البطالة كعاهة رأسمالية طبقية لا علاج لها
عبد السلام أديب
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_1 – في ظل النظام المشاعي البدائي حينما كان الانسان يعيش في جماعات متضامنة يعتمد في انتاج حياته المباشرة وإعادة انتاجها على الصيد وقطف الثمار، وحيث كان يسود إحساس فطري بأن قوة الجماعة وقدرتها على البقاء مرهونة بكثرة عددها وقوة كل فرد فيها، وعلى تضامنها، كانت العلاقات الاجتماعية فيها تقوم على أساس الامتلاك والعمل المشترك وعلى التوزيع المتساوي في ظل غياب الدولة والقانون والنقود والطبقات وهيمنة البعض على البعض الآخر، فلم يكن هناك شيء يسمى بالشغل أو البطالة.
2 – أما في النظامين العبودي والاقطاعي الذي انطلق مع الثورة الزراعية في العصر الحجري الأعلى حوالي عشرة آلاف سنة قبل الميلاد وظهور الملكية الخاصة والطبقات نتيجة انقسام الجماعات البدائية مع ظهور تناقض المصالح، فقد أدت الى ظهور لأول مرة، التبعية الشخصية للطبقات غير المالكة (العبيد والفلاحين الأقنان) إلى أسياد العبيد والاقطاعيين، مما جعل أفراد تلك الطبقات جزءاً من ممتلكات الطبقة المالكة، إما كملكية كاملة (العبيد)، أو ملكية جزئية، بمقدار ما تتوقف حياتهم على حصتهم العينية من ناتج عملهم (الفلاحون الأقنان). وفي ظل هذين النظامين، لم يكن بالإمكان ظهور العاطلين عن العمل الباحثين عنه. وكان انخفاض متوسط العمر يتكفل، من جهة أخرى، بعدم ظهور الفائض البشري.
3 – أما في ظل النظام الرأسمالي الذي ظهر في ظل النظام الاقطاعي في القرن الثالث عشر فإن البطالة أثبحت تشكل ظاهرة متأصلة في نمط الإنتاج الرأسمالي، بحيث اختلفت جذريا عن ما كان سائدا قبل قيام هذا النمط في ظل نمط الإنتاج العبودي ونمط الإنتاج الاقطاعي. وقد ظهر جليا أن أصل الظاهرة هي تلك العلاقة الاجتماعية المختلة والمفروضة فرضا من طرف المجتمع الرأسمالي الناشئ، بين مالكي وسائل الإنتاج الرأسماليين من جهة وبين الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها يوميا لكي تعيش، بعدما تم سلبها من كافة وسائل الإنتاج، خصوصا ملكية الأرض خلال سيرورة تاريخية طويلة.
4 – ونظرا لأن نمط الإنتاج الرأسمالي مقيد بقانون الدورات الاقتصادية التي لا تنقطع الا لكي تظهر من جديد، والتي تتراوح بين منحنيين رئيسيين من الرواج والازمة، حيث تؤدي الأزمة بالضرورة الى تسريح العاملات والعمال وانتشار البطالة حتى تتخلص الرأسمالية مما يعيق ارتفاع معدلات أرباحها، التي تبقى مركز استمرار الإنتاج الرأسمالي.
أولا: تطور ارقام البطالة محليا وعالميا
1 – رغم التحسن في الاقتصاد الرأسمالي العالمي سنة 2021 عما كان عليه سنة 2020 بسبب تراجع نسبي في إجراءات الوقاية من جائحة كرونا، الا ان ذلك لم ينعكس في تحسن ملموس في أسواق الشغل العالمية وظلت معدلات البطالة تسجل اعلى معدلاتها في جل الدول، نظرا للتركيب العضوي القوي للرأسمال، هيمنة رأسمال الثابت مقارنة بالرأسمال المتغير بمعنى هيمنة الآلات والتكنولوجيات ووسائل الإنتاج المادية على أعداد العمال والعاملات، وهو ما يؤدي الى مزيد من استفحال تدهور معدل الربح، ويفاح المجال امام أزمات مستقبلية.
