الميليشيات في الدول الهشة، عوامل وأسباب الظهور
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ أصبحت الميليشيات ظاهرة متنامية في الشرق الأوسط تهاجم المصالح والبعثات الأجنبية داخل الدول وتتسبب في تفكيك وتقسيم الدول وتهدد أمنها القومي. وتعد بعض القوى الإقليمية والدولية الداعم الرئيسي لتسليح وتمويل الميليشيات التي رسخت نفسها كقوة صانعة للقرار في بلدانها لا سيما في إفريقيا وأفغانستان والعراق واليمن ولبنان.
الدول الفاشلة وظهور الميليشيات
الدولة الفاشلة : هي دولة تتميز بضعف قدرة الدولة أو ضعف شرعية الدولة مما يترك المواطنين عرضة لمجموعة من الصدمات.
الميليشيات : هي جماعة منظمة لديها هيكل تنظيمي محدد وقيادة منظمة للعمل خارج سيطرة الدولة باستخدام القوة لتحقيق أهدافها السياسية وتستخدم العنف لتحقيق أهدافها. فهي بشكل عام جيش أو منظمة قتالية أخرى تتكون من جنود غير محترفين أو مواطنين من دولة أو رعايا دولة.
تقول “كورين دوفكا” خبيرة منطقة الساحل في منظمة “هيومن رايتس ووتش” في 18 نوفمبر 2021 إن هذه الجماعات “تستغل بذكاء الانقسامات على أسس عرقية واقتصادية ودينية لكسب المزيد من المجندين.. لقد تغلبوا على جيوش المناطق وتغذوا على الجغرافيا الصعبة والحكم الضعيف والفاسد في كثير من الأحيان”.
عوامل ظهور الميليشيات في الدول الهشة :
الصراعات المحلية والإقليمية وضعف الدولة
شهدت بورما اضطرابات منذ الصراع على السلطة في فبراير 2021 ما أدى إلى ظهور ميليشيات غير رسمية في 14 أغسطس 2022.
ومنذ ظهور الأزمة الانتخابية في إفريقيا الوسطى في ديسمبر2016 تلقت سلطات أفريقيا الوسطى تعزيزات أمنية عديدة من قبل ميليشيات “فاغنر” التي يبلغ عددهم في 16 سبتمبر 2021 حوالي (2000) مرتزق في البلاد يقاتلون بجانب القوات الحكومية منذ بداية العام 2022.
أما مالي فما زالت تعاني من حالة عدم الاستقرار منذ عام 2012 والتي أدت إلى تنامي تنظيم “داعش” داخل البلاد . أكد تحالف من ميليشيات موالية للحكومة في 10 سبتمبر 2022 إن أعضاء في جماعة تابعة لتنظيم “داعش” نفذت هجوم إرهابي على بلدة في منطقة ينتشر بها عدم الاستقرار والصراعات على الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر.
الطائفية الدينية والعرقية
توجد في لبنان (18) طائفة معترفاً بها رسمياً في لبنان واعتاد اللبنانيون مشاهد من الصراع الطائفي. وكانت قد تشكّلت عبر عقود خارطة ميليشيات مذهبية وطائفية ومتشابكة وذلك بالتزامن مع تصاعد المخاوف في لبنان من تكرار سيناريو الحرب الأهلية خصوصاً أن التحالفات الطائفية المبنية على أساس ديني ما زالت تتحكم في المناخ السياسي ما تسبب في العديد من الأزمات الاقتصاديّة والمالية التي تمر بها لبنان.
لا تزال ليبيا بدون حكومة واحدة لها سلطة على البلاد بأكملها بعد سنوات من اندلاع الاضطرابات التي بلغت ذروتها في الإطاحة بمعمر القذافي ووقعت بعض عناصر الجماعتين المتنافستين على اتفاق لتقاسم السلطة برعاية الأمم المتحدة لكن البعض الآخر لا يزال يعارضه ولا يزال السلام بعيد المنال. إن الميليشيات التي تعمل في جميع أنحاء البلاد، والتي يُعتقد أن عددها يقارب (2000)، هي التي تطلق الفوضى.
بدأت الأقليات العرقية كأقلية “الهزارة” في أفغانستان في 22 يونيو 2021 بالبحث عن ميليشيات للدفاع عن مناطق “الهزارة” ضد حركة طالبان وتنظيم داعش خاصة بعد انسحاب القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان. واعتمدت أقلية “الهزارة” على ميليشيات “فاطميون الأفغانية” التي شكلتها إيران في سوريا وأرسلت جزءاً منهم إلى اليمن، و بلغ عددهم (800) في سبع مناطق في أفغانستان تحت مسمى “مجموعات الحماية الذاتية” ما أتاح لإيران موطئ قدم في أفغانستان.
