كيف تتعامل أجهزة الاستخبارات الأوروبية مع المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق ؟

إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ شغلت قضية عودة المقاتلين الأجانب اهتمام أجهزة الاستخبارات ووسائل الأعلام، تحديدا بكيفية عودة هؤلاء المقاتلين إلى أوروبا، رغم وجود رصد ورقابة مشددة على الحدود الخارجية والداخلية إلى دول الاتحاد الأوروبي وأوروبا عموما ؟ دول أوروبا لم تخفي مساعيها بإيجاد تعاون استخباراتي وتقاسم المعلومات حول المقاتلين الأجانب مع الحكومة العراقية، ومع الجماعات المسلحة والصليب الحمر في سوريا.هذه الجهود جميعها، مازالت تثير الكثير من التساؤلات حول جدوى التعاون ألاستخباراتي وإجراءات الأمن المشددة؟أعلنت الشرطة الدولية “الإنتربول” قائمة من (173) إرهابيا ينتمون لـ”داعش”، يعتقد أنهم تلقوا تدريبات لتنفيذ هجمات في أوروبا، انتقاما للهزائم التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق، وتلقى “الإنتربول ” معلومات ساعدته في تحديد أسماء العشرات من المشتبه بتخطيطهم لهجمات في أوروبا،وتعتقد دول أوروبية عدة أنه مع تراجع “داعش” في العراق وسوريا، فإن مخاطر شن متطرفي التنظيم لهجمات في القارة تتزايد، لا سيما مع عودة بعض “الإرهابيين المحتملين” من مناطق الصراع في سوريا والعراق إلى بلدانهم.

التعاون الاستخباري بين دول الاتحاد الأوروبي و العراق.

 الحكومة البلجيكية : ذكر رئيس البعثة العراقية لدى الاتحاد الأوروبي  خلال شهر مارس 2017 بأنه هناك  تنسيقا أمنيا واستخباريا عالي المستوى بين العراق وبلجيكا في ملف مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية التي تندس بين مجاميع اللاجئين القادمين إلى أوروبا”، وأوضح أن “لقاء وزير الدفاع بنظيره البلجيكي خلال زيارة بغداد، بحث الإمكانات والمساعدات اللوجستية التي يحتاجها العراق وتعميق التعاون العسكري في بعض الاختصاصات الدقيقة.وفي حديث حصري للمركز الأوروبي مع الدكتور هشام عوكل، مدير شبكة المدار الإعلامية الأوروبية، ذكر بان البرلمان البلجيكي مازال منقسما على نفسه حول كيفية التعامل مع العائدين من صفوف داعش، فريق داخل البرلمان البلجيكي، يطالب بإعادة تأهيلهم من جديد مع فرض رقابة شديدة، وفريق أخر يفضل عدم عودتهم إلى بلجيكا ومحاكمتهم في بلدانهم الأصلية، الأم، وحرمانهم من الرعاية الاجتماعية، واعتبارهم مجرمين، وهذا الرأي اجمع عليه أيضاً تكتل اليمين واليسار داخل البرلمان. وتطالب أيضاً بمحاكمتهم في الدول التي سافروا لها وقاتلوا ضدها إلى جنب صفوف داعش.وأضاف الدكتور هشام عوكل مدير شبكة المدار الأوروبية، بأنه لا توجد لحد الآن رؤية واضحة بكيفية التعامل مع هذه الشريحة. لكن على العموم تطالب بتجريم هذه الجماعات، واعتبارهم مجرمين حرب، ليكونوا رادعا لبقية الشباب بعدم الانتماء إلى صفوف داعش والجماعات المتطرفة.وردا على سؤال المركز الأوروبي، فيما أن كانت هناك خدمات قنصلية تقدم لهم في العراق أو سوريا” أجاب الدكتور عوكل : يعتقد بأنه لم تقدم الخدمات القنصلية لهم في العراق، بسبب عدم وجود سفارة بلجيكيا، واستدرك الدكتور عوكل بالقول، “رغم ذلك فهناك تعاون امني واستخباراتي بين الحكومة البلجيكية والحكومة العراقية.وتطرق الدكتور عوكل بان المتهم أبو حمزة البلجيكي، طارق جدعون لقيادي البلجيكي في تنظيم داعش، الذي اعتقلته السلطات العراقية وينتظر عقوبة الإعدام في العراق، بأنه مازال معتقلا. وأضاف الدكتور عوكل قائلا: “غير متأكد من احتمالات تسليم أبو حمزة البلجيكي إلى بلجيكا، رغم وجود قضايا ضده في القضاء البلجيكي”. تقديرات المركز الأوروبي القائمة على معلومات مصنفة، تفيد انه ممكن أن يلقى حكم الإعدام في العراق.

