احتمالات الحرب بين حزب الله والعدو الصهيوني
محمد أبو ليلى
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_ترتسم في الأفق الاقتصادي والسياسي توترات كبيرة في الدول المتشاطئة مع البحر الأبيض المتوسط بخصوص النفط والغاز، وخاصة شرق حوض المتوسط؛ نظراً لحجم الاكتشافات الضخمة لكميات الغاز والنفط، حيث قدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، في عام 2010، احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج[1].
أحد أوجه تلك التوترات تدور بين لبنان والعدو الصهيوني؛ فالأخير لم يتوانَ- منذ اكتشاف الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية اللبنانية- عن القيام بخروقات شبه يومية من أجل السيطرة على هذه الثروة اللبنانية الجديدة.
حديثاً، وفي ظل المفاوضات على ترسيم واضح للحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة برعاية أمريكية يديرها مبعوثها الخاص آموس هوكشتاين، وصلت السفينة “إينرجيان باور” لإنتاج الغاز الطبيعي إلى حقل كاريش في شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما دفع الجانب اللبناني الرسمي إلى الاعتراض، مطالباً الوسيط الأمريكي بمنع العدو الصهيوني من أي عملية استخراج إلا بعد توقيع اتفاقية الترسيم.
وفي ذات السياق، فإن نبرة التهديدات بين حزب الله والعدو الصهيوني ارتفعت، واضعة المنطقة أمام احتمال وقوع مواجهة عسكرية في حال فشلت المفاوضات بين طرفي النزاع، مع ضرورة الإشارة إلى أن المفاوضات حتى كتابة هذه السطور متعثرة.
سؤال يطرحه كثيرون يتمثل بالتالي: هل نحن أمام جولة عسكرية بين حزب الله والعدو الصهيوني؟ وهل يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية تشارك فيها أطراف عدة؟ وعليه، سيحاول هذا المقال أن يضع بين يدي القارئ تفاعلات طرفي النزاع والسيناريوهات لما قد تؤول إليه الأمور في قادمات الأيام.
أولاً: كيف يتفاعل طرفا النزاع في ظل تعثر المفاوضات
1. حزب الله (السياسي – العسكري)
عمل حزب الله على إرساء قواعد جديدة في المفاوضات البحرية بين لبنان وكيان العدو، وتصويب مسارها، بالمقدار الذي تتكامل فيه الدولة مع المقاومة، وفتح آفاق جديدة لها تشكل أساساً متيناً لإخراج لبنان من المأزق الذي هوى إليه.
الخطاب السياسي: حذر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وفي أكثر من مناسبة، العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية من محاولة العبث بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. وفي أكثر من خطاب رفع “نصر الله” سقف تحذيراته، وصولاً إلى التحذير من اندلاع حرب في المنطقة، في حال لم يحصل لبنان على كامل حقوقه البحرية. وفي هذا الصدد أعلن أن حزب الله مستعد لاستهداف الحقول الغازية التي يمتلكها العدو الصهيوني قبالة شواطئ فلسطين المحتلة، مشيراً إلى أن حزب الله مستعد للذهاب لكاريش – الحقل الغازي – وإلى ما بعد بعد كاريش! وأكد “نصر الله”، في خطاب شديد اللهجة ألقاه في 9 يوليو/تموز الماضي، أن استخراج الغاز من حقل كاريش هو خطوة عدوانية تجاه لبنان ومحاولة لنهب ثرواته الطبيعية، وهدد بأن حزب الله لديه المقاتلون والقدرات اللوجستية والاستخباراتية لمنع العدو الصهيوني من القيام بذلك. مؤكداً أن القضية لا تقل أهمية عن تحرير الأراضي اللبنانية.
الإعلام العسكري لحزب الله: على وقع وصول المبعوث الأمريكي “هوكشتاين” إلى لبنان في 1 أغسطس/آب، نشر الإعلام الحربي لحزب الله مقطعاً مصوراً لإحداثيات منصات استخراج الغاز على ساحل فلسطين المحتلة، في رسالة واضحة إلى العدو الصهيوني. وقد حملت المشاهد التي بثها الإعلام الحربي عنوان: “في المرمى… واللعب بالوقت غير مفيد”. واستعرض المقطع المصوّر سفينتي الحفر والإنتاج ومنصة عائمة، مع معلومات خاصة بها، سواء لجهة بلد المنشأ أو المميزات أو الإحداثيات الجغرافية وبُعدها عن الشواطئ اللبنانية.
