إيطاليا وحكم اليمين المتطرف
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ قبل أقل من عشرة أيام من إجراء الانتخابات التشريعية في إيطاليا، تبدو جورجيا ميلوني زعيمة حزب “فراتلي ديتاليا” اليميني المتطرف ذي الجذور الفاشية، في طريق يسيرة لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ البلاد. وتواصل ميلوني حملتها الانتخابية في عدة مناطق بالبلاد وأجرت اجتماعا انتخابيا مؤخرا في ميلانو، معقل حليفها السابق وخصمها الحالي ماتيو سالفيني في محاولة لتأكيد تزعمها لليمين الإيطالي قبيل الموعد الانتخابي.
نجحت جورجيا ميلوني زعيمة حزب “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا)، الحركة اليمينية المتطرفة التي تأسست في 2012، في فرض نفسها في غضون بضعة أعوام كأبرز شخصية معارضة في المشهد السياسي الإيطالي.
وفي عمر 45 عاما، تبدو الشقراء ذات الملامح القاسية المرشحة الأوفر حظا لتصدر الانتخابات التشريعية الإيطالية المزمع إجراؤها في 25 أيلول/ سبتمبر، والتي تقررت بعد انهيار حكومة رئيس الوزراء ماتيو سالفيني في أواخر تموز/يوليو الماضي.
فرانس24 كانت حاضرة في تجمع انتخابي لميلوني في ساحة ” دوومو” وسط مدينة ميلانو حيث رفع أنصارها أعلام الحزب.
ويقول فرانشسكو تريفيز المتقاعد ابن مدينة ليتشي جنوب البلاد والذي جاء للمشاركة في التجمع الانتخابي: “جورجيا ميلوني هي الوحيدة التي لم نجربها حتى الآن (في السلطة)”.
ميلانو معقل سالفيني وبرلسكوني
لم تنجح ميلوني في تعبئة ساحة “دوومو” مثلما وعدت، وقد يعود ذلك للحرارة العالية يوم 11 أيلول/سبتمبر في ميلانو أو لسباق فورمولا وان الذي جرى على بعد بضع كيلومترات في مونزا. ولكنها نجحت في جذب بضعة آلاف من أنصارها للتجمع مؤكدة من جديد أن موازين القوى داخل اليمين الإيطالي تميل لصالحها هذه المرة.
وتعد مدينة ميلانو، المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد، معقلا تاريخيا لشخصيات كبيرة مثل رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني ووزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني. وفيها نجح برلسكوني في بناء إمبراطوريته العقارية والإعلامية حيث كان مالكا لنادي إي سي ميلان العريق ومن المدينة أطلق مسيرته السياسية. وكان حزب سالفيني “الرابطة” الذي كان يدعى سابقا “رابطة الشمال” يرغب في جعلها عاصمة لشمال مزدهر وقوي بعيدا عن “Roma Ladrona” [فريق التحرير: روما السارقة].
وخلال الحملات الانتخابية السابقة، تنافس الرجلان على تنظيم أكبر تجمع شعبي ممكن أمام كنيسة “دوومو”، ثالث أكبر كاتدرائية في العالم. ولكن هذا العام، لم يكن أمامهم من خيار سوى ترك الساحة لجورجيا ميلوني. وهو ما تؤكده آخر استطلاعات الرأي، فبعد حصولها على 4 بالمئة من الأصوات فقط في عاصمة “لومبارديا” خلال انتخابات 2018، من المتوقع أن تحصل هذه المرة على ربع أصوات المدينة.
جورجيا ميلوني الشخصية الوحيدة البارزة في المعارضة
ورمال الساحة السياسية الإيطالية متحركة باستمرار، إذ يبدل رجال السياسة مواقفهم كل يوما بين أحزاب وائتلافات سياسية. تتمتع جورجيا ميلوني بأسبقية مهمة: سمعتها بثبات مواقفها والانسجام مع مبادئها. ويتأكد ذلك من خلال كونها زعيمة الحزب الوحيد الذي رفض الالتحاق بالائتلاف الوطني بقيادة ماريو دراغي- وهو تحالف سياسي وصفته بأنه “ضد الديمقراطية”.
“شئنا أم أبينا، هي الوحيدة التي بقيت وفية لتعهداتها ورفضت الانضمام إلى تحالفات سياسية غير مسنجمة” هذا ما تقوله غراتسيا فاليرين، المتقاعدة من ميلانو والتي تصادف وجودها في الساحة مع اجتماع اليمينة المتطرفة. فيما يقول مرافقنا روبن، الموظف في شركة تأمين: “لا ينطبق ذلك مثلا على رجال مثل سالفيني، الذين يقولون إنهم اليوم في المعارضة على الرغم من أنهم كانوا بالأمس في الحكومة”. ويقول روبن الذي تعود على التصويت لحزب “الرابطة” إنه لن يصوت لنفس الحزب في نهاية الشهر الجاري.
من جهته، يقول مارويتسيو كوتا أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيينا: “جورجيا ميلوني تستغل بذكاء موقعها كقوة معارضة رئيسية، إذ عرفت كيف تستغل شعور جزء من الشعب الإيطالي تجاه حكومة ماريو دراغي – التي اتبعت سياسة كفؤة وناجعة ولكن رآها البعض قاسية وتكنوقراطية بشدة”.
