحجر آخر بلمسة فنية، يتحول لشجرة، وأحجار تمثل ثنائى محب، وتعابير الأبوة والأمومة، والاحتواء بكل معانيه ، وحصى نفخ فيه الروح لينبض بالحياة ويمثل مشهد فريد من الكون المدهش، في ترنيمة فريدة تعكس اختلاجات فنانة، سكنت نفسها الحالمة بالسكون ، في صخب حياة لا تريد الاستقرار، ومن هذه الاختلاجات او الصخب ، استعادت ثنائية الرمز والشكل ، وأفاضت اشكالها برؤية معاصرة ، ربما هي لعبة فنية تغور في المعنى ، او في الكشف عن دلالات جديدة ..؟.
الإعلامية (هاجر الطيار) فنانة أردنية، استخدمت الحجارة لإيصال فكرتها ورؤيتها، تستخدم الحصى لعمل لوحة فنية مميزة، وتنفخ حياة فى الحجارة الصلبة، لتخرج لنا لوحات فنية مدهشة.
حاولنا واستمعت لبوحها : كوثر الفرجاني
فنانة إنسانة
إبداع وتجربة فى رسم اللوحات بالحصى
الحجارة الصماء، بعثت فيها الحياة بإيادي فنانة، وانطقتها بروح الإنسانة، هي بالأساس صحفية إعلامية شاملة، وبالاساس خبيرة تربية خاصة، واخصائية تخاطب بارعة، لتؤكد أن الإبداع ليس له تخصص، فأناملها تحمل رؤية وأمل، صنعت من الحجارة الملقاة على شاطيء البحر بدون قيمة، لوحة فنية متكاملة تبعث على الدفء، ودليل على أن الفن والإبداع لا حدود له ولا يتوقف على شئ، لا مكان ولا زمان ولتؤكد كذلك أن الأمل يولد من رحم الألم، الذي ينتج عنه كل عمل خلاق.
البحر سر الإلهام
لربما انتقالها من وسط العاصمة طرابلس إلى السكن في قرقارش على البحر كان سر الإلهام، حيث تجتاز الفنانة (هاجر الطيار) موجات البحر في ذروة الشتاء بعد قطعها مسافات سيرا على الأقدام تبدأها من منزلها مرورا بأزقة الأحياء السكنية وطرقات الترابية حتى تصل إلى شاطئ البحر حيث تجمع الحصى الملونة والزحاجية التي صقلها ونحتها موج البحر وقذفتها الأمواج عبر السنين على اليابسة، بعد ذلك، تقوم الفنانة بنقلها إلى منزلها الذي تحول لمشغلا تولد فيه جميع أعمالها الفنية، ومع أن الفنانة امتهنت عدة مهن في مجال الإعلام والتربية الخاصة، إلا أنها غامرت واقتحمت هذا الفن بالفطرة، ففجرت فيه كل مشاعرها، بعد سنوات من الثراء الثقافي المتنوع، والمشاركات ومحاولات من خلال الشعر؛ الذي لم يكن بمستوى يليق بطموحها، ومع ظروف الغربة والحرب تفجرت عندها موهبة جديدة وفريدة من نوعها وهي تشكيل الحصى، لتصب فيه إحساساتها بشغف عاشق، والكثير الكثير من الإلهام في بساطة أعمالها وسرعة وصولها للمتلقي من خلال هذه اللوحات البديعة.
فنانة بالفطرة
في معرضها الأول طرحت الفنانة تجربة فنية متفردة ، فبعد سنوات من العمل الصحفي، والتقديم في المحافل الثقافية ، وإدارة حوارات الثقافة والفنون، هي الآن تكشف عن ذاتها من خلال بعض الثيمات المهملة (الحصى ، والاحجار) لتتحول الى جانب فني له انتباهته الجمالية ، ربما تحيلنا الى قراءة كسر النسق وابراز تمظهرات ما يعرف فنيا بما بعد الحداثة ، ولعلنا شاهدنا ذلك وتمعنا في الثيمات المستخدمة بوصفها ثيمات لها قيمة ، وهذه التقانات اعتمدت على مهارة الفنانة في خلق دقائق فنية بعيدا عن القياسات والقوالب التي تستخدم عادة بضوابط محسوبة وغير قابلة للانحراف ، بالعكس من ذلك تشظيات الاشكال التي خلقت من الطبيعة من الحصى وحجر الجلمود ، مع فراسة الفنانة في اختيارها وتشخيصها ، اعطى لنا اشكالاً غاية في الروعة ، إذ اضيفت لها مكملات لونية وخامات خاصة للرسم على سطوحها ، بالإضافة الى اشتغالها على بعض المجسمات المصنوعة من الحصى، واعدادها اعدادا فنيا دون اي نحت أو تحوير في شكل الحصى، وبدت كأعمال فنية منحوتة.