العسكري العملياتي: في 11 أغسطس/آب الماضي، أرسل حزب الله ثلاث مسيّرات غير مسلحة وبأحجام مختلفة باتجاه المنطقة المتنازع عليها على الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة عند حقل الغاز كاريش. وأعلن حزب الله أن المسيّرات الثلاث قامت بمهام استطلاعية، وأنجزت المهمة المطلوبة منها، في رسالة تصعيدية تجاه العدو الصهيوني. وفي ضوء تحرك حزب الله أشار عدد من الكتاب الصهاينة إلى “أن الهدف منه كان تعظيم صورة الحزب وتجسيد قدراته العملياتية في الوقت الذي تدور مفاوضات بين “إسرائيل” ولبنان بشأن استخراج الغاز من المتوسط”.
2. حراك العدو الصهيوني (السياسي – العسكري):
يرى الكيان الصهيوني أن قضية استخراج الغاز من حقل كاريش مسألة سيادية لا علاقة لها بالمفاوضات مع الجانب اللبناني، ولذلك يرفض رفضاً قاطعاً كل التهديدات التي يطلقها حزب الله، مشيراً إلى استعداده لخوض جولة عسكرية للدفاع عن أمنه من جهة، وحماية حقوله النفطية والغازية من جهة أخرى.
موقف حكومة العدو: في 22 يونيو/حزيران الماضي، أعلن وزير حرب العدو الصهيوني، بني غانتس، استعداد جيشه لخوض معركة طاحنة مع حزب الله. محذراً الأخير أنه سيدفع ثمناً باهظاً في حال الإقدام على مهاجمة الحقول الغازية، وخاصة حقل “كاريش”. أما عن موقف رئيس حكومة العدو، يائير لابيد، فقال: “حزب الله يلعب بالنار، ويعرض للخطر قدرة لبنان على التوصل إلى اتفاق لحل الخلاف حول النزاع على الحدود البحرية واحتياطيات الغاز”[2].
جيش العدو: في ضوء تصريحات “غانتس”، نشر جيش العدو الصهيوني أكثر من مرة تقديره بالقول إن الجيش مستعد لأي تطور، ومن ذلك الوضع الذي قد تندلع فيه معركة مع حزب الله عدة أيام. ونقلت الصحافة العبرية عن مسؤول وصفته بالكبير قوله: “نحن على جهوزية عالية، وبناءً عليه تجري شعبة الاستخبارات وسلاح الجو والبحرية تقييمات للوضع بخصوص حزب الله والدفاع من منصة الغاز كاريش، وقد ترفع مستوى الاستنفار بحلول شهر سبتمبر/ أيلول القادم”[3].
تقديرات المنظومة الأمنية: نقلت بعض الصحف العبرية عن أن هناك إجماعاً في المنظومة الأمنية الصهيونية على “أن البديل عن الاتفاق يمكن أن يكون التصعيد، وأنه في مثل هذه الحالة هناك احتمال كبير لسوء تقدير من جانب حزب الله، مما قد يؤدي إلى عدة أيام من القتال في الشمال”[4].
– من زاوية أخرى، نقلت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن خبراء صهاينة، يقدّرون أن تصريحات وممارسات حزب الله هذه مجرد أجواء توتر، ولن يقوم حزب الله بخطوات قد تعرضه ولبنان للخطر.
ثانياً: السيناريوهات المتوقعة
السيناريو الأول
الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، وأن يوافق العدو الصهيوني على الخط 23 مع حقل قانا كاملاً دون أن يطلب من الجانب اللبناني أي تنازل إضافي.
– هذا السيناريو ضعيف لعدة اعتبارات؛ أهمها أن العدو الصهيوني ما زال يراوغ ويماطل في الرد رسمياً وبجدية، والتقديرات تشير إلى أنه لن يوافق على تعرج الخط 23 دون مقابل المساحة التي سيشملها حقل قانا. ويبقى هذا السيناريو مرهوناً بالموقف اللبناني في حال تبدّل موقفه وتنازل مرة أخرى لحساب العدو الصهيوني، وهو مستبعد حتى كتابة هذه السطور.
السيناريو الثاني
فشل المفاوضات بسبب تعنت العدو الصهيوني الرافض للمقترح اللبناني، وعليه يبدأ عملياً باستخراج الغاز من حقل “كاريش”، وهو ما يدفع بحزب الله إلى البدء بعمل عسكري تدريجي، يستدعي رداً عسكرياً صهيونياً، تتطور إلى معركة عسكرية لعدة أيام، تدفع عدة وساطات – عربية وغربية وأممية – باتجاه إنهاء الجولة العسكرية والضغط على الأطراف المتنازعة بالتوقيع على اتفاق الترسيم.
– هذا السيناريو متوقع حدوثه بنسبة 50%، ويدعم هذا السيناريو الاستعدادات والتهديدات العسكرية المتبادلة بين العدو الصهيوني وحزب الله، وجدية حزب الله في استهداف منصات الغاز لدى العدو في حال بدأ باستخراج الغاز من حقل “كاريش” دون اتفاق.
السيناريو الثالث
وهو مرتبط بالسيناريو الثاني، ولكن في حال فشل الوساطات والدخول بمعركة طويلة، تشتعل من خلالها عدة جبهات وتتحول إلى حرب إقليمية تشارك فيها عدة قوى في المنطقة.
– هذا السيناريو ضعيف، فإنه من غير المتوقع أن تتحول في حال حدوث أي معركة عسكرية محدودة إلى حرب شاملة.
السيناريو الرابع
إطالة أمد المفاوضات، إذ قد يتخذ العدو الصهيوني قراراً بتأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش إلى ما بعد انتخابات الكنيست الصهيوني، بالمقابل يتخذ حزب الله قراراً بعدم الإقدام على أي عمل عسكري ميداني والانتظار إلى ما ستؤول اليه مفاوضات الترسيم.
– هذا السيناريو متوقع حدوثه بنسبة 50%، إذ إن العدو الصهيوني قد قام بعدة خطوات ترجح هذا السيناريو، بدءاً بتأجيل استخراج الغاز حتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول لأسباب تقنية بدلاً من سبتمبر/أيلول الحالي، وأيضاً فإن العدو الصهيوني قد طالب في أكثر من جولة تأجيل المحادثات إلى ما بعد انتخابات الكنيست.
أما عن الجانب اللبناني، فإنه يرفض التأجيل، ويضغط باتجاه إتمام المفاوضات قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، في الـ 31 من أكتوبر/تشرين الأول القادم، وعليه يبقى هذا السيناريو متوقعاً حدوثه إذا تعامل الطرف اللبناني بمرونة مع تمديد المفاوضات.
ثالثاً: تقييم وخلاصة
في عالم السياسة هناك شكلان من الصراعات، وهما:
الصراع التنافسي: وتكون النتيجة النهائية للصراع بين طرفي النزاع هي فوز كليهما بشيء من الخيرات، أو ما يطلق عليه معادلة (Win – Win)، أي حالة من فوز الطرفين وحصولهما على مكاسب معينة يرضى بها كلاهما.
الصراع الصفري: وفي هذه الصراعات الصفرية لا يقبل كِلا الطرفين التنازل، وعليه يلجأ أحدهما إلى استخدام القوة من أجل إرغام الآخر على التنازل.
بناء على ما سبق من الجيد أن نلحظ التالي:
– العدو الصهيوني حتى كتابة هذه السطور ما زال يماطل في الرد على المقترح اللبناني، علماً أن القناة 12 العبرية سرّبت الرد على المقترح اللبناني[5].
– يصرّ العدو على اعتبار حقل كاريش خارج المنطقة المتنازع عليها، وعليه سيبدأ باستخراج الغاز خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول إن تم الاتفاق أو لم يتم، وهو ما صرحت به وزيرة الطاقة الصهيونية يوفال شتاينتس.
– الجدير ذكره أن العدو يعد استخراج الغاز من كاريش قضية سيادية لا يمكن التهاون بها، وإن أي تنازل يعني حكماً تسجيل انتصار للطرف اللبناني وتحديداً لحزب الله.
