الحكومات الأوروبية تتجه نحو اليمين، المؤشرات والأسباب
بقلم إكرام زياده
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ اليمين المتطرف ـ الحكومات الأوروبية تتجه نحو اليمين، المؤشرات والأسباب
شهدت السنوات الأخيرة صعود قوى اليمين الراديكالي المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، ليس على مستوى الخطاب والتوجه، بل بات من الطبيعي أن يكون لأحزاب اليمين المتطرف مقاعد في البرلمانات الوطنية أو أن تصل إلى السلطة في معظم الدول الأوروبية، حتى في داخل البرلمان الأوروبي الحالي، إذ يشكلون ما يقرب من ثلث أعضاء البرلمان الأوروبي، أي أكثر من ضعف نصيبهم من المقاعد في عقد من الزمان وتعكس هذه الزيادة في التمثيل الشكوك العامة المتزايدة تجاه التكامل الأوروبي.
ربما لا تترجم نتائج الانتخابات السيطرة الفعلية لليمين المتطرف؛ لكنها تمثل اتجاهاً واضحاً لتطبيع الظاهرة في القارة الأوروبية.
مؤشرات تصاعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا
تتقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة في السلم السياسي الأوروبي، وتزداد حدة منافستها تدريجيًا، محققة تَقدماً وإن كان بطيئاً على المدى القريب، لكنه مقلق على المدى البعيد، إذ يحصد اليمين الشعبوي اليوم مواقع متقدمة وقدم مرشحين في انتخابات الرئاسة جاؤوا في المركز الثاني في فرنسا والنمسا.
وقد مثلت الانتخابات التي جرت سنة 2017 مرحلة ذهبية في تاريخ الأحزاب الشعوبية واليمينية المتطرفة في كافة أوروبا، إذ حقق حزب “الحرية الهولندي” وهو من أقصى اليمين بزعامة خيرت فيلدرز المرتبة الثانية بعد “الحزب الشعبي الليبرالي الديمقراطي” الحاكم، وبات أكبر قوة في البرلمان. أما في فرنسا، تأهلت رئيسة “الجبهة الوطنية” مارين لوبان للجولة الرئاسية الثانية. أما في ألمانيا فقد حقق حزب “البديل لألمانيا” في الانتخابات التشريعية الألمانية اختراق غير مسبوق أستطاع من خلالهِ دخول البوندستاغ مع (12.6%) من الأصوات، مقابل (4.7%) قبل أربع سنوات من تلك الانتخابات. أما في النمسا فقد نجح “حزب الحرية” النمساوي الذي يعتبر من أقدم الأحزاب التي تنتمي إلى أقصى اليمين، في الوصول للحكم ضمن ائتلاف مع حزب المحافظين النمساوي برئاسة سباستيان كورتس.
أما في انتخابات إيطاليا التي جرت في 2018 فقد أحرزت الأحزاب السياسية الشعبوية تقدماً كبيراً تصدّر فيها ائتلاف يمين الوسط (حزب “فورزا إيطاليا” برئاسة سيلفيو برلوسكوني وحزب “رابطة الشمال ” اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني) بنسبة (37.30%)، بينما حصدت حركة 5 نجوم المناهضة للمؤسسات على (32.50%).
وتصاعدت التوقعات بفوز ائتلاف اليمين في الانتخابات التشريعية الإيطالية يوم 25 سبتمبر 2022 وسط نسب مشاركة ضعيفة. ولو صحت التوقعات فإنّ جورجيا ميلوني زعيمة حزب “فراتيلي ديتاليا” اليميني المتطرف ستصبح أول رئيسة وزراء في إيطاليا. ومن المتوقع أن يفوز ائتلاف اليمين بقيادة جورجيا ميلوني وحزبها اليميني المتطرف “فراتيلي ديتاليا” (أخوة إيطاليا) بالسباق الانتخابي، وقد يحصل التحالف على الأغلبية المطلقة، بحسب استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، وهو ما يمهد الطريق أمام ميلوني كي تصبح أول رئيسة وزراء في إيطاليا.