2 – على المستوى الوطني، سجلت مديرية الإحصاء المغربية سنة 2021 معدل بطالة يصل الى 12,3 في المائة بزيادة 0,4 عن سنة 2020، مع تزايد البطالة بشكل ملحوظ بين الشباب في الوسط الحضري المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة والذين كان نصفهم تقريبا بدون عمل. مع تزايد البطالة بشكل ملحوظ وسط الشباب في الوسط الحضري المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة والذين كان نصفهم تقریبا بدون عمل.
3 – وإذا تتبعنا تطور معدل البطالة في المغرب في سنوات 1971 و1982 و1984 و2004 و2014 و2020 على التوالي حسب الارقام الرسمية لنفس المديرية فسنلاحظ المعدلات التالية: 8,8 %، و10,7 %، و16 % ، و11,7 %، و10,9 %، و11,9 %، علما أن هذه المعدلات تحسب انطلاقا من قسمة عدد العاطلين على عدد المشتغلين، وأن أحجامهم تتزايد كلما تزايد معدل النمو الديموغرافي ، وتكون مرتبطة بتقلبات الظرفية الاقتصادية ذات العلاقة مع الدورة الاقتصادية.
4 – إن تتبع احصائيات البطالة في المغرب منذ بداية عقد الستينات، تؤكد كيفية تصاعدها عبر الزمن مع التزايد الديموغرافي، في ظل توسيع نمط الإنتاج الرأسمالي نحو مختلف القطاعات الإنتاجية. ويشكل هذا التتبع صورة حول تسارع هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وتغلغل علاقات الإنتاج الرأسمالي وانقسام المجتمع الى بنيات تحتية اقتصادية واجتماعية تقوم لبنته الأساسية على قوة عمل الطبقة العاملة المأجورة، سواء في القطاع الفلاحي والصيد البحري أو في القطاع الصناعي أو في قطاع الخدمات والإدارة والسياحة الخ من جهة، وبين بنيات مؤسساتية فوقية حاكمة أيديولوجية دينية وسياسية وقانونية وعسكرية وبوليسية خاضعة لدوائر رأي المال العالمية.
5 – كما تبين مدى الاختفاء التدريجي لأنماط الإنتاج القديمة المنهزمة امام نمط الإنتاج الرأسمالي مع ضعف وهزالة مجالات الاندماج في العمل داخل الوحدات الإنتاجية وارتباطها الوثيق بالظرفية الاقتصادية التي تمر منها الدورة الاقتصادية وهل هي في حالة رواج أم في حالة أزمة.
6 – كما ان صعود أو انخفاض معدلات البطالة، تفسر أيضا مدى حدة هجوم السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي دأبت على خدمة تطور نمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي خدمة الطبقات الرأسمالية المهيمنة، خصوصا وأن التدبير المزدوج لهذه السياسات وان كانت تدار من قبل تحالفات طبقية حاكمة في خدمة التطور النمط الرأسمالي فان الثابت في هذه الإدارة هو دور الراجح للقصر، المهيمن باستمرار على الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد والتي تجعل من المستحيل الخروج عن الخط المرسوم لها مسبقا من طرف المستعمر السابق ومن قبل الدوائر الرأسمالية الدولية المتحكمة في المنطقة الجغرافية السياسية التي يوجد بها موقع المغرب الجيو سياسي.
ثانيا: تعريف البطالة
1 – تعرف منظمة العمل الدولية العاطل بأنه هو” كل من هو قادر على العمل، وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى” . وينطبق هذا التعريف على العاطلين الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة، وعلى العاطلين الذين سبق لهم العمل واضطروا لتركه لأي سبب من الأسباب.