الحكومة الألمانية : يبدو أن هناك تراجع نسبي في موقفها من المقاتلين العائدين إلى ألمانيا، و ليس من المؤكد أنها تراجعت عن فرض عقوبات قضائية ضد أعداد منهم وإخضاعهم إلى المراقبة المشددة، رغم أنها اعترفت بعودة 30% من بين 960 مقاتلا يحملون الجنسية، وتقارير الاستخبارات أكدت اعتقال  90 شخصا فقط، على العموم، فأن ألمانيا تخضعهم للعقوبات القضائية غير المشددة بأحكام تتراوح مابين 3 ـ 5 سنوات فقط.

الحكومة الفرنسية: ترفض عودة مقاتليها إلى فرنسا ويقدر عددهم ب 2000 مقاتل، وتفضل قتلهم في سوح القتال، وهذا ما أكدته الحكومة الفرنسية في أعقاب صدور قانون مكافحة الإرهاب الجديد والذي تم تنفيذه مطلع شهر نوفمبر من عام 2017.

الحكومة البريطانية : يشكل عودة المقاتلون الأجانب إلى بريطانيا بعد المشاركة في القتال في سوريا والعراق تهديد كبيرا على الأمن القومي ، وتكمن خطورة “الجهاديين “العائدين إلى بريطانيا في صعوبة مراقبتهم بشكل دقيق، وأنهم أكثر خبرة بالحروب والمعارك وتنفيذ الهجمات الإرهابية، ويتعين على بريطانيا أن تكون على استعداد لمواجهة العائدين من مناطق الصراعات ، وملاحقة المتطرفين ،وأن تلعب الأجهزة الأمنية دوراً أكبر في مكافحة الإرهاب. وتخضع بريطانيا العائدين من القتال الى عقوبات قضائية مشددة، وهي تفضل قتلهم في العراق وسوريا، على غرار الموقف الفرنسي.

أعلن الاتحاد الأوروبي خلال شهر أكتوبر 2017 إطلاق بعثة  لإصلاح القطاع الأمني في العراق، على أن تعمل بالتنسيق مع وفد الاتحاد في العراق والتحالف الدولي ضد “داعش” وجهات أخرى. وصرح “باترك سيمونيت” رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي ببغداد السابق في مايو 2017  أن “دول الاتحاد الأوربي ستكون شريكة مع حكومة بغداد من أجل إنشاء نظام أمني فعال وشدد على ضرورة أن “يكون هناك تعاون مع العراق في مجال التحديات التي تواجهه خاصة مع قرب مرحلة القضاء على داعش”.

التعاون الاستخباري بين دول الاتحاد الأوروبي و الصليب الأحمر

أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نهاية عام 2017، أنها تمكنت من الوصول إلى أكثر من  (1300) زوجة أجنبية وطفل لمن يشتبه في أنهم مقاتلون في تنظيم” داعش”، وتحتجز القوات العراقية هذه الأسر بالقرب من الموصل.وقال “باتريك هاميلتون” خلال شهر اكتوبر2017 نائب مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إفادة صحفية في جنيف “بوسعنا أن نؤكد أننا تمكنا من الوصول إلى هؤلاء الأفراد وعددهم (1300 ) ونزورهم”.