تشهد الساحة الإثيوبية عمليات حشد لقوات خاصة وميليشيات من عدد من المناطق إلى إقليم “تيغراي” لدعم العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية حيث تنقسم البلاد إلى (10) ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير. فيما يملك كل إقليم قوات خاصة بالإضافة إلى ميليشيات محلية تتشكل في الغالب من مزارعين تشبه إلى حد كبير وحدات الحراسة.
سياسات التهميش وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
أدى تهميش القوات والمؤسسات الحكومية في العراق إلى تصاعد حدة الاضطرابات وتصاعد الصراع بين المليشيات للسيطرة على مؤسسات الدولة منذ عام 2003 و م ابعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 وأدت تلك الصراعات إلى سوء تقديم الخدمات للمواطنين واستحواذ الميليشيات والجماعات القبلية على عائدات الجمارك من ميناء “أم قصر” العراقي على الخليج، وكذلك سيطرت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق على قطاعات مثل الخردة المعدنية وابتزاز الشركات مقابل توفير الحماية. وتتسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى تنامي أنشطة تجنيد واستقطاب الميليشيات لآلاف الشباب ومنهم من يتم تجنيدهم قسرا لكونهم أقل تكلفة من الكبار، وغالباً ما يتم استخدامهم كمقاتلين وطهاة وحمالين وسعاة ولأغراض التجسس وتوصيل الرسائل وحمل المواد وتنفيذ هجمات إرهابية.
التمويل الخارجي والداخلي
رحب وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس” في 7 يونيو 2022 بقرار حكومته بتقديم منح سكنية لمقاتلين في ميليشيا لبنانية كانت تتلقى تمويلاً وتدريباً من الجانب الإسرائيلي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واصطفت إسرائيل إلى جانب الميليشية التي كان بعضهم من أفراد وحدات انشقت عن الجيش اللبناني ووفرت لها السلاح والدعم والتدريب. وفي تطور آخر شهد غرب السودان دعم قبلي للميليشيات ومواجهات قبلية ونزاعات عنيفة على الأراضي أو المياه واتهمت ميليشيات التي انضم عدد كبير من أفرادها إلى قوات الدعم السريع بارتكاب أعمال العنف في 12 مارس 2022.
لعبت إيران دوراً كبيراً في تأزم الصراع في اليمن عن طريق دعم الحوثيين مادياً وعسكرياً . وكان قد حدد مجلس الأمن في مارس 2022، إن إيران هي المصدر الرئيسي للأسلحة التي تهربها لميليشيات الحوثيين في اليمن وغيرهم في المنطقة، وأكد أن مصدر آلاف منصات إطلاق الصواريخ والأسلحة الآلية وغيرها التي ضبطها الأسطول الأميركي في بحر العرب هو ميناء تابع للأسطول الإيراني في جنوب شرقي إيران. ودوماً ما تنفي إيران صلتها بالميليشيات في المنطقة، ففي 24 أغسطس 2022 نفت إيران أن يكون لها أي صلة بجماعات استهدفتها ضربات جوية أمريكية داخل الأراضي السورية وأن إن المواقع التي قُصفت لا صلة لها بطهران.
تدعو قرارات مجلس الأمن دوماً إلى نزع سلاح الميليشيات لضمان استقرار الدول فعلى سبيل المثال تدعو القرارت (1559 و 1680 و 1701) بوضوح إلى حل ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وذكرت الأمم المتحدة أنه يجب نزع سلاح الميليشيات وأن إبقاء سلاح الميليشيات خارج سيطرة الدولة يحد من قدرة لبنان على ممارسة سيادته الكاملة وسلطته على أراضيه.
الحرس الثوري نموذج
يمثل الحرس الثوري ذراع إيران إيران القوي في الداخل والخارج، وتنتشر في الشرق الأوسط لا سيما في سوريا ولبنان.
يذكر أن الحرس الثوري الإيراني قد تأسس بعد قيام “الثورة الإيرانية” و أصبح منذئذ قوة عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة بالإضافة إلى سيطرته على قوات “المقاومة” شبه النظامية (الباسيج). ويعد “فيلق القدس” هو الذي يقع تحت إشراف الحرس الثوري والمرشد الإيراني خامنئي ويتولى تنفيذ مهام حساسة في الخارج مثل تقديم الأسلحة والتدريب للميليشيات المقربة من إيران.
