## الموروث الشعبي في لوحات مريم العباني ##        

الفنان التشكيلي عدنان معيتيق

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_   بالكثير من الخصوصية المحلية. رسمت العباني البيوت القديمة ذات الملامح الليبية المتنوعة والمتعددة في هندستها، وفق مكانها الجغرافي ومناخها فليبيا متنوعة المناخات، ومتعددة الثقافات من عرب وأمازيغ وطوارق، ومن هذا التمازج كان للعمارة الليبية تنوعها وخصوصيتها، وهو ما ساهم في إثراء المشهد التشكيلي في تجربتها بلوحات من غدامس وطرابلس القديمة، والعديد من مناطق ليبيا، كما اهتمت بالزي التقليدي النسائي والرجالي، فكانت في العديد من أعمالها في موضوعات الأعراس والمهرجانات الفروسية الشعبية، بما تحمله أزياء الفرسان من خصوصية وجمال، مختلف عن ما هو معروف في بلدان شمال افريقيا كلها، حيث الزي للفارس بالجرد الأبيض الصوفي المتوارث منذ آلاف السنين والمتأصل بعلاقة وطيدة مع الموروث الأمازيغي الأصيل، وما تداخل معه من لون أسود من قطع أخرى للفرملة والسروال المزركش بتوريق بارز من اللون نفسه في تناغم يضفي ألقا رجوليا علي هذه الأزياء، ومازال يحافظ على مستوى من الأناقة بين منتوجات من الملابس الرجالية المعاصرة في العديد من المناسبات، أيضا السرج وملحقاته الذي يزين بها الفرس، بمثابة عمل فني قائم بذاته من خلال شكل المقعد المختلف عن كل ما يستخدم من السروج عند الشعوب الأخرى، والتزيين وطريقة تطعيمه بالفضة والحلي، التي اضفت مذاقا أنيقا في رسم جميل، فكل هذه القيم استعملتها الفنانة في أعمالها بشكل واع لهذا الموروث الشعبي، مع المحافظة على القيمة التشكيلية في العمل، من حيث التدرج والشفافية والألوان الصريحة في العديدة من مناطق اللوحة وتكويناتها، وأوضاع مفرداتها وزوايا الرؤية المنظور.

سطوة الأمومة لا يمكن لكل فنانة مفعمة بالحياة أن تفلت منها، ولو في مراحل معينة، أو بالإشارة إليها في بعض الأعمال الفنية، فالفنانة كانت تسرد جزءا رائعا من حياة الأم التي كانت تعيشها مع والدتها وجدتها، وحياة الأم التي هي تعيشها لحظة بلحظة مع كل أنفاسها، فهي ترسم ملامح فهمنا للأمومة واحتياجنا لها، وليست الأمومة في ذاتها، كما أشارت سابقا في رسم حالة الدهشة والفرح في عيون الأم لطفلها حديث الولادة.

إشباع الفضول التشكيلي

مفرداتها تنوعت والهدف والغاية في رسمها هو الفن نفسه، قبل أن يكون وسيلة نقل أي قضية أخرى فالفنانة مريم العباني تتبنى خطابا معاصرا يصطف مع الأصوات، التي تدعو إلى أن تكون القيمة تشكيلية في ذاتها حتى إن لاحت في الكثير من الأحيان مواضيع تتبنى في شكلها الظاهر مواقف معينة، فهي في حقيقتها تهدف إلى إشباع الفضول التشكيلي قبل كل شيء في بهجة النظر إلى الأشياء المرسومة، التي بدورها تضفي جمالا على عالمنا وتقلل من القبح المتزايد من فعل الإنسان الذي يعيشه.

عوالم بيكاسو كخطوط رشيقة في الكثير من أعمال الوجوه المختزلة عندها وبواكير رسومات الفنان علي العباني أيضا تتخلل تجربة الفنانة من وقت إلى آخر وتتداخل معها، كنوع من العرفان غير المعلن لتجربتهما المؤثرتان جدا في تكوينها الفني في السابق.

ورغم إنتاجها في فترات سابقة رصيدا لا بأس به من الأعمال الفنية، ومشاركتها في العديد من المعارض الفردية والجماعية، إلا أنها في السنوات الأخيرة انحسر إنتاجها ونشاطها، بالكاد ترسم بعض الأعمال كنوع من المقاومة على البقاء في مناطق الرسم والتلوين بالاستريشن والتصوير الضوئي للبورتريهات، وربما كانت محاولة الانتقال إلى فضاء آخر أرحب هو الاهتمام بتصميم الأزياء والأحذية، وفن الفوتوغرافيا الذي سينقل تجربتها من الفن التقليدي إلى تجارب جديدة معاصرة.

نقلا عن صحيفة القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post لأخلاق الحميدة في غياهب الجُب
Next post بارت دي ويفر يعترف بعدم حبه لنظيره جورج لويس بوشيز بارت دي ويفر يعترف بعدم حبه لنظيره