فاز فيكتور أوربان، الزعيم المجري لحزب فيدسز الشعبوي اليميني، بثالث فوز له لولاية متتالية في عام 2018. كما فازت حملة “سلوفينيا أولاً” في محاكاة ترامب “أمريكا أولاً”، بزعامة يانيز جانشا اليمينية بنسبة (25%) من الأصوات وشكلت الحكومة. حتى في السويد، وهي واحدة من أكثر البلدان ليبرالية في أوروبا عزز الديمقراطيون السويديون اليمينيون المتطرفون الذين خرجوا من تفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد حصتهم في التصويت بشكل كبير من خلال الحصول على (17.6%) من الأصوات في عام 2018 وأصبحوا ثالث أكبر حزب في البرلمان السويدي.
وفي الانتخابات البرلمانية لألمانيا في سبتمبر 2021، احتل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المركز الخامس بـ(10%) من الأصوات، ورغم خسارته (2%) من الأصوات مقارنة مع 2017. وفقدان شعبيته خاصة في الغرب. لكن هناك تيار شعبوي يميني في جنوب شرق ألمانيا، حيث يسيطر حزب البديل على جميع أنحاء ولاية ساكسونيا تقريباً، بالإضافة إلى الجزء الجنوبي من ولاية تورينغن وجنوبي ولاية ساكسونيا-أنهالت.
استمر تقدم الأحزاب اليمينية في انتخابات 2022 ، تمكنت زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبان من تجاوز الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، وبالرغم من أنها فشلت للمرة الثانية على التوالي في الوصول إلى سدة الحكم بفرنسا، إلا أنها هذه المرة حققت نتائج كبيرة، فقد حصلت على (41.8%) من الأصوات أمام الفائز إيمانويل ماكرون.
هُزمت لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها أوصلت اليمين المتطرف إلى أبواب السلطة، مع أعلى نسبة أصوات في انتخابات رئاسية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ لم يسبق لأي حزب من أقصى اليمين في فرنسا أن حقق مثل هذه النتيجة في انتخابات وطنية. علاوة على ذلك ، أصبح اليمين المتطرف بذلك متفوقًا على اليسار بكل أطيافه، ما يعني تغيراً في الخريطة الانتخابية وأيضاً في المزاج العام للناخبين.
كما تضاعف عدد مقاعد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان (15) مرة بعدما فاز في الانتخابات البرلمانية الفرنسية يونيو 2022 بـ (89) مقعد في الجمعية الوطنية الفرنسية ، ما يمثل اختراقا كبيرا، سيخوله تشكيل كتلة للمرة الأولى منذ أكثر من 35 عامًا.
وفي المجر، حقق حزب “فيدس” اليميني بزعامة فيكتور أوربان بأغلبية الثلثين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 3 أبريل 2022، والذي بدوره أعاد انتخاب أوربان رئيساً للمجر لولاية خامسة.
أما في إيطاليا، وبعد استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي يوليو 2022، وحل البرلمان وتحديد موعد للانتخابات مبكرة في 25 سبتمبر القادم، بدأت الأحزاب السياسية وخاصة اليمينية منها حملاتها الانتخابية بما فيها حركة “إخوة إيطاليا الفاشية .