2 – فشرط تعريف العاطل هنا هو ان تتوفر لديه سمتان اثنتان هما، أن يكون العاطل قادرا على العمل أولا وأن يكون بصدد البحث عن فرصة عمل. فهناك عدد كبير من الأفراد لا يعملون لأنهم بـبـسـاطـة لا يقدرون على العمل، مثل الأطفال والمرضى والعجزة وكبار السن والذين أحيلوا إلى التقاعد ويحصلـون الآن عـلـى مـعـاشـــات. فـهـؤلاء لا يمكن اعـتـبـارهـم عاطلين، لأن العاطلين يجب أن يكونوا قادرين على العمل. كذلك هناك عدد من الأفـراد القادريـن على العمـل والـذيـن لا يـعـمـــلـــون فـعـــلا، ومـــع ذلـك لا يــجـــــوز اعتبـارهـم عاطليـن لأنهـم لا يبحثون عن عمـل، مـثـل الـطـلـبـة الــذيــن يــدرســون فــي المدارس الثانوية والجامعات والمعاهد العليا، ممن بلغوا سن العمل.
3 – كما قد يوجد عدد من الأفراد الذين يعملون فعلا ويحصلون على أجر أو راتب، غير أنهم مع ذلك يبحثون عن عمل أفضل. وهؤلاء، رغم أنهم سجلوا أنفسهم في مكاتب العمل كعاطلين، لا يجوز اعتبارهم كذلك. كما أن هناك بعض العمال والموظفين الذين يعملون لبعض الوقت بغير إرادتهم، ويرغبون في العمل طوال الوقت، ولهذا فهم يبحثون عن مثل هذا العمل. ومع ذلك فإن إحصاءات العمل غالبا لا تعتبر هؤلاء ضمن العاطلين حتى لو كانوا يعملون ساعة واحدة في الأسبوع، فمثل هؤلاء يمكن تصنيفهم بأنهم في حالة نقص للتشغيل، ويجب أخذهم بعين الاعتبار عند وضع إحصاءات البطالة.
4 – الخلاصة هي، أنه ليس كل من لا يعمل عاطلا. وفي الوقت نفسه، ليس كل من يبحث عن عمل يعد ضمن دائرة العاطلين، وأن دائرة من لا يعملون أكبر بكثير من دائرة العاطلين
ثالثا: تكريس تفاقم البطالة عبر سياسات تدبير الأزمة
1 – ان دراسة تطور الاقتصاد المغربي منذ بداية عقد الستينات تجعلنا نلاحظ مرور هذا الاقتصاد بالعديد من الأزمات الدورية التي قد تطول أو تقصر، حسب الظرفية الاقتصادية السائدة، وحسب السياسات التي تلجأ اليها الدولة لتذبير هذه الأزمات وتجاوزها من أجل الدخول في مرحلة انتعاش جديدة. ففي سنة 1964 عرف المغرب ازمة مالية حادة تطلبت استشارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذان امليا على المغرب جملة من السياسات لتجاوز هذه الازمة. كما عرف المغرب في النصف الثاني من عقد السبعينات ازمة مالية واقتصادية جاءت في سياق الصدمة البترولية الأولى والارتفاع المؤقت في أسعار الفوسفات ثم انهيارها ابتداء من سنة 1975. وهو ما استدعى جملة من التدابير التقشفية سنوات 1977-1980ولجوء المغرب مرة أخرى لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي لتجاوز مديونيته الخارجية الحرجة. وهو ما أسفر عن اعتماد جملة من سياسات تدبير الازمة عرفت بسياسات التقويم الهيكلية تم تنفيذها فيما بين 1983 و1993. ورغم الانتعاش المؤقت الذي خلفته هذه السياسات، نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات، إلا أن ظهور ما سمي في النصف الثاني من عقد التسعينات بالسكتة القلبية، دفع نحو اعتماد سياسات جديدة لتدبير الازمة بإيعاز من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي شكلت عمليا استمرارا لسياسات التقويم الهيكلي. ان الفترة اللاحقة منذ سنة 2000 والى اليوم كانت سلسلة من الازمات وفترات قصيرة من الانتعاش. بدأت بأزمة 2001-2003 ثم اعتمدت سياسات تدبير الازمة سنوات 2005-2007، ثم انفجار أزمة 2008-2011، علميا ومحليا أسفرت عن سياسات تدبير الأزمة 2009-2014 بعد ذلك ظهرت ازمة سنوات 2017-2019، ثم اعتماد سياسات تدبير الأزمة 2020-2022. وتظل الانتفاضات الاجتماعية ظاهرة لصيقة بهذه الازمات وسياسات تذبيرها نظرا لما تخلفه من فقر وبطالة واسعة.
