الحفاظ على المزايا العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط
ناثان بي أولسن
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في مجالات مثل القواعد والتفوق الجوي والأسلحة عالية التقنية والاستخبارات، على الولايات المتحدة أن تتصرف بحزم للحفاظ على تفوقها ضد منافسين مثل روسيا والصين.
تدعو “استراتيجية الدفاع الوطني” في الولايات المتحدة لعام 2022 الجيش الأمريكي إلى الحفاظ على المزايا الدائمة وإنشاء مزايا جديدة للمعارك المستقبلية. ووفقاً لـ “استراتيجية الدفاع الوطني”، سيتمكن الجيش الأمريكي، بفضل إنشاء المزايا والحفاظ عليها بهدف تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، من ردع الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وترسيخ قدرة صمود القوة العسكرية والنظام الدفاعي أيضاً. وهذا التحدي مهم جداً في الشرق الأوسط حيث تتمتع الولايات المتحدة بالكثير من المزايا الدائمة التي قد تختفي في النهاية إذا لم تجرِ الحكومة الأمريكية تغييرات كبيرة في طريقة عملها في هذا الجزء من العالم.
إمكانية الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية
تنطوي أكبر ميزة عسكرية أمريكية دائمة في الشرق الأوسط على الحصول على إمكانية الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية. ويملك الجيش الأمريكي اليوم أكثر من 34 ألف جندي ينتشرون في جميع أنحاء المنطقة ويشاركون في التعاون الأمني مع الشركاء الإقليميين. وغالباً ما ضمن الوجود العسكري الكبير إمكانية وصول الولايات المتحدة إلى القادة العسكريين والمدنيين الرئيسيين وأتاح لها الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية في أوقات التوترات الدبلوماسية أو الاقتصادية مع هؤلاء الشركاء. وقد يشكل عاملاً أساسياً عند الدخول في أزمة أو صراع مع الصين التي تحصل – اعتباراً من عام 2021 – على نحو 50 في المائة من نفطها المستورد و 33 في المائة من إجمالي إمداداتها النفطية من الشرق الأوسط.
وإحدى الطرق التي تعزز بها الولايات المتحدة شراكاتها الأمنية – وبالتالي امتيازات الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية – هي من خلال مناورتها الواسعة النطاق وبرامجها التدريبية، وأبرزها “المناورة البحرية الدولية 2022” ومناورة “Cutlass Express 2022” بقيادة الولايات المتحدة، اللتان شملتا سفناً حربية من ستين قوة بحرية إقليمية. ولطالما اعتبر خصوم أمريكا في بكين وموسكو الوجود الأمريكي في المنطقة كميزة استراتيجية وحاولوا مواجهته وفقاً لذلك – وإن كان ذلك من خلال تمارين أصغر بكثير أكّدت القيود في قدراتهم على إظهار قوتهم وقصر شراكاتهم العسكرية. وعلى الرغم من أن هذه الجهود قد تتكثّف قريباً، فمن الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل في التدريبات العسكرية، نظراً لإجرائها ما يزيد عن سبعين مناورة بحرية في الشرق الأوسط العام الماضي.
وتحظى الولايات المتحدة، بفضل العلاقات المبنية عبر الأنشطة العسكرية الإقليمية، بقدرة لا تضاهى على الحصول على تصاريح سريعة لإمكانية الوصول وعبور المجالات الجوية. وتشمل الأمثلة البارزة إمكانية الوصول المباشر إلى قناة السويس التي تمنحها الحكومة المصرية غالباً للبحرية الأمريكية من أجل المرور العاجل. وهذا من شأنه أن يمكّن القوات الأمريكية من إجراء مجموعة واسعة من المهمات في المنطقة، غالباً في غضون مهلة قصيرة.
وقد يعتمد مستقبل إمكانية وصول الولايات المتحدة وبناء قواعدها وحقها في عبور المجالات الجوية في المنطقة على نجاحها في تبديد الشكوك حول التزام أمريكا المستمر بأمن شركائها. ولذلك تحتاج الولايات المتحدة على وجه التحديد إلى بذل المزيد من الجهود لاحتواء أنشطة إيران الإقليمية والنووية، ومساعدة شركائها في الرد بالمثل على الأعمال العدوانية – أي إقامة نوع من الشراكات الحقيقية الموضحة في “استراتيجية الأمن القومي” لإدارة بايدن – عند الضرورة.
