نقش على الشاطئ 

للكاتبة الأردنية:هاجر الطيار 

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ كعادتي كلما  جادت  علي الايام بشيء من الوقت  اصطحب طفلي مصطفى  وأقوم بزيارة خاطفة  لجاري _ البحر_  استميحه عذرا  أن انتقي شيء مما يجوده على الشاطئ من حصى   اجمعها  على أمل أن أشكل منها  مشاهد  من  حياتي أو حياة من حولي   … 

وفي خضم ترددي المستمر على جارنا الكريم  كان   لصباحي اليوم  نكهته الخاصة  … إذ لمحت  ليس ببعيد   لأول مرة طفل لم يتجاوز السابعة  من عمره  كان يلهو  على صخرة   وقد صنع لنفسه قصبة بطول ما يقارب المتر صنارة صيد على طريقته   الخاصة  يلقي بها في قلب البحر آملا أن يحنو عليه   ولو  بسمكة  صغيرة .. 

بدأت أجوب الشاطئ المتواري عن أنظار المارة … الملم   حصياتي  المترامية هنا وهناك في سطل  صغير وكلما امتلئ أفرغته   على لوح  قذف به  البحر ليستقر  على  الرمل … 

بخطى خجله …بدأ الطفل يقترب مني   فإذا ما انتبهت  فر  بعيدا  كقط صغير اعتاد ان  لا يثق ببني البشر  … 

صرت أحاول  الاقتراب  منه  بحذر و كلما اقتربت فر مسرعا كما لو كان    عصفور صغير  أخافته فزاعه …

ولكن فضوله كان يعيده  إلى  وقد خفت حدة نفوره من الاقتراب  عساه يعرف ما الذي أقوم به…  صافحته بابتسامه  عربونا لهذا الاقتراب ومقدمة لحوار  كنت مستعدة له مسبقا  

فسألته بصوت خفيض  .. شن اسماك ؟ 

رد  وعيونه تلمع  ما بين استهجان  وجسارة:  اسمي عبد الكريم …

تقرا يا عبد الكريم ؟ 

إي نقرا  يا أبله أنا بالصف السادس .

مدرستك قريبه ؟ 

إي هني يا أبله قريبه . 

لكن ظل   سؤال عبد الكريم  المعلق  بين عينه دون ان يصل للسانه  والذي طالما  قرأته  في عيون  المارة من  أبناء الحي  كلما مر احدهم بي وأنا  أحمل سطلي  بيد  ويدي الأخرى  تعانق  كف طفلي مصطفى   متجهين للبحر  الذي لا  يبعد عن بيتينا  مسير  خطوات معدودة   ثم لا ألبث أن أعود به محملا بغلال البحر الثمينة من الحجارة   الفاتنه حجما ولونا وشكلا .. 

ولسان حالهم  يقول …   من أين ظهرت هذه السيدة و  ما الذي  تفعل بكل هذه الحصى  ؟ 

ما إن تجاسر  عبد الكريم قليلا و عين تومئ للحصى الا ولسانه  ينطق بها أخيراً  شن  اتديري  بيه يا أبله ؟ 

شني ؟ 

هذا إلى بيدك ؟ 

أي تقصد الحصى … أي يا أبله 

نرسم  بيه يا عبد الكريم …   ! 

نظر إلي  بعينيين مستفهمتان   وفم نصف مفتوح وهوغير مدرك لفكرة .. كيف يمكن أن نرسم بالحصى ؟ 

  أمسكت  عبد الكريم من يده  وأجلسته قربي على صخرة  ونقشت له من الحصى على الرمال   لوحة لرجل يعانق طفله  نظر إليها بإعجاب  ثم فر هارابا  وكأنه وجد ضالته  … 

أما أنا فقد  عدت لما كنت عليه ابحث عن أحجاري الثمينة  ظنا مني  أن الامر لن يأخذ من عبد الكريم أكثر من فضوله للمعرفه. 

  وفي غمرة انغماسي بعالمي  حيث  يتلاشا كل ما في  هذا الدنيا الا انا والبحر والحصى والنوارس  والسماء ومصطفى رفيقي..  حدثت  مني التفاته  على الشاطئ الممتد حولي فإذا بعبد الكريم  يحاول أن يجمع عددا كبيرا  من الحصى تشبه تلك الأشكال التي اجمعها أنا … 

اقتربت منه  فإذا به يطبق أول  درس  تعلمه مني  على الشاطئ وبعد أن أتقنه انحنى وحمله  مسرعا إلى والده يبشره بأنها تلقى أول درس له في النقش  على الشاطئ 

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Previous post ” شيء بريء” 
Next post بسملةٌ لتصوّفٍ أبعد