2 – ان هذا التذكير السريع بمراحل الازمات الدورية المتتالية منذ عقد الستينات التي عرفها المغرب، تحيل الى الفترات التي عانت فيها الجماهير الكادحة المغربية من موجات مرتفعة من البطالة والفقر ويمكن العودة الى تفاصيل هذه الفترات في النشرات الإحصائية الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط وتقارير بنك المغرب السنوية، والتي تفسر أسباب اعتماد سياسات تدبير الازمة ومستويات ارتفاع حدة البطالة أو تراجعها. لكن الثابت في سيرورة هذا التطور هو ان البطالة في المغرب عرفت منذ أواسط عقد السبعينات تزايدا متواصلا مع تزايد النمو الديموغرافي ومع كل انفجار جديد للازمة والتي تعقبها سياسات تدبير للازمة تكرس المنحى التصاعدي للبطالة.
3 – وتهم موجات البطالة الدورية التي تأتي في سياق تدبير الأزمة الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة والذين يشكلون القسم الاكبر من بطالة اليد العاملة المغربية. ثم بروز أهمية حجم البطالة ومعدلاتها بين حملة الشهادات العليا والمتوسطة . إضافة الى ارتفاع نسبة البطالة بين النساء وأيضا البطالة الواسعة في البادية التي تشهد معدلات بطالة عالية رغم تغليفها ومحاولة التستر على ارقامها الحقيقية، تغذيها سنوات الجفاف الدورية التي شهدها المغرب منذ سنة 1975.
رابعا: عوامل تفاقم مشكلة البطالة
1 – من الصعب حصر كافة أسباب تفاقم ظاهرة البطالة المتواصل في بلادنا نظرا لتداخل هذه الاسباب والابعاد ذات الحساسية الكبيرة التي تكتسيها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذا سنقتصر على استعراض أهم الاسباب المباشرة لتفاقم هذه الظاهرة.
2 – شكلت الأجهزة السيادية للدولة المتمثلة في الادارة العمومية وباقي مكونات القطاع العام المغربي الشكل الانتاجي الذي سيطر خلال عقدي الستينات والسبعينات والى حد ما خلال عقد الثمانينات على باقي الأنماط الاجتماعية الاخرى للإنتاج. الا أنه في اطار سياسات تدبير الازمة عبر ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي المعتمد في بلادنا منذ بداية عقد الثمانينات، بدأت حركة تحول جدري في طبيعة الشكل الانتاجي المسيطر الذي تقوده الدولة. وقد تمثل هذا التحول في انقلاب الوزن النسبي للإدارة العمومية والقطاع العام، لصالح القطاع الخاص الوطني والاجنبي المستند على قواعد الربح وآليات السوق، والذي بدأت سيطرته تتوسع الى سائر الأنماط الاجتماعية الأخرى للإنتاج والتشغيل.
3 – كان من نتيجة تراجع دور الدولة في التنمية والضعف الذي دب تدريجيا في أوصال القطاع العمومي وما نجم عن ذلك من تراجع في مستوى الاستثمار العمومي، باستثناء مشاريع البنية التحتية، أن تراجع مستوى التشغيل في قطاع الوظيفة العمومية وباقي مكونات القطاع العام والذي لم يعد هو المجال الرئيسي للتشغيل واستيعاب اليد العاملة الجديدة بالمغرب، رغم أن هذا التراجع لم يواكبه الى حد الآن نمو مقابل في مقدرة القطاع الخاص للحلول مكان الدور القيادي الذي كانت تلعبه الدولة.