التفوق الجوي
لطالما شكلت قدرة الجيش الأمريكي على التفوق الجوي على خصومه والحفاظ عليه إحدى المزايا الأساسية التي يتمتع بها. فقد جعلت الطائرات المقاتلة المتقدمة وأنظمة الأسلحة والدفاعات الجوية الأرضية من التفوق الجوي عنصراً أساسياً في “طريقة الحرب” الأمريكية. إلا أن المنافسين للولايات المتحدة يحدّثون قدراتهم سريعاً، مما يجعل من الصعب عليها الحفاظ على هذه الميزة. ومن اللافت للنظر أن القائد السابق لـ “القيادة المركزية الأمريكية”، الجنرال كينيث ف. ماكنزي الابن، قد أبلغ الكونغرس في ربيع عام 2022 أن الولايات المتحدة “تعمل بدون تفوق جوي كلي” للمرة الأولى منذ الحرب الكورية بسبب قدرات الطائرات بدون طيار التابعة لإيران ووكلائها.
لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا مدى صعوبة اكتساب القوة الجوية التقليدية التفوق الجوي نتيجة وجود أنظمة دفاع جوي وطائرات بدون طيار وصواريخ كروز متقدمة. وتدّعي أوكرانيا أنها أسقطت 80 في المائة من مجموع الطائرات الروسية المسيّرة والصواريخ باستخدامها مجموعة متنوعة من أنظمة الصواريخ والمدافع، وتجدر هنا الإشارة إلى أن روسيا نادراً ما ترسل طائرات مأهولة إلى المجال الجوي الأوكراني. ومع ذلك، تسبب العدد القليل من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي اخترقت الدفاعات الجوية الأوكرانية في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الحيوية والمساكن. واستعداداً للصراعات المستقبلية، من المرجح أن يحوّل خصوم الولايات المتحدة جهودهم نحو بناء دفاعات جوية أكثر تقدماً وطائرات بدون طيار وصواريخ بعيدة المدى لمنع التفوق الجوي الأمريكي.
ومن هنا، من الضروري أن تعمل الولايات المتحدة على تطوير طرق مبتكرة للتصدي لمساعي الخصوم الرامية إلى الحرمان الجوي ولكسب التفوق الجوي والحفاظ عليه. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الجيش الأمريكي دراسة نُهج متعددة المجالات للقضاء على الدفاعات الجوية للعدو. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المخططين الأمريكيين تطوير أساليب خاصة بالمجالات الجوية التي تستخدم مزيجاً من الطائرات المأهولة والطائرات المسيّرة والقذائف والصواريخ البعيدة المدى والدفاعات الجوية المتكاملة من أجل اكتساب التفوق الجوي والحفاظ عليه في المعارك المستقبلية.
أسلحة عالية التقنية ومعضلة المبيعات العسكرية الخارجية
تشتهر قاعدة الصناعة الدفاعية الأمريكية بمنتجاتها المبتكرة، من تقنية التخفي إلى المركبات الجوية غير المأهولة والذخائر الدقيقة التوجيه، وبذلك تكون الشركات الأمريكية قد أرست معياراً للأسلحة العالية التقنية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة المصدر الأكبر والوحيد للأسلحة في المنطقة لأكثر من عشرين عاماً.
إلا أن الحصول على الأسلحة الأمريكية ليس بالأمر السهل، إذ يشكو الكثير من العملاء من ارتفاع الأسعار والتأخيرات الطويلة في عمليات التسليم والمتطلبات الإدارية المعقدة. وفي بعض الحالات، قد تستغرق عملية إخطار الكونغرس بشأن عملية بيع سنوات، في حين يستغرق منح عقد البيع ثمانية عشر شهراً في المعدل. ويجدر بالذكر أن معدل الوقت بين منح العقد والتسليم بلغ بين عامي 2012 و 2021 أربع سنوات لأنظمة الدفاع الجوي وثلاث سنوات ونصف للطائرات وسنتين ونصف للصواريخ. وهذا أمر تعاني منه إسرائيل حالياً إذ تتوقع استلام طائرة “كي سي – 46” في عامي 2025 و 2026، بعد ما يقرب من أربع سنوات من توقيع العقد.
ونتيجة لذلك، بدأ بعض الحلفاء والشركاء في البحث عن أسلحة في دول أخرى. وفي هذا الإطار، أفاد مؤخراً القائد الحالي لـ “القيادة المركزية الأمريكية”، الجنرال مايكل كوريلا، قائلاً، “خلال رحلاتي إلى المنطقة ومكالماتي مع رؤساء الدفاع الإقليميين، أسمع دائماً عن مدى سرعة وسهولة برنامج المبيعات العسكرية الخارجية للصين مقارنة ببرنامجنا”. وتُقدم قاعدة الصناعة الدفاعية الأمريكية ميزة مهمة لأنها تعزز قدرات الحلفاء والشركاء الرئيسيين وتوفر وسيلة للجيش الأمريكي للتشارك والتدريب مع الجيوش في المنطقة – مع تحمّل تكاليف الأسلحة للجيش الأمريكي بِفَضل اقتصاديات الأحجام الكبيرة.