ويضيف نفس المختص في العلوم السياسية أن “حدود (إمكانيات) ماتيو سالفيني أصبحت أمرا بديهيا بالنسبة للناخبين” إذ تقهقرت شعبية سالفيني منذ تسلمه السلطة في 2019. أما برسلكوني، 85 عاما، فيصفه مانو بأنه “قوة استنفذت كل جهودها”.
إيطاليا أولا، أوروبا في المقام الثاني
خيبة الأمل من ماتيو سالفيني كانت محور نقاش مستمر في اجتماع اليمين المتطرف في ميلانو. “ميلوني تعلمت من أخطاء سالفيني” يقول ماسيمو بوشيا طالب في سن 23 عاما والذي تخلى عن دعمه لسالفيني بعد قراره الانضمام لحكومة الوحدة الوطنية.
وأبدى هذا الطالب الجامعي إعجابه بالبرنامج الاقتصادي لمرشحة حزب “فراتلي ديتاليا” وهو مزيج من خفض الضرائب على المؤسسات وسياسية حمائية واستثمارات صناعية بعيدة عن الالتزام بـ” الضوابط البيئية العقيمة”.
وبما أن لإيطاليا ثاني أكبر دين عام في منطقة اليورو، فقد خصص لها الاتحاد الأوروبي 200 مليار يورو للتعافي ما بعد جائحة فيروس كورونا. وهو اتفاق مرتبط بسلسلة إصلاحات تقول جورجيا ميلوني أنها ستعيد التفاوض بشأنها في حال انتخابها. “أقولها للاتحاد الأوروبي: الحفلة انتهت” هذا ما صرحت به ميلوني الأحد خلال اجتماع ميلانو متعهدة بـ”بدء الدفاع عن المصالح الوطنية لإيطاليا تماما مثلما تقوم به باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”. وبعيدا عن صخب التجمعات الانتخابية، أبدت مرشحة اليمين المتطرف في المقابل مرونة في التعامل مع بروكسل إذ وعدت بالالتزام بـ”حذر في الموازنة”.
وخلال خطابها في ميلانو، هاجمت ميلوني مجددا مرشح يسار الوسط إنريكو ليتا، منافسها الرئيسي. وقالت: “اليسار يهاجمنا طوال اليوم ولا شيء لديه يقدمه خلاف ذلك” قبل أن تقول “إنه يحاول خلق وحش…من خلال وصفنا بالفاشيين”.
ويبني اليسار الإيطالي هذه الاتهمات على جذور نشأة حزب “فراتلي ديتاليا”. “جورجيا ميلوني تتزعم حزبا يملك جذورا تعود للحقبة الفاشية، خصوصا عبر اتخاذه الشعلة رمزا له”، هذا ما يقوله باولو بيريزي الصحافي في جريدة “لا ريبوبليكا” الذي يعيش تحت حماية أمنية طيلة السنوات الثلاث الماضية بعد تلقيه تهديدات بالقتل من جماعات نيو-فاشية. ويضيوف بيريزي: “في حواراتها مع الصحافة الأجنبية، تحاول أن تظهر بمظهر معتدل ولكن عندما تتوجه إلى الحشود خلال التجمعات، تكشف عن وجهها الحقيقي”.
انتصار “نسوي“
تحب ميلوني أن يتم وصفها بـ”المحافظة” التي تريد الدفاع عن وطنها والمبادئ العائلية التقليدية. على سبيل المثال، ترفض ميلوني تخصيص “كوتا/ حصص” لتعزيز حضور النساء في البرلمان وفي مجالس الإدارة، مؤكدة أن النساء يجب أن يصلوا إلى المناصب العليا باستحقاق، كما فعلت هي.
وإذا ما كان لحزبها أولوية مخصصة للنساء، فإنها تتعلق بالأساس بالحد من تهاوي نسب الولادات في إيطاليا. وتقول المغنية رافايلا داسكولي: “لا يجب على النساء الاختيار بين مسيرتهن المهنية وأمومتهن، تماما مثلما فعلت أنا عندما تخليت عن عملي لأنجب طفلا”. وقالت أسكولي التي حضرت اجتماع حزب ميلوني لأداء النشيد الوطني الإيطالي في آخره: “يجب إيجاد طريقة ما لكي تؤدي المرأة الدورين في نفس الوقت”.
ويرى كثير من أنصار جورجيا ميلوني في فوزها المحتمل في الاقتراع المقبل نصرا للقضية النسوية إذ تقول سيرينا التي تعمل صيدلانية التي حيت “مثابرة ميلوني”: “فوز فراتلي ديتاليا في الانتخابات سيكون انتصارا للنساء”.
من جانبه يرى المتقاعد كلاوديو أن برنامج ميلوني الانتخابي هو “نفسه تقريبا لسالفيني”. ويؤكد كلاوديو الذي يأخذه الحنين للنسخة القديمة من حزب “الرابطة” أنه سيبقى وفيا لحزب سالفيني” قبل أن يردف “لقد جربت إيطاليا كل السياسيين [فريق التحرير: من اليمينيين] وميلوني تمثل التجديد، ذلك يناسبني. بما أنهم سيحكمون مع بعضهم البعض في النهاية”.
بنجامين بودمان
فرانس 24