4 – بدأت مشكلة البطالة تحتد في المغرب بدءا من اعتماد سياسات تدبير الأزمة عبر مبادئ سياسة التقويم الهيكلي والتي أصبحت قاعدة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة في المغرب منذ ذلك الحين والى غاية اليوم. فهذه السياسات التي تقوم من جهة، على تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتحللها تدريجيا من الالتزامات الاجتماعية التي سارت عليها منذ بداية الستينات: التشغيل الواسع ودعم المواد الاستهلاكية والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والتخفيف عن كاهل الفقراء والمحرومين والضمانات الاجتماعية، عبر التوسع في الخدمات العمومية كالصحة والتعليم وتوفير السكن الاقتصادي. ومن جهة أخرى، على تراجع دور التخطيط الاقتصادي والقطاع العام والاعتماد على آليات السوق، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للحلول مكان القطاع العام، والترحيب بالاستثمار الاجنبي لاستملاك المرافق العمومية عبر خوصصتها في ضوء ما تقرر له من مزايا وضمانات وحوافز.
5 – أدى تفاقم الأزمات الدورية التي شهدها الاقتصاد المغربي الى تفاقم اختلال التوازنات الخارجية من خلال عجز ميزان المدفوعات، واختلال التوازنات الداخلية من خلال عجز الميزانية العامة للدولة. وقد تسبب ذلك في ضغوط خارجية تمثلت في زيادة أعباء الديون، وضغوط داخلية شديدة تمثلت في ارتفاع معدل التضخم. وقد هدد كل ذلك وجود وتطور نمط الإنتاج الرأسمالي وخصوصا البرجوازية المهيمنة الراعية لهذا النمط، فكان لا بد من اعتماد سياسات طبقية تعالج الأزمة بما يحافظ على نمط الإنتاج القائم. لقد كان ذلك في الحقيقة هو الدافع الى التوقيع على اتفاقيات برامج التقويم الهيكلي مع كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير. والخضوع بالتالي لشروط قاسية أدت الى تفاقم البطالة تفاقما شديدا بالإضافة الى النتائج الاجتماعية الأخرى المصاحبة.
خامسا: مجالات تفاقم البطالة:
1 – شهدت الادارة العمومية تراجعا بينا، عن سياسة تشغيل الخرجين الجدد في اطار الخدمة المدنية، ووقف التوظيف المباشر في القطاع العمومي
2 – ضعف معدل الاستثمار المحلي، نتيجة لانخفاض معدل الادخار، مع تراجع دور الدولة وتزايد قوى الاستهلاك العمومي غير المنتج، وضعف امكانات الاقتراض الخارجي وضآلة ما تدفق على المغرب من استثمارات اجنبية مباشرة. حيث ترتب عن كل ذلك ضآلة فرص التوظف في القطاعات الانتاجية.
3 – استخدام وسائل تكنولوجية جديدة لا تسمح باستيعاب أعداد كبيرة من العمال وهي تكنولوجيا مكثفة لرأس المال، سواء عبر نشاط الاستثمار العام أو الاستثمار الخاص.
4 – ضعف معدل النمو في القطاع الزراعي، بسبب الجفاف المزمن، مما ترتب عنه خلق فائض سكان نسبي بالبادية، راح يتدفق نحو المدن بحثا عن عمل دون جدوى.
5 – انكماش قدرة القطاع الهامشي (وهو قطاع عريض يضم عمالا غير معلنين مثل الباعة المتجولين وجامعي القمامة والعمال الموسميين وعدد من المنتجين كالحدادون والنجارون والنساجون….الخ )عن استيعاب المزيد من اليد العاملة الجديدة، بسبب النمو المفرط الذي حدث في هذا القطاع من ناحية، وبسبب انخفاض الطلب على الخدمات التي يؤديها نتيجة لتدهور مستويات الأجور ومستوى المعيشة، من ناحية أخرى.
سادسا: الأسباب المعيقة للاستثمار المنتج والمستوعب للشغيلة
1 – تزايد أعباء الديون الخارجية، حيث أصبحت مبالغ خدمة الديون (الفوائد+الأقساط) تلتهم ما لا يقل عن 80 % من اجمالي حصيلة صادرات المغرب.