التعاون مع الإنتربول الدولي والأوروبي للحصول على قاعدة بيانات المقاتلين الأجانب

دعت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “إنتربول” فى سبتمبر 2017 الدول الأوروبية إلى الحصول على بيانات “بيومترية” من مسلحي تنظيم “داعش” وجماعات متطرفة أخرى من أجل مساعدة أجهزة الأمنية، لاسيما عند العودة إلى أوطانهم.وقال الأمين العام لإنتربول “يورغن ستوك” إن المنظمة لديها بيانات تعريفية عادية، مثل بصمات الأصابع والحمض النووي(DNA) أو صور الوجوه مثل المسح الضوئي، لنحو (10%) من بين (9000) “مقاتل إرهابي أجنبي” على قاعدة بياناتها، وذكر أن ما يقدر (15000)  مقاتل من أكثر من( 100) دولة ما زالوا بشكل رئيسي في سوريا والعراق.وصرح “وينرايت ” رئيس جهاز الشرطة الأوروبية “يوروبول” إن قاعدة بيانات، تتبعت أجانب سافروا بين أوروبا وسوريا والعراق، حيث تشمل حوالي (10000) اسم،و أن(1000) اسم من هذه الأسماء تأكد أنهم مقاتلون أجانب، أما الباقون فهم مشتبه بهم، أو أصدقاء لهم، أو وسطاء، وأفاد “وينرايت ” أن نصف أسماء من في قاعدة البيانات جاءوا من خمس دول أوروبية فقط.

دور وكالة “فرونتكس” في رصد المقاتلين الأجانب

كشفت  وكالة “فرونتكس” في يونيو 2017 أنه وصل إلى إيطاليا حوالي (36000) مهاجر منذ بداية عام 2017، أي بزيادة نسبتها (43%) عن الفترة نفسها من عام 2016 ،ولمعالجة إشكالية الهجرة غير الشرعية أصبحت لديها اليوم القدرة على نشر ما بين (1300 و1400) فرد من حرس الحدود في وقت واحد في عدة مناطق عمليات لمكافحة المهربين ،ومسك الحدود الخارجية الأوروبية ، وكذلك تقديم أية معلومات وبيانات عن المقاتلين الأجانب.ويقول”كريستوف بوروفكسي” المتحدث باسم وكالة “فرونتكس” فى سبتمبر 2017 “يبدو أن المهربين يحاولون إيجاد طريق عبر البحر الأسود”، ومشهد وصول المهاجرين منهكي القوى إلى سواحل البحر المتوسط كان مألوفاً لفترة طويلة، خصوصاً مع هروب عشرات الآلاف السوريين من بلدهم ومن مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان والأردن، لكن رؤيتهم على شواطئ البحر الأسود تثير التكهنات بشأن طريق جديدة يسلكها هؤلاء للوصول إلى دول غرب أوروبا”.