ولربما هذه اللّوحات للوهلة الأولى نتجت عن قراءة ثقافية عامة من قبل الفنانة ، اسقطتها لحظة تجسيد مخيلتها على سطح اللّوحة ، وهنا يبدأ التأويل التشكيلي ، بمعنى ادق تذهب الفنانة الى ابعاد واسعة ومتشظية الى حيث تريد ، لأن الموضوع خاضع للإضافة بعد ترحيله ثقافيا وجماليا .
وبهذه اللوحات والمجسمات من ثيمات مهملة، بدت الفنانة (هاجر الطيار) وكأنها تحاضر بصريا عن تقانات الفن التشكيلي المرتبطة بالموضوع ذاته ليطرح جدلا واسعاً وكبيراً ، إذ طريقة استخدام الثيمات (بكل عمومياتها والياتها) اعطى قراءة ثانية لما بعد فحوى اللوحة.
ثيمات من حجر
وفي معرضها (قصائد من الحصى)، اثبتت الفنانة (هاجر الطيار)على ما تقوم به الطبيعة بـ(جيولوجيتها)، يمكن ان يصبح له قيمة جمالية او ان تكون هناك توظيفات دقيقة تستنهض الشكل وتقدمه بمنظور قابل للتلقي ، وما يلفت النظر في بعض اعمال الحصى ، شاهدنا مضموناً مكرورا او بديلا عن لوحات الفن التشكيلي المتعارف عليه، فيما تمتعت بعضها بتجسيدات شكلية مجسمة لرأس أو جسد إمرأة او أجساد بشرية مرهقة.
عند سؤالنا لها خلال تواجدها في أحد معارضها بدار الفنون في شارع ميزران بطرابلس، حيث خصصت مساحة واسعة للوحاتها التي جسدت قصائدها بالحجر ، قالت : “أنها تتابع هذا النوع من الفنون منذ عشر سنوات تقريبا، مشيرة إلى حبها وشغفها في البحث عن الفنون الجديدة والحديثة، والغوص في عمق شيء لم تراه عينيها ولم تعرفه ذائقتها بعد، لذلك بين الفينة والأخرى أمضت وقت لا بأس به في التصفح في مواقع الإلهام بحثًا عن شيء جديد يجعلها توغل في البحث عنه وتحظى بتلك المتعة التي دائمًا كانت في بحث عنها، متعة التعرف على شيء جديد، متعة التعلم والتطبيق.
اعربت الفنانة (هاجر الطيار )عن مغامرتها في تجريب الأشكال المهملة وتوظيفها والعمل على قبوليتها ، وهو أمر اخذ وقتاً كبيرا في التنقيب والأعداد المناسب ، بغية الوصول الى هدف أبعد من مجرد الاشتغال في لوحات من خامة مهملة.
تجربتي الأولى
وكشفت الفنانة( هاحر الطيار) عن هذا الشغف قائلة :
“لأن هكذا الجمال أسرني، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أبحث عن حصى مناسب لصنع لوحة بهذا الفن، لم أستطع الانتظار لما وجدته أمامي يتماوج تحت موج البحر، وهذا ما يجذبني في هذه النوعية من الفنون، أنها تعزز فكرة الاستدامة والاستفادة واستقاء الإلهام من كل ما هو حولك، فالحصى يتحول إلى لوحة فنية فريدة على جدارك، أو رسالة إلى العالم عبر فكرة تشكلت في حصيات صغيرة ملونة كانت مهملة، الاهتمام بالموارد بهذه الطريقة والانتباه لكل ماحولنا يصنع الكثير من الجمال والحلول، لذلك قررت أن أبحث عن حصى من حولي، فلربما صنعت شيئًا خلابًا من عناصر لا تستخدم من حولنا، وعندما وجدته على شاطيء قرقارش جهزت العدة للبدء بدون أي فكرة مسبقة معيّنة، فالتجربة أولى الخطوات للإتقان، حينما أخذت أقلب الحصى بألوانه المختلفة وأشكاله خطرت على بالي اشياء كثيرة تشغلني للبدء في تجسيدها على اللوحة التي تحتاج الكثير فنيًّا وذوقيًا للنضوج، استخدمت لوحة لونتها قديمًا وركنتها”.