– بالمقابل، فإن حزب الله، أيضاً، بحسب ما نقل، استحدث مواقع مراقبة جديدة على طول الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة.
– نشر الإعلام العسكري التابع للحزب رسالة منذ أسابيع، تفيد بالجاهزية الكاملة لعناصر الحزب في خوض أي معركة عسكرية مع العدو الصهيوني، وذلك في مستهل الكلمة التي ألقاها “نصر الله” طالباً الاستعداد لأي تطور قادم.
وعليه، وفي ضوء المعطيات والتفاعلات المذكورة أعلاه، فإنه من الأجدر التروي في حسم أي من السيناريوهات الأربعة المتوقع حدوثها، على اعتبار أن المفاوضات ما زالت مستمرة، وأن الأمور لم تصل بعد إلى الخواتيم، رغم حجم الحشد والتصريح والتهديد المتبادل[6]، وأن المعطيات الموجودة حتى الآن تفيد بأن المبعوث الأمريكي “هوكتشاين” سيزور لبنان الأسبوع المقبل حاملاً الرد الصهيوني.
ولكن من زاوية أخرى، فإنه من الضرورة عدم إغفال أو استبعاد السيناريو الثاني تحديداً، من حيث الترجيح، إذ إن الجانب اللبناني لن ينتظر المماطلة الصهيونية ولا مراوغة وتلكؤ الوسيط الأمريكي، ولن يوافق على تأجيل المفاوضات إلى ما بعد انتخابات الكنيست الصهيوني في حال طرح ذلك جدياً، ولن يسمح أن يستخرج العدو الغاز من حقل كاريش إلا بعد ضمان حقوق لبنان النفطية والغازية، والسماح باستخراجها (مع العلم أن الأمر قد يستغرق ما بين خمس سنوات وسبع)، ولذلك قد نكون أمام خيار الصراع الصفري في حال استمر العدو الصهيوني في تعنته ومماطلته، بدفع بذلك حزب الله البدء بالتصعيد التدريجي وبمختلف الوسائل المتاحة.
المراجع
[1] ميدان، كنز في ماء المتوسط.. من يربح حرب الغاز القادمة؟، علي باكير، (17/8/2020)، في: https://cutt.us/bGvJ5
[2] رئيس وزراء إسرائيل يوجه تهديداً مباشراً لحكومة لبنان بشأن حزب الله: قد نضطر لكبح جماحه إن لم تفعلوا، سي إن إن بالعربي، راجع: https://cutt.us/yjtL0
[3] . موقع يديعوت إحرنوت العبري، ترجمة موقع الهدهد.
[4] . موقع والا العبري، ترجمة موقع الهدهد.
[5] . وورد في تفاصيل الاتفاق، بحسب التسريبات التي نقلتها القناة الـ 12 العبرية، أن العدو الصهيوني يحتفظ بحقل كاريش كاملاً، فيما يحتفظ لبنان بكل المنطقة المتنازع عليها، بما يشمل «حقل قانا» الذي يمتد إلى المنطقة الاقتصادية الفلسطينية، على أن يدفع لبنان للعدو تعويضاً مالياً، هو ثمن المنطقة المتداخلة، وهي ما يقرب من ثلث “قانا”. وما نقلته صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في 30 أغسطس/آب 2022 عن الطرف اللبناني قوله: “لبنان ينتظر رداً خطياً يحمله الوسيط الأمريكي خلال فترة قريبة إلا إذا وجد أن الأجواء اللبنانية سلبية فقد يعدل عن الزيارة”.
[6] يواصل جيش العدو، براً وبحراً وجواً، استنفاره وجاهزيته، لتلقي ما صار يعرف بـ«الجرعة التذكيرية» من حزب الله، على خلفية المماطلة غير المبررة، مع التقدير بأن احتمال تنفيذ حزب الله جزءاً من تهديداته ضد البنية التحتية للغاز، أو ربما خارجها، أصبح مرجحاً أكثر من قبل. وإلى جانب الاستنفار بث تسريبات عن «ويلات» الحرب التي سيتسبب بها حزب الله، إن نفّذ تهديداته.
مركز الفكر الاستراتيجي