يقود الحرس الثوري شبكات لتهريب النفط وغسيل الأموال لتسهيل تمويل وكلائه في المنطقة ففي 25 مايو 2022 كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن عقوبات جديدة على إيران تستهدف شبكة دولية لتهريب النفط وغسيل الأموال بقيادة مسئولي فيلق القدس التابع للحرس الثوري. تلك الشبكات سهلت بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط الإيراني لكل من الحرس الثوري والجناح العسكري لحزب الله، وعملت الشبكة كعنصر حاسم في زيادة عائدات النفط الإيرانية فضلاً عن دعمها الميليشيات التي تعمل بالوكالة في المنطقة.
يدعم الحرس الثوري الإيراني العديد من المليشيات في المنطقة لتهديد وزعزعة استقرار الدول في المنطقة استقدمت الميليشيات الإيرانية التي يدعمها “الحرس الثوري” من الأراضي العراقية في 19 فبراير 2021 منصات إطلاق صواريخ ونشرتها في قاعدة “الإمام علي”. ويعد إطلاق الصواريخ من تحت الأرض هي إستراتيجية سبق وأن تطرق “الحرس الثوري” للحديث عنها في عدة مناسبات، بينما طبقتها الميليشيات التابعة له في العراق من خلال استهداف المواقع العسكرية التابعة للتحالف الدولي وللحرس الثوري الإيراني وجود كبير في سوريا منذ عام 2011 حيث أرسل مئات الجنود لتقديم المشورة وتدريب الميليشيات الموالية للحكومة.
يحتفظ الحرس الثوري بعناصر له في السفارات الإيرانية عبر العالم وهذه العناصر هي التي تقوم بتنفيذ العمليات الاستخباراتية وتقيم معسكرات التدريب كما تساهم في تقديم الدعم لحلفاء إيران في الخارج. تم الإعلان عن تأسيس “وحدة 400” التابعة لفيلق القدس لتكون مركز تنسيق العمليات الخارجية ولعبت هيئة مكافحة التجسس (الوحدة 1500) وهيئة العمليات الخاصة (الوحدة 4000) في استخبارات “الحرس الثوري” الإيراني دورا بارزا في التخطيط لعمليات اغتيال القنصل الإسرائيلي السابق في إسطنبول وثلاث سائحات إسرائيليات عبر ثمانية أعضاء بـ”الحرس الثوري” في تركيا.
التقييم
الميليشيات ممكن أن تكون واحدة من “الأذرع” التي تقاتل بالنيابة لصالح أطراف القوى الإقليمية أو الدولية في النزاعات والحروب وممكن ان تقاتل هذه الميليشيات ضد بعضها البعض أو لفرض السيطرة على الدولة وبالتالي تعزيز النفوذ الإقليمي من خلال نهج غير مباشر وأقل تكلفة.
تشكل الميليشيات مجموعات طائفية أو عرقية يكون أعضاؤها أيديولوجيون وذلك في محاولة لإضعاف الحكومات وإجبارها على الالتزام لمطالبهم والامتثال لأيديولوجيتهم ويصبح الوضع أكثر تعقيدا عندما تكون هناك ميليشيات متعددة الأعراق و الطوائف في دولة واحدة، فكل ميليشيا تخدم أجندة دولة يزيد من احتمالية نشوب حروب أهلية كما هو الحال في ليبيا ودول إقليمية أخرى.
نجحت إيران بالسيطرة على مناطق واسعة من حدودها الجنوبية الغربية وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط عبر وكلائها في المنطقة، لا سيما الحرس الثوري والميليشيات التابعة، وأصبحت تلك الميليشيات قادرة على تغيير مسار الصراعات في المنطقة.
أثبتت الدول الهشة أنها مصدر جذب للجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش لترسيخ وجودها هناك ونشر الإرهاب وفي ظل هذه الظروف بات من المتوقع أن تتنامى قدرات الميليشيات العسكرية والمادية وتتنامى عمليات تجنيد واستقطاب المقاتلين وكذلك اتساع نطاق سيطرتها لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز سلطات الحكومات وسد الفراغ السياسي والأمني ومعالجة أسباب التطرف والإرهاب وكبح أسباب الطائفية والعنصرية في الدول كذلك حرمان الميليشيات التابعة للقوى الأجنبية من أي شرعية ووضع قواعد صارمة فيما يتعلق بالجهات المسلحة غير الحكومية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات