لبنان إذ ينتظر مسارات التسوية الرئاسية.. تلازم التنقيب والاستقرار

صهيب جوهر

شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_أربعة ملفات باتت حديث اللبنانيين والمتابعين للاستعصاء السياسي والرئاسي في البلاد، أولها زيارتا كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى السعودية ولقاؤه بولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بعد سنوات من الجفاء السعودي تجاه موقع رئاسة الحكومة، أما الزيارة الثانية فهي لقائد الجيش العماد جوزيف عون إلى دولة قطر والتي باتت محجاً لعدد كبير من المسؤولين السياسيين في لبنان انطلاقاً من كونها وسيطاً إقليمياً نجح في تحقيق خروقات كانت تستعصي على العديد من الأطراف.

بالمقابل، فإن الدعوة للحوار البرلماني الذي سيدعو له رئيس مجلس النواب نبيه بري للكتل النيابية حول الرئاسة ستكون موضع امتحان تاريخي في ظل إصرار أطراف على مقاطعته، كذلك فإن الترقب سيد الموقف تجاه دعوة البطريركية المارونية لحوار مسيحي.

فيما يستمر الفراغ الرئاسي المتمادي ويعبر عن كونه أحد الهموم الوطنية الأساسية؛ حيث استمراره يُبقي الدولة في حالة من عدم التوازن، في ظلّ غياب رئيس الجمهورية وغياب حكومة فاعلة، والخلاف حول اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، كما الخلاف حول التشريع، في ظلّ من يقول بتشريع الضرورة، ومن يقول إنّ مجلس النواب تحوّل هيئة انتخابية لا تشريعية. وهذا الوضع غير المتوازن يرتد عكسياً على الظرف الاقتصادي والاجتماعي الذي يزداد صعوبة.

وعليه فإن لقاء بن سلمان-ميقاتي يعزز فرضية أساسية وهي القدرة الفرنسية على استثمار موقفها في الحراك الإيراني والمؤيد للاحتجاج الشعبي وتحقيق مكسب سياسي لبناني مع السعوديين تجلّى بهذا اللقاء والذي يعني انخراطاً سعودياً مباشراً في الرئاسة اللبنانية.

وهنا يجد القول إن باريس في هذا الخرق الدبلوماسي على جملة مسارات أساسية أبرزها التأثير على بعض الأطراف اللبنانية والضوء الأخضر الأمريكي الذي تحظى به منذ مدة وترجم في لقاء ماكرون-بايدن وما خرج عنه من التزامات لبنانية، وهذا الخرق يوحي بتوحيد المقاربات السعودية-الفرنسية بعد ما افترقت أقدارهما سابقاً بسبب نظرة باريس والرياض المختلفة للعلاقة مع إيران ومع حزب الله.

ولا يمكن فصل كل هذا عن وجود فكرة فرنسية حريصة على إبقاء نجيب ميقاتي في سدة رئاسة الحكومة عبر تعزيز صورته العربية والخليجية أولاً، ومن ثم إظهاره كحاجة سنية بسبب غياب سعد الحريري وتياره عن المشهد وحالة الفراغ التي سببها خروجه منها؛ لذا بات ميقاتي يتصرف كرئيس للحكومة وممثل للبنان في كل المحافل والاجتماعات، وهذا الأمر ينطوي على قناعة فرنسية تقول إنه الأقدر بالوقت الحالي على تمثيل السنّة في منصب رئاسة الحكومة الآن وفي المستقبل.

وميقاتي الذي وبعد لقائه برأس السلطة السعودية -أي ولي العهد- بات يحمل بطاقة دخول إقليمي لكل العواصم الخليجية وسيجري زيارات عربية وإقليمية تشمل الكويت والأردن وتركيا وقطر في المرحلة المقبلة بكونه يتمتع بعلاقات جيدة مع قادة تلك الدول، وهو يحاول تقديم نفسه كقادر على الذهاب لتحقيق المطالب التي أفرزتها “الورقة الكويتية” والذي أبدى لبنان سابقاً موافقته في تطبيقها، وهذا التحرك مرده أن الرجل استطاع عقد جلسة حكومية على الرغم من رفض التيار الوطني الحر ومحاولة جبران باسيل إفشالها ما أكسبه دعماً عربياً وداخلياً من أطراف متعددة على رأسها المكون السني.

