مع اقتراب الذكرى الأولى لانقلاب البرهان.. هل اقتربت تسوية سياسية تطيح بالثورة السودانية للأبد؟
معمر إبراهيم
شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_بضعة أيام فقط تفصلنا من مرور عام كامل على انقلاب “البرهان” في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي ضد حكومة الثورة، ولم تنجح سلطة “الانقلاب” منذ ذلك الحين في تشكيل أي حكومة تدير عجلة الدولة، ما شل وعطل العملية السياسية في البلاد تماماً، وانعكس سلباً على حياة المواطنين.
كما هو الحال منذ انقلابه، لم يحدث أي تحول في المشهد، ومع اقتراب هذه “الذكرى” يسارع الانقلابيون الوقت هذه الأيام لنشر الطمأنينة إلى الانفراج الوشيك للأزمة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة في أقرب وقت ممكن لإخراج البلاد من أزمتها الحالية، أو كما تقول سلطة الانقلاب، منذ التاريخ المشؤوم لانقلابها ولم يحدث أي تغيير، سوى جعل الأمور نحو الأسوأ.
الدعاية التي أطلقتها هذه السلطة قوبلت بالسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب استمرار الفشل في الوفاء بأية وعود قطعوها مع الشعب. سواء كانت تلك الوعود عبر بيانات رسمية على شاشة التلفزيون أو مكتوبة، منسوبة إلى قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، أو نائبه في المجلس السيادي الانقلابي، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد ميليشيا “الجنجويد” سيئة السمعة، الذي أعلن بدوره في عدة مناسبات فشلهم في إيجاد أي حل للأزمة.
كما فشلت المبادرات الدولية والمحلية في استعادة المسار الديمقراطي في البلاد، لتقريب وجهات نظر الأطراف بسبب تمسك الجيش بالسلطة وأحاديته واستبعاد المدنيين. قادة الحراك الحقيقي والذين معهم قادوا الثورة، بعد احتجاجات قوية استمرت لأكثر من 4 أشهر متواصلة، حتى بلغت ذروتها في اعتصام أمام قيادة الجيش.
ومع التقارير الإخبارية المتضاربة عن طبخ تسوية سياسية لإنهاء الأزمة، لم تكن هناك بعد نتيجة تشير إلى انفراجة معينة باستثناء التبشير المستمر، مع الذكرى السنوية الأولى للانقلاب ضد السلطة المدنية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك.
كالعادة، أصبح الانقلابيون، سلوكهم يعتمد على تتريس الطريق من المنتصف، حيث نجد ذلك واضحاً خلال متابعتنا لعودة الجيش مجدداً إلى الحراك السياسي المتابع خلال اليومين، والذي تقوده الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة “الإيغاد”، بالإضافة إلى جهود “الآلية الرباعية” ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة.
كل تلك الجهود الجبارة التي لم تكن وليدة اللحظة سبق أن أُفشلت جميعها من قبل قائد الجيش نفسه، الذي أعلن في 4 يوليو/تموز انسحابه من الجهود نفسها في خطاب مفاجئ بثه التلفزيون الحكومي في أعقاب موجة من العنف التي رافقت “مليونية 30 يونيو”.
حينها قال: “إن المؤسسة العسكرية لن تشارك في المفاوضات الجارية التي تسهلها الآلية الثلاثية، لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكونات الوطنية الأخرى من الجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة”.
سقط حديث البرهان هذا، والذي لم يكترث به، ولم يمضِ فيه حتى عاد مرة أخرى اليوم للجلوس بالآلية نفسها التي قطع جهودها، لمناقشة طريقة أخرى للبقاء في السلطة بعد مرور الوقت واقتراب ذكرى الانقلاب الفاشل ولم يفِ بأي وعد مذكورة في خطابه الأول أو الثاني وهكذا.
تعود المظاهرات المطالبة بالحكم المدني والإطاحة بالانقلاب بقوة في ظل رؤية لجان المقاومة المتضمنة في (اللاءات الثلاثة): لا تفاوض ولا شراكة ولا مساومة مع الانقلابيين.
وبالعودة إلى خطاب البرهان الجديد، نجد التراجع خطوتين إلى الوراء وخطوة واحدة إلى الأمام، خاصة في الجلوس مع الآلية الثلاثية التي عرقل جهودها بالفعل.
ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت وسائل الإعلام التابعة لمجلس السيادي الانقلابي: “اجتمع البرهان بوفد الآلية الثلاثية، الذي ضم السيد فولكر بيتريس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال، والممثل الخاص للاتحاد الإفريقي في السودان، السفير محمد بلعيش، وممثل (الإيغاد).
بعد اللقاء قال بلعيش: “لقاء أعضاء الآلية بالبرهان، اتسم بروح الصراحة والإرادة المشتركة، الصادقة والقوية، للتوصل إلى تسوية سياسية، تكون من هندسة أصحاب المصلحة أنفسهم، وعلى أساس أوسع توافق ممكن”.
تصريحاته قابلتها قوى الحرية والتغيير المعارضة للانقلاب بالرد والرفض، “وقالت إنها لا تتفاوض مع الانقلابيين، وأكدت في بيان أنها لم ولن تفوض أياً من المنتسبين لها بالجلوس مع البرهان، قائد الانقلاب، ونفت أن الأخبار المتداولة حول وجود أي اتفاق قد تم التوصل إليه بشأن التسوية”.
ليظل السؤال: كيف تسير التسوية المزعومة في الوقت الذي يعود فيه الشارع بمظاهرات ترفض أي تسوية تؤدي إلى الجلوس مع قادة الانقلاب؟ وما حقيقة هذه التسوية؟
في تصريحات، قال نور الدين صلاح الدين، القيادي بقوى الحرية والتغيير: “إن ما يجري في الساحة السياسية حول اتفاق التسوية السياسية هو مجرد تكهنات، مؤكداً أنه لا توجد اجتماعات رسمية أو غير رسمية مع المكون العسكري الانقلابي”.
أخيراً، في ضوء كل هذا التناقض المشوش. الذي يضع العقبة أمام نجاح أي تسوية سياسية هو الشارع الثوري الذي لا يمكن تجاوزه بالمضي قُدماً إن حدثت التسوية بالفعل، وإن تمت فهي عرضة للفشل؛ إذ كيف لقوى الثورة التي تراهن على “الشارع” أن تتجاوزه وتمضي بكل بساطة لذات الدائرة؟ والشارع هو الذي وضع لها الحل لإنهاء الانقلاب بوثيقة شروطها عدم التنازل لاستخلاص مشروع “دستور” تتفق عليه جميع القوى المناهضة لتضع المؤسسة العسكرية كجهة خاضعة للسلطة التنفيذية المدنية، شأنها شأن كل مؤسسات الدولة، مهمتها الأساسية خدمة الشعب والعودة إلى الثكنات دون نكوص يعيدها لتجربة الشراكة التي دائماً ما تنتهي بانقلاب عسكري.
عربي بوست