2 – أدى ارتفاع معدل خدمة الديون الخارجية الى اضعاف قدرة المغرب على الاستيراد، وهو الأمر الذي يهدد انتظام تدفق الواردات الضرورية الوسيطة والاستثمارية خصوصا مصادر الطاقة مما يحدث آثارا سلبية واضحة على الانتاج والاستثمار والتشغيل.
3 – تراجع قدرة المغرب في الحصول على القروض الخارجية، بسبب السياسة الانكماشية التي انتهجتها مصادر الاقراض الخاصة والعامة الأجنبية، خاصة منها العربية.
4 – تراجع أسعار الصادرات المغربية، وفي مقدمتها المواد الاستخراجية كأسعار الفوسفاط مثلا.
سابعا: دور الطبيعة الهجينة لأسواق الشغل في سوء استيعاب الايدي العاملة العاطلة:
تساهم الطبيعة الهجينة لأسواق الشغل بالمغرب في تفاقم حدة البطالة. ويمكن ارجاع هذه الطبيعة الهجينة الى تعدد الأشكال الاجتماعية للتشغيل والانتاج، وتباين القواعد والآليات التي تحكم سعر الأجر ودخل العمل فيها، وتفاوتها من حيث درجة تطورها الاقتصادي والاجتماعي والتقني، وفي مدى مساهمتها في توليد الناتج الداخلي الإجمالي. ومن اهم هذه الأشكال الاجتماعية المتفاوتة في الإنتاج هناك:
1 – قطاع الوظيفة العمومية (الموظفون واعوان الدولة والمستخدمون المتعاقدون).
2 – قطاع المؤسسات العمومية (المقاولات الادارية أو الانتاجية المملوكة للدولة).
3 – القطاع الخاص الذي يعمل في الميادين الزراعية والصناعية وقطاع الخدمات.
4 – القطاع المختلط الذي يضم رأس المال المحلي والاجنبي.
5 – قطاع رأس المال الأجنبي.
6 – القطاع التعاوني.
ثامنا: الطابع الطبقي لسياسات تذبير الازمة وتفاقم البطالة
1 – أن ارتكاز السياسات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا على استراتيجيات تدبير الأزمة المملاة من طرف المؤسسات المالية الدولية تتجلى في التطبيق الصارم للسياسات المنبثقة عن برامج التثبيت والتقويم الهيكلي واستمرارها عمليا (1983-1993) حتى بعد انتهاء مدة تطبيقها والى الآن. وقد أدت نظرا لطابعها الطبقي، الى وضع كوابح شديدة أمام امكانات حل مشكلة البطالة، اضافة الى زيادة أعداد المعطلين. فجل هذه السياسات تعتبر ذات طبيعة انكماشية، لكونها تستهدف القضاء على فائض الطلب المحلي، على النحو الذي يؤدي الى خفض العجز بميزان المدفوعات وحصره في حدود مناسبة يمكن تمويلها بتدفقات طوعية لرأس المال الأجنبي، وبما يتوافق مع قدرة البلاد على خدمة ديونها والتزاماتها الخارجية مستقبلا. اضافة الى ما تشكله خوصصة القطاع العمومي من تسريح للعمال.
2 – وفيما يلي أبرز سياسات تذبير الازمة التي تعتمد باستمرار من خلال القوانين المالية السنوية والتي لها تأثير مباشر في خفض الطلب على اليد العاملة:
أ – تخلي الدولة نهائيا (تقريبا) عن الالتزام بتعيين الخريجين حاملي الشهادات وتجميد التوظيف العمومي، حتى يمكن التحكم في نمو بند الأجور والمرتبات بالميزانية العامة. كما تم سنة 2004 اعتماد الإحالة المبكرة على التقاعد لمئات من الموظفات والموظفين في الإدارات العمومية مع اقفالمناصبهم الإدارية ودون تعويضهم بموظفين جدد.
ب – أدت الزيادة في الضرائب غير المباشرة، والغاء الدعم وزيادة أسعار منتجات القطاع العمومي والرسوم على الخدمات العامة وترك الأسعار لتتحدد في ضوء آليات العرض والطلب، الى احداث خفض ملموس في حجم الدخل العائلي المتاح للإنفاق، مما أثر على حجم الطلب المحلي، وأدى بالتالي الى حدوث كساد واضح بالأسواق وتراكم غير مرغوب في المخزون السلعي لدى المنتجين. مما نجم عنه خسائر وافلاسات كثيرة، ترتب عنها تسريح أعداد لا بأس بها من الشغيلة.
ج – أدى ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والتشغيل والمستلزمات السلعية، المحلية والمستوردة (بعد خفض القيمة الخارجية للدرهم في النصف الأول من عقد الثمانينات) الى زيادة تكاليف الانتاج المحلية في مختلف القطاعات الانتاجية، في وقت لا تستطيع فيه هذه القطاعات أن ترفع من مستوى الانتاجية لمواجهة أعباء هذه الزيادة وكانت نتيجة ذلك حدوث خفض ملموس في الفائض الاقتصادي المتحقق في هذه القطاعات، ومن ثم تدهور في قدرتها الذاتية على التراكم والحد من التوسع في خطط الانتاج. وقد أثر ذلك سلبا في الطلب على اليد العاملة.
د – أدى خفض معدل نمو الانفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية الضرورية، كالتعليم والصحة والاسكان الاقتصادي. الى خفض مواز في طلب الادارة العمومية على اليد العاملة المشتغلة بهذه الخدمات ونشير في هذا الصدد الى ظهور ظاهرة بطالة الأطباء، والمهندسين والدكاترة.
ه – كذلك أدى تقليص دور الدولة والقطاع العام في النشاط الاقتصادي الى تراخي الاستثمار العمومي في خلق طاقات انتاجية جديدة تستوعب الأيدي العاملة العاطلة باستثناء الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية، وهي مشاريع تعتمد على تكنولوجيا مكثفة لعنصر رأس المال وعلى أيدي عاملة مؤقتة، بمعنى أنها تسرح عقب الانتهاء من انجاز المشروع.
3 – كما أدت إجراءات خفض العجز بميزان المدفوعات كجزء من سياسات تذبير الازمة، والتي صيغت في اطار ما يسمى بتحرير التجارة الخارجية، الى تعميق مشكلة البطالة على الشكل التالي:
أ – أدى ابرام المغرب 52 اتفاقية للتجارة الحرة مع 52 بلد قبل تأهيل اقتصاده لمنافسة هذه الدول، الى خسارة واضحة في ميزانه التجاري نحو غالبية هذه الدول، ومن ثم عجز واضح في ضمان خلق مناصب الشغل الكافية.
ب – أدى خفض القيمة الخارجية للدرهم المغربي وتعويم سعر الصرف تدريجيا، الى ارتفاع كلفة المواد الوسيطة المستوردة في كافة القطاعات التي تعتمد في انتاجها على هذه المواد، ومن ثم الى زيادة الاسعار النهائية لمنتجات هذه القطاعات. وفي ضوء تردي مستوى الأجور الحقيقية للسكان، بسبب الغلاء والبطالة وعدم نمو الأجور والمرتبات بمعدل مساو لمعدل التضخم، فقد عمق ذلك من حالة الكساد الاقتصادي للسوق المحلي من ناحية، والى اضعاف القدرة التنافسية للصادرات المغربية التي تعتمد في انتاجها على واردات وسيطة من الخارج من ناحية أخرى. وكل ذلك كان له تأثير على خفض الطلب على اليد العاملة.
ج – أدى تحرير تجارة الاستيراد الى تعريض الصناعات المحلية الى منافسة غير متكافئة لم تستطع الصمود فيها أمام طوفان المنتجات المستوردة من البلدان التي ابرمت معها اتفاقيات التبادل الحر وقد نجم عن هذا مزيد من الخسائر والافلاسات والغلق لبعض المقاولات، مما كان له تأثير واضح في تفاقم مشكلة البطالة.
