حلمُ الأمير محمد بن سلمان العملاقُ-مشروع مدينة نيوم “ذا لاين” في السعودية

غيرهارد ماتسيغ

ترجمة: رائد الباش

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ أهذا هو شكل المدن المستقبلية؟ بدأ بناء مدينة “نيوم” البيئية بشمال السعودية والمصممة على شكل خط مستقيم يتسع لتسعة ملايين نسمة. فهل هذا مجرد حلم؟ يتساءل الصحفي الألماني غيرهارد ماتسيغ في وجهة نظره.

يعتبر ماهافير بهاكتا في المنتديات المختصة أحد المشكِّكين في هذه المدينة الفائقة ذات التطوُّر الحضري المثالي المتخَيَّل، والتي يتم وصفها بأنَّها سخيفة ومجنونة من ناحية (بحسب المشكِّكين سيِّئي المزاج)، ولكن أيضًا بأنَّها رائعة ومستقبلية (بحسب المشجِّعين المتحمسين). تشهد حاليًا في مشروع “ذا لاين” (الخط) المدينةُ المثالية المتخَيَّلة تحديثًا مفعمًا بالنشوة، لكنه من المحتمل أن يكون مجرَّد تحديث يُوَسِّع الإدراك؛ مثلًا في وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف منصات التصميم، حيث تسود حاليًا حالة إنذار. يقول ماهافير بهاكتا بلهجة متذمِّرة قليلًا، ولكن كذلك بمسافة ساخرة منعشة: “بصفتي خبيرًا في ’سيم سيتي‘ فأنا أتوقَّع حدوث مشكلات في الحماية من الحرائق”، ويبتسم أيضًا.

ومن أجل التذكير : السيم سيتي هي لعبة كمبيوتر قديمة يقوم فيها اللاعبون ببناء مدينة بحسب “مبدأ بيبي الشقية” (Pippi Longstocking) [أي أن يصنع المرء عالمه الخاص بطريقته الخاصة]. وبعيدًا عن أية معارضات واقعية – بطريقة مرحة وحالمة – “بالطريقة التي تعجبه ويفضِّلها”.

ولكن هنا في الحالة فإن بيبي الشقية هي: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، الذي يُختصر اسمه في اللغة الألمانية بـ”إم بي سي” (MBS)، مع العلم بأنَّ هذا الاختصار يعني في الألمانية أيضًا صندوق توفير وسط براندنبورغ. ولكن على الأرجح أنَّ هذا هو التشابه الوحيد بينهما، فمحمد بن سلمان يرتبط بجبال من المال وإرادة سلطوية مبالغ فيها وبتبرُّعات خيالية وبهذيان أحلام معدلات الربح، وكأنَّه تحت تأثير المخدرات.

وبصفته ولي عهد المملكة العربية السعودية والمخطط الرئيسي للمدينة الذكية السعودية “نيوم” على شمال البحر الأحمر، والتي يمثِّل الخط “ذا لاين” محورها الأساسي، فإنَّ محمد بن سلمان – الذي يجب بحسب رأي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التعامل معه بشكل صحيح ليس فقط كصاحب السمو الملكي، ولكن أيضًا كمشتبه في ضلوعه في التكليف بجرائم قتل – فقد قدَّم للتو إلى جمهور عالمي لا يزال مذهولًا المراحل التالية من مخطط مدينته. لا يزال الجمهور العالمي مندهشًا لأنَّ هذا البناء تم تصنيفه كمدينة مثالية مستقبلية منذ عام 2017.

ولأنَّ المكوِّن الأساسي لهذا المشروع هو “ذا لاين” أو “الخط” (خط عملاق من مادة الكوك)، ربَّما يبدو وكأنَّ الله الرحمن الرحيم ترك مسطرته في الصحراء بين مدينة تبوك والبحر الأحمر، ومن الواضح أنَّه بات يتحقَّق الآن كبناء بطول مائة وسبعين كيلومترًا وبعرض مائتي متر وبارتفاع خمسمائة متر، وتم تصميمه ليتَّسع لنحو تسعة ملايين نسمة.

إنَّ ما تم الإعلان عنه العام الماضي – في ذلك الوقت كان لا يزال كسلسلة من مراكز مكانية مختلفة (على غرار فكرة المدينة الخطِّية في تاريخ التخطيط العمراني)، ويظهر اليوم باعتباره البناء العملاق الوحيد والفريد من نوعه حتى في عالم الجنون – هو حلم محموم من حاكم سلطوي بمدينة صديقة للبيئة خالية من السيَّارات، تغذيها مصادر طاقات متجدِّدة في الشرق المستقبلي بعد البترول. وقد تم مؤخرًا تحديد المخططات الخاصة بذلك.

فماذا يمكننا أن نقول؟ صحيح أنَّ هذا المشروع أصبح من ناحية أكثر واقعية، ولكنه أصبح من ناحية أخرى أكثر جنونًا. ولكنه مع ذلك نوع من الجنون مثير للاهتمام. وضمن هذا السياق، يمكن طرح السؤال: إن كانت المدينة كما نعرفها تواجه نهايتها المتوقعة باعتبارها القاتل الأوَّل للمناخ؟ وهذا صحيح في حال عدم استطاعتها إعادة تأهيل نفسها.

يرى المشجِّعون المتحمسون على الإنترنت أنَّ التقليد قد وصل الآن إلى نهايته. ويمكن تلخيص حماسهم واختصاره في مثل هذه التعليقات: “هذا رائع”، “مذهل”، “سر من أجل ذلك يا محمد بن سلمان!”، “واو”، “عظيم”، “هذا هو المستقبل”. هل هذا هو المستقبل؟ وهل نيوم و”ذا لاين” (الخط) في داخلها يرمزان إلى مستقبل التخطيط العمراني في عصر المشاركة ما بعد الديمقراطية والمرهقة جدًا والمستهلكة لوقت طويل في تغيُّر المناخ؟

مدينة بمساحة بلجيكا

و”نيوم” هي كلمة مركَّبة مصطنعة من قِبَل خبراء تسويق التخطيط العمراني وتتكوَّن من جزأين: “نيو neo” وحرف الـ”ميم m”. وجزؤها الأوَّل مستعار من اليونانية القديمة ويشير إلى الجديد، بينما يشير جزؤها الآخر إلى اللغة العربية ويعني المستقبل. وبالتالي فإنَّ هذه المدينة المخطط إنشاؤها مع حديقة تكنولوجية ومطار في شمال غرب المملكة وبالقرب من خليج العقبة على مساحة تساوي مساحة بلجيكا، ملتزمة أكثر وأكثر بالمستقبل الجديد، وحتى المستقبل الأحدث. ولكنها مع ذلك تذكِّرنا كثيرًا بما آلت إليه المدن العملاقة المخطط لها بالماضي.

من المتوقع أن يكلف هذا المشروع مئات المليارات وربَّما حتى التريليونات – ومع ذلك لا يهم إن كان هذا الرقم بالدولار أو اليورو أو الريال السعودي. ومن خلال هذه الاستثمارات، التي لا يمكن تحديد حجمها بشكل جاد حاليًا، تسعى العائلة السعودية المالكة إلى جعل هذه المنطقة الاقتصادية الخاصة بها تذكرة سفر من الدرجة الأولى تنقلها إلى مستقبل العالم المتحضِّر. فالمنطق يقول إنَّ المستقبل الجديد مستقبل أخضر أو ​​على الأقل ملوَّن باللون الأخضر.

من المفترض أنَّ احتياجات الطاقة في مدينة نيوم ستتم تلبيتها حصريًا بواسطة طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وهذا سيجعل مدينة نيوم، مثلما أعلن مؤخرًا ولي العهد السعودي ثورة في “التنمية الحضرية من خلال تطوير مجتمعات يكون الإنسان محورها الرئيسي”. أخيرًا – فقد قال محمد بن سلمان في العام الماضي إنَّ المدن التقليدية (بعد الثورة الصناعية) منحت الآلات والسيَّارات والمصانع الأولوية بدلًا من جعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة. وقد نشأت عن ذلك – وهنا صاحب السمو الملكي مُحِق تمامًا – صحاري حجرية مُدمِّرة للبيئة وكذلك معادية للحياة. ولكن في مدينة نيوم كلّ شيء سيكون مختلفًا.

كما أن أثر البنية التحتية (تخت الأرض) سيقتصر على الحدّ الأدنى المطلق ولن يكون في المدينة وسائل نقل فردية ذات محرِّكات على الإطلاق، بل سيسافر تحت الأرض قطار فائق السرعة بين طرفي المدينة – في رحلة من المفترض أنَّها تستغرق عشرين دقيقة فقط.

ولكن لا حاجة في الواقع إلى وجود نظام نقل على الإطلاق، وذلك لأنَّ المساحات الخضراء والأماكن الثقافية والمؤسَّسات التعليمية والأماكن الترفيهية والمرافق الرياضية وأماكن العمل – جميعها ستكون قريبة بالنسبة لكلِّ سكَّان مدينة نيوم “ذا لاين” (الخط) ويمكن الوصول إليها سيرًا على الأقدام “خلال خمس دقائق”. وهذا يشبه تقريبًا ما كانت عليه الحال في مدينة صغيرة من القرون الوسطى. تقريبًا. ولكن مع ذلك فإنَّ المستقبل واضح، فلماذا الخدمات “مؤتمتة بنسبة مائة في المائة”، وبعبارة أخرى يتم تنفيذها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

تحت سقف واحد يمكن تصور ذا لاين كناطحة سحاب ارتفاعها مائة وسبعون كيلومترًا ولعلها تعبت بسبب طموحاتها الخاصة وقد اضطجعت لتأخذ قسطًا من النوم. يواجه محمد بن سلمان بحسب قوله “التحدِّيات الملحّة، التي تواجه البشرية في الحياة الحضرية”.

ازدهار أحلام التنمية الحضرية – أيضًا بسبب بوتين

وهذا بهدف “تسليط الضوء على طرق الحياة البديلة”. وكلُّ ذلك تم التخطيط له من مصدر واحد، ومن المقرَّر أن يصبح عن قريب حقيقة. وبإمكاننا التوقُّف عن القلق. تنتشر منذ سنين جميع أنواع الأفكار الخاصة بالمدن البيئية الفائقة. وعلى الرغم من عدم إمكانية تنفيذ مثل هذه الأفكار بمثل هذه السهولة (وبمثل هذه اللإنسانية) مثلما هي الحال في الأنظمة الاستبدادية: فهي لا تزال مجرَّد أفكار. عندما يعيش المرء لفترة طويلة حياة جيِّدة من الماضي، مثلًا من مصادر الطاقة مثل النفط، سيتعلَّق بالمستقبل مثلما يتعلَّق بسترة النجاة.

وبناء على ذلك فلا عجب من أنَّ الخطط الحالية بات يتم تمريرها الآن بمثل هذا الحماس: بوتين يغلق صنبور الغاز وكأنَّه يغلق ملزمة محاصرًا فيها سكَّان العصر الأحفوري. وكلما يزيد الإغلاق، يزداد ارتفاع صوت الدعوة إلى طرق الحياة البديلة والمدن المكتفية ذاتيًا.

ولكن مع ذلك فقد كان بالإمكان منذ فترة طويلة هنا في ألمانيا وفي أماكن أخرى إعادة تشييد المدن بشكل يناسب تغيُّر المناخ. المدن قاتلة حقيقية للمناخ. وربَّما يكون هذا هو الدرس الحقيقي، الذي يجب تعلمه من المستقبل المثير للإعجاب والحالم وقبل كلِّ شيء الإيحائي، الذي يتم تصميمه في الرمال بعيدًا عن مدننا المرهقة: إذا لم نواجه نحن المستقبل، فسيقوم الآخرون بذلك.

الحكام المستبدون الراغبون بالقيام بذلك لأنَّهم يرون فيه نموذج عمل تجاري جديد (وبالطبع لأنَّهم يرون فيه أكثر إنقاذ العالم بكرمهم ورحمتهم)، يقفون جاهزين منذ فترة طويلة. ما من شكّ في أنَّ المستقبل ليس بناءً يبلغ طوله مائة وسبعين كيلومترًا وعرضه مائتي متر وارتفاعه خمسمائة متر، يرتقع من العدم، إن لم يكن يمتد، ومن المفترض أن يتكوَّن من الخرسانة المسلحة وليس من الطين والقش.

ولكن هذه مدينة خيالية مثالية جميلة. والأكثر مثاليةً سيكون إذا توقفنا عن إضفاء الطابع المثالي على اختراع المدينة، الذي يعود إلى آلاف السنين، وبدأنا أخيرًا في تعديل بنائها بطريقة إنسانية وصديقة للبيئة. بشكل واقعي تمامًا.

قنطرة

Previous post استهداف أعمى للمسلمين بعد 11 سبتمبر
Next post حاخام فرنسا الكبير إلى الجزائر مع ماكرون