ووفقاً لاستطلاع أجراه معهد إس دبليو جي في 18 يوليو 2022 يتصدر حزب “إخوة إيطاليا” ) من الفاشيين الجدد برئاسة جورجيا ميلوني، بحصوله على ما يقارب 24% من نوايا الأصوات، متقدما على الحزب الديمقراطي (22%) والرابطة الشعبوي بزعامة ماتيو سالفيني (14%). أما فورتسا إيطاليا اليميني بزعامة سيلفيو برلوسكوني ، فجمع (7.4%) من نوايا الأصوات فيما تذهب (11.2%) من الأصوات لـ”حركة خمس نجوم” الشعبوية والمعادية للهجرة. وبينت “الجارديان”، في 24 يوليو 2022، أن استطلاعات الرأي الحالية تشير إلى أن انتخابات الخريف في إيطاليا ستقدم الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا في أوروبا الغربية، وأن رحيل دراجي يهدد إيطاليا بإحياء أزمة الديون من جديد.
بينما دول شرق أوروبا معظمها تقريباً واقعة تحت حكم الأحزاب اليمينية المتشددة، حيث يسيطر حزب فيدس اليميني المتطرف، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، على الحكومة في المجر منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2010، كما يكمن خطر هذه الأحزاب المتشددة في اتخاذها سياسة العدائية والكره تجاه الاقليات نمطاً بارزاً في مساراتها السياسية الداخلية والخارجية، كما يحدث في المجر، وكرواتيا والتشيك وغيرها من البلدان.
ومن جهة أخرى، اعطت انتخابات البرلمان الاوروبي الاخيرة في مايو 2019 صورة واضحة عن استمرار تقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة في بعض الدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، ما أثار الذعر في أوروبا خشية على الاتحاد والتكتل الاقتصادي العالمي. إذ ارتفع عدد نواب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي من (151) نائباً إلى (171) من أصل (751) نائباً، ما أدرجه في المرتبة الخامسة ضمن المجموعات البرلمانيّة السّبع، قبل المحافظين السياديين واليسار الموحّد وبعد الخُضْر مباشرة.
أسباب صعود اليمين المتطرف
ثمة مجموعة من العوامل أدت إلى رفع أسهم قوى اليمين المتطرف في أوروبا، أحد الأسباب الرئيسية وراء تنامي صعود وانتشار اليمين المتطرف نابع من عدم ثقة الشارع الأوروبي بشكل عام لما يسمى أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط، التي كانت تسيطر على المشهد السياسي على مدى العقود الماضية؛ نتيجة عدم قدرتها على حل المشكلات التي بدأت تأخذ وضعاً دراماتيكياً داخل أوروبا. خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في عام 2008 وما تلاها من سعي الاتحاد الأوروبي والسلطات الوطنية الحازمة لإجراءات السيطرة على العجز النيوليبرالي والتقشف هي أحد العوامل الرئيسية لتصاعد اليمين الشعبوي والمتطرف.
ويمكن القول إن أحد أهم هذه الأسباب وأكثرها حضوراً هي قضية المهاجرين واللاجئين الشرعيين وغير الشرعيين، إذ استفادت الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا بشكل كبير من المخاوف الأمنية والثقافية والاقتصادية بين الأوروبيين بسبب موجة الهجرة على نطاق واسع بعد العام 2015.
وتزداد فرص نجاح قوى اليمين المتطرف في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها القارة الأوروبية والتي يتواجد بها رسمياً (22 ) مليون عاطل عن العمل، ناهيك عن أن المهاجرين يزيدون من تكريس هذه المشكلة نظراً لتكاليفهم الأقل كعمال بدلاء عن العمال الأوروبيين. يُضاف إلى ذلك، تكلفة اللاجئ على الدولة المضيفة في مجالات المرافق والتعليم والصحة وغيره، في ظل موجة السياسات التقشفية التي تتبعها العديد من الدول الأوروبية.
وفي أخر عاميين استغلت الأحزاب اليمينية أزمة كورونا لتأجيج المشاعر غير المنطقية مثل مناهضة الفكر ونظريات المؤامرة بسبب عدم استجابة الحكومة لوباء كوفيد 19 والانتشار الواسع للمعلومات المضللة، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وفرت مساحة أوسع للأفكار السياسية اليمينية المتطرفة والمحافظة التي تنم عن كره الأجانب .