4 – كما أدت سياسة الخوصصة وتفويت ملكية القطاع العمومي الى رأس المال المحلي والاجنبي، الى تسريح أعداد ضخمة من اليد العاملة المشتغلة في القطاع العمومي، في ضوء سعي هؤلاء الى تحقيق أقصى ربح ممكن.
5 – وتتعهد السلطات العمومية صراحة للمستثمرين الرأسماليين الجدد في هذه المؤسسات بأنها ستمنحهم كافة الحريات التي تمنح لشركات القطاع الخاص، بما فيها حريتهم في تحديد الحجم الأمثل لليد العاملة. كما روجت لحملة اعلامية واسعة للتخلص من اليد العاملة الزائدة في بعض مؤسسات القطاع العمومي كحث العمال على ترك العمل اختياريا من خلال تشجيع التقاعد المبكر والتلويح بدفع تعويضات مالية لكل من يقرر ترك الخدمة باختياره.
6 – ومما يثير الاستغراب هو ان المستثمرين الأجانب الذين اقبلوا على شراء القطاع العمومي المخوصص يعملون على تحويل فوائض أرباحهم الى الخارج، بدلا من استثماره محليا، وهو ما يؤدي الى زيادة العجز بميزان المدفوعات وزيادة الحاجة للاستدانة من الخارج، والى حرمان البلاد من جزء هام من فائضه الاقتصادي الذي كان من الممكن أن يزيد من قدرته الذاتية على التراكم والنمو وخلق فرص للتشغيل.
تاسعا: بدلا من الخاتمة
1 – يظهر من خلال ما سبق أن المؤسسات المالية الدولية التي تقود استراتيجية تدبير أزمة الرأسمالية العالمية والمحلية، لا يعنيها مسألة مكافحة البطالة ولا زيادة معدلات النمو ورفع مستوى المعيشة، ولا تقليل الاعتماد على العالم الخارجي، أو صيانة الاستقلال السياسي والاقتصادي للبلاد. فكل ما يعنيها هو حماية حقوق الدائنين وخدمة الطبقات المهيمنة وضمان انفتاح البلاد أمام صادرات البلاد الصناعية وتهيئة المناخ للاستثمارات الأجنبية الخاصة من خلال المزايا والضمانات التي تجعل متوسط معدل الربح في البلاد أعلى من نظيره في البلاد الأخرى. وربما يفسر لنا هذا، لماذا ينجم عن برامج التقويم الهيكلي زيادة بطالة القوى العاملة. حيث تصبح هذه البطالة (الجيش الاحتياطي للعمل) أذاة ضاغطة باستمرار على خفض معدلات الأجور الحقيقية وهي أمر مغر لجذب الاستثمارات الاجنبية الخاصة.
2 – وإذا كان الواقع يؤكد أن نمط الإنتاج الرأسمالي نظام لا يتوقف عن انتاج الازمات الدورية. وان الدوائر الامبريالية الرأسمالية العالمية تظل تشرف باستمرار على دوامة سياسات تذبير الازمات التي تخدم التراكم الرأسمالي على حساب العمل. فليس من المتوقع أن يتمخض عن سياسات تدبير الأزمة حل ناجح لمشكلة البطالة، لأن هذه السياسات ليس من مهامها تنمية بلادنا. وبدون التنمية المستمرة لا أمل في علاج هذه المشكلة.
3 – كما يبدوا واضحا ان لا حل لمعضلة البطالة في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يعيش أزمات متواصلة لا تعالج الا على حساب الجماهير الكادحة، وعلى بطالتهم وفقرهم وهو ما يستدعي التطلع المشروع للطبقة العاملة وعموم الفقراء من العاطلين عن العمل، نحو تغيير ثوري للنظام الرأسمالي نحو نظام اشتراكي عادل تنتفي فيه العلاقات الطبقية وهيمنة الأقلية على الأغلبية، وهي لحظة تقترب منها الإنسانية بوقيرة اكثر سرعة في ظل الازمة الختامية للنظام الرأسمالي المعتل.
الحوار المتمدن