بالمقابل، لا يمكن القفز فوق زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى قطر بدعوة من رأس الدبلوماسية فيها، وعلى الرغم من عدم إفصاح الرجل لفحوى الزيارة ونتائجها لكن الشكل يشير إلى أنها زيارة غير عادية وتنطلق من حرص الدوحة على تثبيت المؤسسات الشرعية اللبنانية اقتناعاً من ثابتة عربية تحرص على تماسك الجيش اللبناني وقدرته على الصمود في وجه الانهيار المالي العميق والمترافق مع تضخم اقتصادي يصعب مواجهته بالأدوات المحلية الحالية.

والجيش وخلال السنوات الثلاث الماضية كان المؤسسة الوحيدة التي حظيت بثقة الأطراف الدولية والإقليمية من خلال تخصيص الدول لمساعدات مستمرة وعدم السماح بتعرضه لاهتزاز أو تفكك نتيجة الانهيار المالي.

لذا خصص الجزء الأكبر من الزيارة للبحث في مسألة تقديم المزيد من المساعدات للجيش اللبناني، بعدما كانت دولة قطر الدولة الوحيدة التي قدّمت مساعدات مالية بقيمة 60 مليون دولار للجيش، وهذا الأمر حظي بترحيب دولي على رأسه الولايات المتحدة والتي وجهت إليها الشكر على هذه اللفتة. 

وليس واضحاً ما إذا كانت المباحثات شملت الملف الرئاسي، لكن كل الأطراف تجمع على أن الدوحة، بإمكانها لعب دور مفصلي للوصول لحل سياسي في لبنان نتيجة علاقاتها الواسعة مع كل الأطراف الفاعلة، وتحديداً واشنطن والرياض وطهران، وأي اتفاق قد ترعاه الدوحة سيكرس الاستقرار ويعيد تكوين السلطة ويشرع في البحث عن خطة اقتصادية للإنقاذ، انطلاقاً من أدوار لعبتها في السنوات الأخيرة ونجحت في حل أزماتها ربطاً بصلاتها بكل القوى الإقليمية والدولية. 

ويبدو أن هناك حرصاً لبنانياً لتحسين العلاقات مع دولة قطر، بكونها لعبت دوراً إيجابياً في ملف الترسيم وحظيت بشكر كل الأطراف المعنية بالملف؛ لذا فإن العديد من المسؤولين اللبنانيين، وعلى رأسهم ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والذي زار قطر قد أعلنوا رغبتهم في أن يكون لدولة قطر دور أساسي في الاستثمار بالبلوكات النفطية اللبنانية، سواء في عمليات التنقيب أو في مراحل الاستخراج والاستثمار بكون الدوحة أكبر مصدري الغاز في العالم. ولا سيما أن وزارة الطاقة اللبنانية أعلنت سابقاً عن مفاوضات لبنانية قطرية لحصول الدوحة على نسبة 30% في كونسورتيوم التنقيب عن النفط والغاز.

وكل هذه المباحثات الجارية إقليمياً ودولياً تشير لفتح أبواب صياغة تحالفات وتفاهمات إقليمية للأزمة اللبنانية. ما سيدفع لبنان لعصر مرحلي من الاستقرار والتهدئة ربطاً بملف الغاز والضغط الأمريكي الجاري على حكومة نتنياهو بعدم حصول أي تصعيد بحري في المنطقة.

وهذه التسوية ستبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وستكون هذه المرحلة المفصلية شبيهة بلحظة الإصرار التي رافقت ملف الترسيم، ولكنها ستشمل هذه المرة الاتفاق على سلة متكاملة عنوانها أن المرحلة الماضية القائمة على النهب قد ولت ولن تعود.

عربي بوست

Previous post تونس: انتخابات باهتة
Next post <strong>المشهدُ في الضفة الغربية بعينٍ أمنيةٍ إسرائيلية</strong>