كما تكمن القوة المتزايدة للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا في استراتيجيات التعبئة والانتخابات الأكثر تماسكاً، فضلاً عن التحالفات الأفقية الأوسع. هذه الأحزاب أكثر مرونة في التنظيم ونخبها أكثر حساسية للتغيرات الاجتماعية الحالية، وتضخم أخطاء السياسة للأحزاب الرئيسية وتزيد من حدة المواجهة بين المجتمع المحلي والعالم الخارجي، وبين عامة الناس والنخب.
وفي هذا السياق، يعتبر عنصر القوة الذي يساعد اليمين المتطرف هو قدرته على تبني خطاب يربط مُجمل تلك العوامل ببعضها البعض، بحيث يتم ربط المشكلات الاقتصادية والمالية وحتى الأخلاقية، التي ظهرت في أوروبا منذ عام 2008، بالنواحي الأمنية والهجرة وتدفق اللاجئين والتهديدات الإرهابية، مع ترويج هذا التيار إلى أنه لديه حلولاً لمعالجة هذه الأزمات المركبة.
التقييم
السنوات الخمس الأخيرة شهدت بداية انتقال الأحزاب السياسية المتطرفة من انتخابات الدرجة الثانية إلى انتخابات الدرجة الأولى، ما يدل على وجود نوع من التطرف في المجتمعات الأوروبية.
ساهمت العديد من الأحداث الإقليمية والدولية في حجز اليمين المتطرف مكانًا بارزًا ضمن الخريطة السياسية الحزبية الأوروبية، وظهر ذلك من خلال النجاحات المتكررة التي حققتها في الانتخابات التشريعية والمحلية والأوروبية، لكن نتائج لوبان الأخيرة في انتخابات فرنسا سيكون لها الوقع الأكبر على هذه التنظيمات المتطرفة.
أثبتت الانتخابات الفرنسية الأخيرة أن قرابة نصف الناخبين الفرنسيين يحملون أفكارا يمينيةً متطرفةً، وأنهم يميلون إلى الخطاب الشعبوي الذي يضع على رأس هرم أيديولوجيته مناهضة المهاجرين والمسلمين والأقليات عموما، بجانب تعزيز القوميات والضرب بشعارات الحضارات وقبول الآخر عرض الحائط.
يترك صعود نجم قوى اليمين المتطرف في أوروبا بصمات عدة على المشهد السياسي والاجتماعي الأوروبي، حيث تتجلى الآثار المباشرة مع اتجاه القوى السياسية التقليدية في بعض الدول الأوروبية لتبني حلولاً وإجراءات متشددة ضد اللاحئين والمسلمين والعمل ستعمل على تفكيك أحزاب اليمين المتطرف من خلال تبني بعض شعاراتهم.
وعلى المدى الطويل، تظهر تحذيرات من التأثير السلبي لصعود اليمين على نموذج التسامح للدولة القومية الحديثة ذات الطابع الأوروبي، والذي أصبح هشاً جداً مع تصاعد خطاب الإقصاء والتوجه نحو ممارسة هذا الخطاب على أرض الواقع
أزمة أوكرانيا يمكن أن تجلب للشعبويين دفعة كبيرة حيث بدأت تكلفة العقوبات ضد روسيا في التأثير مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. حيث تجاوز سعر البنزين بالفعل 2 يورو للتر ، وهو أعلى بكثير من المستوى الذي أشعل فتيل تمرد السترات الصفراء في فرنسا ، كما ارتفعت أسعار الكهرباء والغاز والخبز.
يجب على الأحزاب الليبرالية والوسط مواجهة صعود أحزاب اليمين المتطرف البديلة في البرلمانات الأوروبي من خلال تبني مواقف واضحة بالمثل بشأن القضايا البارزة للغاية بالنسبة للرأي العام وتفصيل الحجج التي تدعم هذه المواقف للمواطنين الأوروبيين.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات