انكماشات أوروبية ومصالح أمريكية ومخاطر روسية.. قراءة في إيقاف “نورد ستريم” لأجل غير مسمى
ألطاف موتي
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ لن تضخ روسيا الغاز الطبيعي إلى الشرايين الأوروبية عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، مما سيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة التي تهدد القارة الأوروبية هذا الشتاء.
ففي الثاني من سبتمبر/أيلول، قالت شركة الطاقة الروسية العملاقة “غازبروم” إنها لن تستأنف التدفقات عبر خط الأنابيب في الثالث من سبتمبر كما كان مخططاً له، لأنها اكتشفت تسرباً للنفط في محطة “بورتوفايا”، وتم إغلاق خط الأنابيب منذ الأسبوع الماضي للصيانة، ولم تذكر الشركة جدولاً زمنياً بموعد استئناف الصادرات.
أتت أنباء الإغلاق الممتد لأجل غير مسمى في نفس اليوم الذي وافقت فيه أكبر 7 اقتصادات بالغرب على مقترح فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي في محاولة للحد من قدرة موسكو على تمويل حربها، مع محاولة السيطرة على موجة التضخم العالمية. وقد يؤدي ذلك إلى قيام مجموعة السبع بإيقاف غطاء التأمين أو تمويل شحنات النفط. وكانت روسيا قد هددت بالفعل بالانتقام من خلال حظر صادرات النفط إلى الدول التي تطبق سقفاً للسعر.
محورية “نورد ستريم 1”
خط أنابيب “نورد ستريم 1” محوري في الصراع الاقتصادي المستمر بين روسيا والغرب، حيث يمثل الغاز الطبيعي الروسي حوالي 25% من استهلاك الطاقة في أوروبا، وقبل الغزو، كانت روسيا تزود ألمانيا بـ40% من احتياجاتها، وذلك أساساً عن طريق خط أنابيب “نورد ستريم 1” الذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا والقادر على توصيل 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي سنوياً.
وتم الانتهاء من خط أنابيب “نورد ستريم 2” في أواخر العام الماضي لكن الغرب منع موافقته التنظيمية كجزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا رداً على هجوم بوتين على أوكرانيا. ورغم المحاولات الأوروبية لتوفير بدائل مستدامة، لا يزال نفوذ روسيا كبيراً في أسواق الطاقة الأوروبية.
حذر فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، صراحة في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز في يونيو/حزيران، دعا فيها الدول الأوروبية إلى الحد من تعرضها للإمدادات الروسية في أسرع وقت ممكن، وأن تكون مستعدة لمتابعة وسائل أخرى للحفاظ على الأضواء، من إبقاء محطات الطاقة النووية مفتوحة لتسريع الدفع نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وأبلغت شركات الطاقة في ألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبلغاريا عن تلقيها كميات أقل من الغاز مما كانت تتوقعه من روسيا هذا العام، وقالت شركة “جي آر تي غاز” الفرنسية إنها لم تتلق أي شيء من “نورد ستريم 1” منذ مايو/أيار الماضي بينما حصلت إيني الإيطالية على نصف احتياجاتها فقط.
وإذا فعل بوتين ما لا يمكن تصوره ونفذ إغلاقاً كاملاً، فإن تكاليف الطاقة المنزلية الأوروبية سترتفع بنحو 65%، وفقاً لتحليل أجرته جولدمان ساكس.
وتزداد المخاوف الرسمية الأوروبية من أن صناعات مثل الأسمنت والكيماويات في ألمانيا وإيطاليا سيتعين عليهما خفض استخدام الغاز بنسبة تصل إلى 80%، ما يعني انكماش الناتج المحلي الإجمالي لهاتين الدولتين بنسبة 3 % و4 % على التوالي.
اضطرابات روسية داخلية
لأن روسيا، من وجهة نظر أوروبية، لم تعد مورداً مرغوباً فيه أو يمكن الاعتماد عليه في عهد بوتين، ستضطر الدول الأوروبية إلى الحصول على الغاز من مورد آخر، إما عن طريق شحن الغاز الطبيعي المسال من أمريكا ذي الكلفة العالية أو توصيل خطوط غاز مباشرة من منتجين آخرين مثل النرويج وأذربيجان.
القيام بتلك الخطوة يعني الاستحواذ على الموارد المتوجهة صوب الأسواق الآسيوية، مما يزيد المخاطر ويحتمل أن يخرج بلداً أقل ثراءً مثل باكستان من اللعبة، مما يترك أمامها خياراً ضئيلاً سوى العودة إلى الوقود الأحفوري المحدود مثل الفحم لتوليد الطاقة. وهذا من شأنه أن يمثل انتكاسة أخرى لطموحات المناخ العالمي عندما ينفد الوقت بسرعة لمعالجة تلك الحالة الطارئة، كما توضح الحرارة الشديدة هذا الصيف مرة أخرى.
وإن إيجاد بدائل، سواء كان ذلك التمحور حول مصادر الطاقة المتجددة، أو إعادة فتح محطات الطاقة القديمة الملوثة للبيئة أو بناء محطات جديدة، يستغرق وقتاً ليس بالقصير، وهو ما لا تملكه أوروبا ببساطة.
أما بالنسبة للمملكة المتحدة على وجه التحديد، فهي أقل اعتماداً على روسيا في إمداداتها من الغاز من العديد من جيرانها الأوروبيين، وخاصة ألمانيا. ومع ذلك، لن تكون بريطانيا محمية من ارتفاع الأسعار الناجم عن النقص في أماكن أخرى.
مع ذلك، ستردد روسيا قبل قطع الغاز نهائياً عن أوروبا، لأن تلك في ذلك مخاطرة قد تكبد المزيد من الضرر لاقتصادها الذي يعاني بالفعل تحت وقع العقوبات الغربية، والتي يمكن أن تخلق مشاكل سياسية داخلية لبوتين وتؤجج اضطرابات شعبية.
عربي بوست