بدورها، يتعين على الولايات المتحدة إصلاح برنامج المبيعات العسكرية الخارجية للحفاظ على ميزة الأسلحة الأمريكية العالية التقنية. وكما قال في أيلول/سبتمبر الماضي وكيل وزارة الدفاع الأمريكية كولن كال، “عمليتنا بطيئة جداً”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه “من الأمور التي أثبتناها مع أوكرانيا هو أنه عندما نتحلى بالإقدام، يمكننا تحدي قوانين الفيزياء البيروقراطية”. ولاحظ الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط السرعة التي ساعدت بها الولايات المتحدة أوكرانيا، وتساءلوا عن ازدواجية المعايير تجاه المساعدة في الدفاع عنها ضد العدوان الإيراني. ولذلك، سيؤدي إلغاء بعض الإجراءات الإدارية الروتينية في عمليتَي إخطار الكونغرس ومنح العقود إلى تقصير المهل ومساعدة الولايات المتحدة على البقاء خياراً مغرياً للحصول على الأسلحة.
قدرات الاستخبارات الإقليمية والعالمية
مكّنت الحرب في أوكرانيا الولايات المتحدة من إظهار قدراتها الاستخباراتية الفريدة. فبعد أن كشفت أمريكا علناً عن التحركات الروسية قبل حدوثها، نجحت في تشكيل الأحداث المتعلقة بالحرب في أوروبا وأماكن أخرى، وقد وفرت المخابرات الأمريكية لأوكرانيا ميزة حاسمة على روسيا في الاستهداف والعمليات. وتأتي هذه الميزة الدائمة إلى حد كبير من نوعية الأصول الأمريكية المكرسة لجمع المعلومات الاستخبارية وكميتها. وقد ساعد الجمع بين المصادر العالمية والأقمار الصناعية الحكومية والتجارية والقدرة المحسنة على رصد الاتصالات والمواد المفتوحة المصدر، الولايات المتحدة في رسم صورة واضحة للغزو الروسي. بالإضافة إلى ذلك، تميزت الولايات المتحدة بتطورها في مجال التشفير وتكنولوجيا التجسس الإلكتروني بشكل لا يستطيع منافستها فيه سوى عدد قليل من البلدان. وتستفيد منطقة الشرق الأوسط بحد ذاتها بشكل كبير من الاستخبارات الأمريكية التي تواصل مساعدة الحلفاء والشركاء في تحديد مواقع الأعضاء الرئيسيين في تنظيم “الدولة الإسلامية” وتحييدهم.
ولكي تحافظ الولايات المتحدة على توفقها في مجال الاستخبارات، يتعين عليها تحديث سياستها فيما يتعلق بالمعلومات السرية. لقد أصبحت اختراقات البيانات السرية أمراً عادياً يسبب الإحباط والإرتباك بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها. ولذلك تقتضي الخطوة الأولى الحدّ من عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات السرية، وهو أمر على الولايات المتحدة القيام به لاستعادة مصداقيتها في العالم ولتظهر لحلفائها وشركائها أن المعلومات الاستخباراتية التي تحتفظ بها موثوقة ولن تتم مشاركتها مع الخصوم أو تسريبها إليهم. وفي الوقت نفسه، أثبت الإفصاح المتعمد في أوكرانيا جدواه في تشكيل الأحداث والتصدي للمعلومات المضللة. وفي المقابل، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تستخدم المعلومات الاستخباراتية لتشكيل ساحة المعركة بقدر أكبر من الراحة، لأن الغرض من الاستخبارات في نهاية المطاف هو خدمة السياسة – سواء من خلال دعم العمليات العسكرية أو التأثير على بيئة المعلومات.
الخاتمة
تتمتع الولايات المتحدة على الدوام بفوائد المزايا في إمكانية الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية والتفوق الجوي والأسلحة العالية التقنية والمبيعات العسكرية الأجنبية والاستخبارات. ولكن هذه المزايا لن تبقى إلى الأبد ما لم تفعل أمريكا الضروري للحفاظ عليها. فالصين وروسيا تتطلعان إلى تعزيز انخراطهما العسكري ونفوذهما في الشرق الأوسط والتصدي للقدرات الأمريكية التقليدية أو تقويضها. وبالتالي، يؤكد العصر الحالي المتسم بتنافس القوى العظمى ضرورة اتخاذ خطوات أمريكية حاسمة ومدروسة للحفاظ على هذه المزايا التقليدية.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى