روبرت أوبنهايمر.. أبو القنبلة النووية الذي مات كمدًا بعدما رأى ما قدمت يداه!

إيهاب نجدت

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ استطاع المخرج البريطاني كريستوفر نولان أن يشق طريقه ويكسب ثقة الكثير من المشاهدين العرب؛ رغم التعقيد الذي تتضمنه بعض أفلامه، خاصة التي يناقش فيها بعض النظريات الفيزيائية الثورية أو الفلسفية المعقدة، حتى إن أفلامه تندرج تحت بند الخيال العلمي.

في المقابل؛ اختار نولان في فيلم «Dunkirk» الذي عرض عام 2017، أن ينزل إلى أرض الواقع ويجسد معركة حربية شهيرة في تاريخ البشرية، ويبدو أن الأمر استهواه، فسيعود مرة أخرى في عام 2023 بفيلم واقعي، تدور قصته حول السيرة الذاتية لعالم فيزيائي أمريكي، استطاعت اختراعاته أن تغير العالم أو تحطمه! في هذا التقرير نقدم لكم السيرة الذاتية لحياة الفيزيائي روبرت أوبنهايمر؛ «أبو القنبلة النووية».

روبرت أوبنهايمر: «أنا الموت»

في لقاء إعلامي معه قبل وفاته، قال الفيزيائي روبرت أوبنهايمر من بين دموعه: «الآن اصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم – Now, I am become Death, the destroyer of worlds»، وذلك بسبب اختراعه القنبلة النووية، بعد أن شاهد آثارها وما فعلته في العالم.

روبرت أوبنهايمر؛ فيزيائي أمريكي ومدرس الفيزياء النظرية بجامعة كاليفورنيا، والمدير العلمي لـ«مشروع مانهاتن» لتصنيع السلاح النووي الأول في الحرب العالمية الثانية ويعرف أوبنهايمر بـ«والد القنبلة النووية».

وبسبب تلك الآراء المثيرة للجدل، وبسبب حيرته بين التطور العلمي وأخلاقيات استخدام تلك الاختراعات؛ يعد أوبنهايمر قصة تستحق السرد في فيلم سينمائي، وقد قُدمت العديد من الأعمال السينمائية السابقة التي حاولت إلقاء الضوء على حياته، وها هو نولان ينضم لتلك القائمة بفيلم «Oppenheimer» المفترض عرضه في منتصف العام القادم 2023.

يعد اشتراك أوبنهايمر في مشروع مانهاتن والإشراف على جزء من أبحاثه؛ هو نقطة التحول الجذرية في حياته بوصفه عالمًا وفيزيائيًّا؛ فما هو «مشروع مانهاتن»؟

«مشروع مانهاتن» هو الاسم الرمزي للأبحاث التي قامت بها أمريكا بغرض تطوير سلاح نووي في أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد تأسس هذا المشروع بهدف تسخيره لصناعة القنابل الذرية، وشارك –بجانب أوبنهايمر- في هذا المشروع مجموعة من العلماء البارزين من أنحاء العالم بالتعاون مع الجيش الأمريكي.

كانت منطقة لوس ألاموس التي تقع في ولاية نيو مكسيكو؛ هي التي شهدت معظم أعمال «مشروع مانهاتن» وتجاربه، وقد أطلقت أولى تجاربه في عام 1942. وقد بدأت أمريكا في هذا المشروع، خوفًا من أن تسبقها إليه ألمانيا وتنجح في تطوير سلاح قائم على التكنولوجيا النووية يساعدها على الانتصار في الحرب.

وخلال «مشروع مانهاتن»، كان أوبنهايمر مديرًا لمختبر لوس ألاموس ومسؤولًا عن الأبحاث الخاصة بتصميم القنبلة النووية وتنفيذها على أرض الواقع، وعادة ما يطلق عليه الإعلام الأمريكي اسم «أبو القنبلة النووية.

«الفعل قبل العقيدة».. من هو روبرت أوبنهايمر؟

ولد جوليوس روبرت أوبنهايمر من أصول ألمانية بمدينة نيويورك في 22 أبريل (نيسان) عام 1904. كانت والدته فنانة تشكيلية، ووالده مستورد منسوجات ثري؛ كوَّن ثروته بعد عمله في هذا المجال عند وصوله من ألمانيا إلى نيويورك. كان والدا أوبنهايمر من اليهود الأشكيناز غير المتدينين. شقيق روبرت الأصغر؛ فرانك؛ اختار الفيزياء تخصصًا له أيضًا، وكان شريكًا لروبرت في «مشروع مانهاتن»، وقد توفي بسبب سرطان الرئة مثل شقيقه روبرت.

في عام 1911 التحق أوبنهايمر بمدرسة جمعية الثقافة الأخلاقية، والتي كانت تهدف إلى الترويج لشكل من أشكال التدريب الأخلاقي القائم على الثقافة الأخلاقية؛ رافعة شعار –الجمعية- «الفعل قبل العقيدة»، ولأن والده كان عضوًا لسنوات طويلة في هذه الجمعية وخدم مجلس أمنائها من عام 1907 إلى عام 1915؛ فقد كانت تلك الجمعية وشعارها وتعالميها جزءًا لا يتجزأ من طفولة أوبنهايمر ونشأته.

خلال دراسته السابقة للجامعة؛ اهتم أوبنهايمر بالعديد من التخصصات مثل الأدب الإنجليزي والفرنسي، لكن اهتمامه استقر في النهاية على الفيزياء والكيمياء؛ التحق بجامعة هارفارد بعد تخرجه من التعليم الثانوي بعام واحد؛ حيث درس الفيزياء التجريبية من خلال دورة في الديناميكا الحرارية التي درَّسها في ذاك الوقت العالم الأمريكي بيرسي بريدجمان الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وتخرج أوبنهايمر بامتياز مع مرتبة الشرف في ثلاث سنوات فقط.

بعد طريق طويل من التعلم في أمريكا وأوربا؛ أصبح أوبنهايمر واحدًا من الأسماء المهمة في عالم الفيزياء، وقد أجرى أبحاثًا مهمة في مجالات عدة منها علم الفلك النظري، والتحليل الطيفي، والديناميكا الكهربية الكمية كما جذبت الرياضات انتباهه أيضًا، لكن الفيزياء النووية كانت الفائزة في تاريخ اسم هذا العالم.

وجود أوبنهايمر في أوربا في ذلك الوقت من حياته كان مهمًّا للغاية، فقد كان وجوده هناك خلال فترة محورية ومؤثرة من علم الفيزياء، إذ كان الفيزيائيون الأوروبيون في خضم تطوير النظرية الرائدة لميكانيكا الكم. وهناك حصل أوبنهايمر على درجة الدكتوراه عام 1927 في أثناء تطويره ما يُعرف باسم «منهجية بورن أوبنهايمر»، والتي تعد مساهمةً مهمةً في نظرية الجزيئية الكمومية.

وبالنسبة لرجل ساهمت علومه -ولا تزال- في حسم العديد من الأمور السياسية؛ فقد كان خلال العشرينيات من القرن الماضي غير مطلع بالمرة على الأمور السياسية، وادَّعى أكثر من مرة أنه لم يكن يقرأ الصحف ولا يستمع إلى الراديو وأنه لم يعلم بالحدث الاقتصادي المهم المتمثل في انهيار «بورصة وول ستريت» في عام 1929 إلا بالصدفة أثناء سيره مع أحد أصدقائه في الطرقات، بعد ستة أشهر من وقوع الحادث، لكن سرعان ما تغير موقفه تجاه السياسة بداية من عام 1934، وأصبح مهتمًّا بالشئون السياسية والدولية.

بعد اهتمامه الملحوظ بالسياسة، وصل هو وألبرت أينشتاين وبعض من علماء الفيزياء المهمين في ذاك الوقت، إلى أن النازيين لديهم القدرة على تطوير سلاح نووي، وبعد غزو النازيين لبولندا في عام 1939؛ وقع اختيار الجيش الأمريكي على أوبنهايمر ليدير محتبر لتنفيذ «مشروع مانهاتن».

كانت ميزانية المشروع الذي ضم مجموعة من العلماء الفارين من الفاشية في أوروبا؛ ما يقرب من 6 آلاف دولار في البداية، لكن سرعان ما نمت تلك الميزانية حتى وصلت إلى ملياري دولار. كانت المهمة الأولى للمشروع هي استكشاف عملية الانشطار الموثقة حديثًا لعنصر «اليورانيوم 235»، إذ كانوا يأملون في صنع قنبلةٍ نووية قبل أن يتمكن أدولف هتلر من تطويرها. وفي عام 1945 ، اختبرت القنبلة لأول مرة بنجاح، وعليه أسقطت أمريكا قنبلتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما؛ ما أدى إلى إنهاء الحرب العالمية الثانية.

ما شاهده أوبنهايمر من نتائج القدرة التدميرية للقنبلة التي ساهم في خروجها للحياة كان صادمًا بالنسبة له للدرجة التي دفعته للاستقالة من منصبه ورفض العمل على تطوير القنبلة النووية.

في كتابه «Timebends: A Life»؛ تطرق الكاتب  الأمريكيآرثر ميلر إلى بعض التفاصيل التي وقعت في أثناء اللقاء الذي أجراه مع أوبنهايمر، ووضح ميلر في مذكراته الموجودة بهذا الكتاب، أن روبرت أوبنهايمر – من وجهة نظره- كان يشعر باليأس والحزن الشديد، وعلى الرغم من مرضه بسرطان الرئة، فإن مرضه لم يكن سبب حزنه، بل كانت اللحظة التي رأي فيها بعينيه ما يمكن أن يسببه اختراعه من دمار، بعد أن أسقطت أمريكا قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، ولذلك ظل أوبنهايمر يؤكد مسئوليته عن هذا الدمار الذي حل على المدينتين، هذا الصراع النفسي الذي ربما نراه مُجسدًا للمرة الأولى على شاشات السينما؛ بعيون المخرج البريطاني كريستوفر نولان عام 2023.

ساسا بوست

Previous post إنهاء استعمار الهوية الإسرائيلية/ -النكبة- في العقلية الإسرائيلية
man standing next to the flag of israel Next post رفع السرية عن أرشيف “نشأة الدولة” في اسرائيل