تصعيد حول الاتفاقية الليبية التركية
السنوسي بسيكري
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ أعلنت أنقرة عزمها الشروع في التنقيب في المياه الإقليمية الليبية ضمن منطقة ترسم الحدود البحرية التي تم التوافق عليها بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وجاء الإعلان التركي عقب توقيع اتفاقية إضافية مع حكومة الوحدة الوطنية تتعلق بالخطوات الإجرائية لتنفيذ الاتفاقية الأساس، بل إن بعض المصادر التركية تحدثت عن البدء الفعلي في عمليات التنقيب، الأمر الذي أثار ردود فعل قوية، إقليميا ودوليا.
ربما يأتي ضمن دوافع الموقف التركي فرض أمر واقع عبر التأزيم السياسي والأمني في منطقة شرق المتوسط، حفزا لأطراف مهمة في مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتدخل لاحتواء الوضع، حيث إنهما لا يريدان للمنطقة أن تشتعل وذلك في ظرف شديد الحساسية بالنسبة لهما وهما يقارعان الدب الروسي ويمارسان ضغطا على إيران لأجل الوصول لتسوية تمنع الأخيرة من تطوير سلاح نووي.
تدرك أنقرة حساسية الظرف وتفهم حسابات واشنطن والعواصم الأوروبية، وربما ترى أن الوقت ملائم جدا لإثارة زوبعة سياسية وأمنية تدفع الفاعلين الغربيين إلى البحث عن مخرج لهذه الأزمة، ولأن أنقرة تستخدم أوراقها وتعزز من موقفها في المشهد المتوسطي فهي تأمل أن يكون أي اتفاق محتمل داعما لمصالحها ومعززا لتطلعاتها.
من جهة ثانية، وبالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديد على الساحة التركية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، والظلال السلبية التي تلقيها الأزمة الاقتصادية، وأزمة الليرة التي شهدت تراجعا كبيرا، والأثر المحتمل لذلك على نتائج الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في منتصف العام القادم، فإن أردوغان يقدم نفسه، من خلال سياساته المتعنتة تجاه دول الجوار الإقليمي، كحام للمصالح الاستراتيجية التركية والسد المنيع أمام تغول الخصم التاريخي لتركيا، ألا وهي اليونان، وحلفاؤها خاصة قبرص وإسرائيل.
انتظرت أنقرة زهاء ثلاثة أعوام منذ توقيع اتفاقية النفوذ البحري الاقتصادي وترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني، ولأنها تدرك أن التحدي يكمن في الموقف المصري وموقف حلفاء القاهرة في الشرق الليبي (مجلس النواب وقيادة الجيس التابعة له)، فقد سعت إلى إنهاء النزاع مع تلك الأطراف.
نجحت أنقرة في استمالة الكتلة الخصم لتركيا في مجلس النواب الليبي، وزار رئيس المجلس، المعروف بمواقفه العدائية لتركيا خاصة أثناء الحرب على العاصمة، أنقرة والتقى بالرئيس أوردغان، ولأن تأثير القاهرة قوي على عقيلة صالح، ولأن حفتر لم يفعل ما فعله عقيلة صالح، فقد فشلت الخطة التركية لتغيير موقف تلك الأطراف من الاتفاقية.
ردود الفعل الإقليمية كانت متشنجة، فأثينا هددت باستخدام القوة لمنع التعدي على ما تعتبره حقوقا لا جدال حولها، أما القاهرة وإن بدا موقفها المعلن أقل حنقا، إلا إنها قد تتجه لتكون ضمن كتلة المعارضة الإقليمية والدولية الضاغطة على أنقرة للتراجع عن موقفها بخصوص التنقيب على النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها.
لا أتصور أن اليونان يمكن أن تتورط في أعمال عدائية مباشرة ضد الوجود التركي في البحر المتوسط، فاليونان عضو في الاتحاد الأوروبي، والأخير لن يقبل بأي نوع من التصعيد الأمني في المنطقة، هذا فضلا عن كون البلدين عضوين في حلف شمال الأطلسي، الذي يراد له أن يكون قاطرة المواجهة المسلحة في حال إقدام روسيا على عمل تعتبره الأطراف الغربية عدائية حيالها.
زيارة رئيس جهاز المخابرات المصري، عباس كامل، للشرق الليبي ولقاؤه بخليفة حفتر، والحرص على الإعلان عن ذلك اللقاء، ربما يأتي في سياق إعلان القاهرة عن التصعيد في موقفها حيال الاتفاقية بغية وقف أعمال التنقيب التركية في المياه الاقليمية الليبية.
مصادر تحدثت عن نقاش دار بين كامل وحفتر حول استخدام الغاز والنفط الليبي كورقة للضغط على تركيا، فوقف النفط والغاز في هذه الفترة يعني الكثير بالنسبة للولايات المتحدة والأتحاد الأوروبي، ولأنهما يشاطران القاهرة موقفها المتحفظ على الاتفاقية، فإن الأخيرة وحلفاءها في الشرق الليبي قد يقدمون على خطوة تصعيدية لتحريك الموقف الإقليمي والدولي لصالحها.
أعتقد أن التحشيد العسكري لقوات حفتر في الشرق وإرسالها للجنوب يمكن أن يكون له علاقة بالتطورات الإقليمية الأخيرة، فحفتر مغرم بالمغامرات العسكرية، وباشاغا مصرّ على أخذ زمام المبادرة بعد الإخفاق الذي منيت به عملية دخول قوات حليفة له للعاصمة في آب/ أغسطس الماضي، ويلائم القاهرة تحرك عسكري حليف لها تجاه العاصمة خاصة إذا وقعت مواجهات بين تركيا واليونان في البحر المتوسط.
هذا السيناريو محتمل، لكنه ليس الأرجح، لأنه لن يلقى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين يجعلان من احتواء روسيا وإضعافها أولوية لهما.
عربي 21