الاستخبارات الأوروبية تستهدف عصابات التهريب لرصد المقاتلين الأجانب

أفاد تقرير في يناير 2017 لجريدة “فايننشال تايمز” إن تنظيم “داعش” أصبح في الوقت الحالي “المركز الرئيس لتجارة وتهريب البشر “، مشيراً إلى أن التنظيم هو “أكبر مشترٍ للبشر، كما أن مقاتليه هم أهم سلعة يتاجر بها”، كما يلفت التقرير إلى أن التنظيم يبيع المقاتلين أيضاً إلى المجموعات المسلحة الأخرى في سوريا من أجل الحصول على أموال، كما يبيعهم إلى قوى أجنبية مقابل الحصول على الأموال.ذكرت الشرطة الألمانية في ابريل 2017 أنها قبضت على عصابة لتهريب البشر تضم ألمانيين وسوريا واحدا، وتشتبه السلطات في أن المقبوض عليهم نقلوا ما لا يقل عن (60) لاجئا بشكل غير مشروع إلى ألمانيا،وتحصلوا مقابل ذلك على مبلغ يتراوح بين( 800 إلى 1500 ) يورو عن كل شخص.أعلنت الشرطة الإيطالية في فبراير 2017  تفكيك خلية إجرامية باعت أوراق عمل مزورة لآلاف اللاجئين، ما يسمح لهم بالحصول على تصاريح إقامة إيطالية والانتقال إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي،وألقت الشرطة القبض على زعيم الخلية، وهو محاسب 55 عامًا من ميلانو، ووسطاء من كل من مصر وإيطاليا والمغرب وباكستان وتونس، قاموا خلال الفترة من 2007 وحتى 2016 بتأسيس شركات وهمية توظِّف ما وصفه المحققون بأنه «عدد هائل» من غير مواطني الاتحاد الأوروبي.ويدفع الزبائن ما بين (320- 3200 $) مقابل الأوراق، وقام المحققون حتى الآن بحل (35) شركة وهمية وفرت وظائف مزورة لـ (1536) شخصا، وجمعت ثلاثة ملايين يورو من 2012 إلى 2016.

إجراءات الحكومات والمفوضية الأوروبية لرصد عودة المقاتلين الأجانب.

  • تحسين الرقابة الخارجية على الحدود وتحديد الأشخاص الذين يتجاوزون مدة الإقامة.
  • تسجيل بيانات دخول وخروج ورفض دخول رعايا الدول الأخرى الذين يعبرون حدود منطقة” شنغن” الخارجية.
  • مراقبة مواطني الدول الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلكترونيا وتسجيل أسمائهم والإطلاع على جوازاتهم ووثائق سفرهم.
  • استخدام نظام المعلومات الإدارية المتكامل فيما يتعلق بمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي أو الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية،
  • إنشاء آلية فعالة تمكّن من الوصول إلى معلومات السجل الجنائي للأجانب من المدانين في الاتحاد الأوروبي.
  • حصول سلطات حرس الحدود والشرطة وموظفي التأشيرات على كل المعلومات المتاحة عن الأشخاص المشتبه في أنهم يشكلون خطورة أمنية.
  • تأسيس نظام تحذير لمعرفة كافة التفاصيل المتعلقة بالأشخاص الذين أجريت لهم صحف سوابق من بصمات للأصابع وصور شخصية وبصمات لباطن الكف إلى جانب تحليل البصمة الوراثية.
  • تحسين التعاون القضائي في جميع أنحاء التكتل الموحد.
  • تعزيز التعاون مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وغرب البلقان والساحل والقرن الأفريقي، من خلال المزيد من مشاريع مكافحة الإرهاب.
  • الربط الداخلي والخارجي لضمان زيادة التنسيق بين الإجراءات الداخلية والخارجية في مجال الأمن.

يشكل الإرهاب واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن في أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي ، واتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات عدة لتعزيز الإجراءات الأوروبية لـمكافحة الإرهاب، وتعميق جهود مكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى جماعات إرهابية ناشطة هناك، ودعا المجلس الأوروبي إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وطويلة المدى لمواجهة داعش ومصادر تمويله والإمدادات التي تصله.تبقى الجماعات المتطرفة، عناصر غير ساذجة، تستطيع الإفلات من رادار أجهزة الاستخبارات من خلال سلوك طرق سفر ملتوية غير مباشرة ووثائق سفر مزورة للعودة إلى أوطانهم، بعد أن وصلوا إلى حقيقة انهيار”دولة داعش” والتخلي عن القتال.

حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post عدد المهاجرين السريين القادمين إلى أوروبا انخفض العام الماضي
Next post فرنسا .. تدابير جديدة لمحاربة التطرف والإرهاب