وتؤكد فنانة وشاعرة قصائد الحصى :
” يبدو بالنظر له سهل صحيح؟ لكنه كغيره من الفنون يحتاج إلى مهارة في تكوين العمل والعناصر، يحتاج إلى فكرة و شعور يخترق المتلقي، ولأنه فنّ فإنه لا شيء يحدك لتصنعه، تحتاج حصى يسهل التعامل معه وسطح مقوى قليلًا حتى تلصق الحصى وبقية العناصر عليه ويحتمل هذا الثقل. النوعية الملساء من الحصى أكثر ما توجد على الشواطئ لأن الماء حسب علمي يقوم بنحتها وصقلها، فتصبح مسطحة بالطريقة التي يمكن صنع منها أجسام مشابهة للواقع بعد تركيبها مع حصيّ أخرى لكن بإمكانكم البجث عنها حولكم، فالخصى جزئية مهمة من جزيئات الحياة، أي عنصر من حولك تجد أنه سيضيف لفكرتك وعملك، وأخيرًا مخيلتك” .
أول قصيدة حجر
وقد بدأت بتشكيل أول لوحة لأطفال يستقبلون ابيهم وهو يحمل بين يديه أغراض، يحتضنهم ويحتويهم بعد نهار مضني وراء لقمة العيش، والتي جسدت فيها فكرة راسخة في أعماقها بسبب تعلقها الشديد بوالدها رحمه الله، وإحساسها الذي لا يفارقها باليتم رغم أنها أم لخمسة أولاد شباب، فاعطت للوحة من إحساسها أكثر مما طعمتها بالحثى واللون، وتطورت مشاهد اللوحات لمشهد المواطنين المدنيين الذين كانوا يهربون من مناطق الاشتباكات، وتكرر مشهد النزوح في اكثر من لوحة، فمشهد الناس يخرجون حاملين أطفالهم وأغراضهم ألهمها تلك اللوحة.
وتختزل الفنانة (هاجر الطيار)تجربتها في صياغة الحجر في ستة مراحل قائلة :
– المرحلة الأولى من الزجاج الملون الذي صقله البحر والقاه على الشاطئ كنت اشكله على أرضية غرفتي اصوره وادرجه على الفيسبوك، المرحلة الثانية حصرت المساحة بقاع سفرة الشاي واضفت الحصى الملون، فهاتين مرحلتين لم يتم الصاق اللوحات بل كنت أشكل لوحات عده بنفس الحصى اصورها وادرجها ع الفيس ثم استخدمها مرة أخرى بتشكيل اخر، المرحلة الثالثة البحث عن الية تثبيت ولوح يتحمل واستخدمت الفوم الاسود والللاصق ذا الوجهين ولكن لم يكن عملي سهلا وكانت العملية متعبه وشاقه جدا، المرحلة الرابعة كانت استخدام الكنفا التي يستخدمها الفنانين في رسم لوحاتهم اخترت حجم ٣٠ في 40، المرحلة الخامسة صرت أشكل مجسمات، المرحلة السادسة صرت اشتغل على التفاصيل والتشطيب وتكبير مساحة العمل.
وبينت الفنانة (هاجر الطيار ) أنها بدأت فيما بعد بتشكيل الأعمال الفنية من الحجارة “البشر، الزهور، والحيوانات، ومعاناة الفقراء والشهداء والهجرة….” لكون أعمالها تتكلم عن الإنسان، مشيرة إلى أن أفكار أعمالها مستمدة من مشهديات الحياة اليومية، وهو ما بشر مسبقا وقبل معرضها الأول إلى ان لوحاتها لامست ضمائر مشاهديها ونالت إعجابهم وحصل تفاعل قوي بينهم وبين اللوحات، التي اختلفت مسمياتها من قبل زوار معرضها الأول.
وقالت الفنانة ( هاجر الطيار ) في ختام حديثها :
“يمكن أن يفهم الفنان معنى أن للحجر روح، فعليه نقشت الحضارات القديمة وكذلك الأبجديات ونحتت منه جميع الأشكال، ومن هنا يبدأ العزف على ترنيمة الحصى حين يلين قلب الحجر ويصرخ بصمت تأكد بأن قسوة البشر فاقت كل أشكال القسوة، قصائد من حصى هي مشاعر عجزت عن نظمها ال 28حرفا فطاوعها الحجر وصاغها ب 60 قصيدة في (معرض قصائد من حصى ) لفن التشكيل بالحجر”.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_