الرسالة التي سهلت للعرب فتح الأندلس “أميرة إسبانية أسهمت في مهمة القائد طارق بن زياد ضد الملك لذريق”

أطهر رسول

شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_قصر الملك لذريق في عاصمة الإمبراطورية الإسبانية (طليطلة) لا يزال هادئاً، خدم القصر وحاشية الملك قد خلدوا إلى النوم. كانت هذه إحدى الليالي الباردة في شتاء عام 710 ميلادي عندما توجه أحد الغلمان مسرعاً على ظهر جواده ناحية الغرب ومعه رسالة من أميرة وعدته بأنها ستمنحه منصباً عالياً في الجيش لو نجح في إيصالها إلى والدها.

كانت الأميرة فلورينا ابنة الحاكم البيزنطي الكونت جوليان، وحفيدة ملك إسبانيا السابق الملك فيتيكا. كان والد الأميرة يحكم مدينة سبتة، آخر معاقل البيزنطيين في شمال أفريقيا قرب معبر جبل طارق. أما الدول الأخرى في شمال أفريقيا مثل مصر والمغرب كانت قد سقطت بالفعل في أيدي العرب، وقد حاولوا مراراً فتح مدينة سبتة أيضاً لكن قوة الكونت جوليان حالت دون سقوطها.

الهجوم الجديد على المدينة من قبل العرب كان يقوده موسى بن نصير الذي عينه الخليفة وليد بن عبدالملك قبل فترة قصيرة والياً على المنطقة. يقول العلامة المقري في كتابه “نفح الطيب” الذي يعد تاريخاً موثوقاً للأندلس “توجه جيش موسى إلى المدن المطلة على ساحل البحر والتي كانت تتبع الحاكم الأندلسي، كانت سبتة عاصمة هذه البلدان وكان يحكمها رجل يسمى جوليان. هجم موسى على المدينة وجرى بينهم اقتتال لكنها استعصت على القائد العربي بسبب شجاعة جوليان في الحرب وقفل موسى راجعاً إلى مدينة طنجة”.

بعد أيام من هجوم موسى الفاشل على سبتة، تسلم الكونت جوليان رسالة غريبة اشتاط بعد قراءتها غضباً، وقرر فوراً تسليم المدينة إلى العرب وذهب هو بنفسه إلى بلاط الملك لذريق. هذه الرسالة كانت من الأميرة فلورينا التي أوصلت الرسالة إلى والدها على يد أحد الغلمان.

فحوى الرسالة

يقول المؤرخون كان العرف في ذلك الزمان أن يرسل النبلاء بناتهم إلى بلاط الملك من أجل التعليم، وبذلك تتعلم الأميرات الشابات القراءة والكتابة والأعراف الملكية، ليس هذا فحسب بل عادة ما يجدون شخصاً مناسباً للزواج في بلاط الملك. كان أحد أغراض هذا العرف خلق الانسجام بين كبار السلطنة، ولهذا أرسل الكونت جوليان ابنته المحبوبة فلورينا إلى قصر طليطلة.

لم يكن عرش الأندلس في يد الملك بل كان يحتله الجنرال لذريق الذي استولى على العرش بعد وفاة الملك ونفى أبناءه وأقام سلطته على الدولة. يقول المؤرخ البريطاني ستانلي لين بول في هذا الصدد “على رغم أن الغيرة الملكية كانت تقتضي أن يتعامل لذريق مع فلورينا كما يتعامل مع ابنته لكن ساءت نواياه بسبب جمالها حتى غلبت عليه مشاعره ووقع بها”. حذر لذريق بعد فعلته الشنيعة فلورينا بأن تلزم الصمت وألا تبلغ أحداً بما حصل، لكنها كتبت رسالة إلى والدها أخبرته فيها بما حدث.

الصقور الأفريقية

يقول العلامة المقري إن جوليان عبر مضيق طارق على متن سفينة في البرد القارس بعد أن تلقى هذه الرسالة من ابنته. تفاجأ لذريق برؤية جوليان في تلك الأجواء الباردة، لكن الكونت أخبره بأن والدة فلورينا ترغب في رؤية ابنتها وطلب منه أن يسمح لها بمغادرة القصر.

سمح لذريق بمغادرة الأميرة عندما رأى الإصرار من جوليان لكنه طلب منها ألا تفشي سره إلى أحد، كما بالغ في إكرام جوليان وشاوره في جميع أمور الدولة استجابة لتأبين الضمير الذي كان يشعر به.

عندما حان وقت مغادرة جوليان وابنته من القصر أظهر الملك رغبته في اقتناء الصقور الأفريقية وطلب من الكونت أن يرسلها إليه، فرد عليه جوليان: “والله إن بقيت على قيد الحياة سأرسل لك صقوراً أفريقية ما رأيتها قط في حياتك”، وغادر برفقة ابنته إلى سبتة.

وفقاً للمؤرخ رينهارت دوزي، أبرم جوليان عقب هذه الحادثة صفقة مع العرب فتح بعدها أبواب مدينته لهم. وخلال لقاء جوليان بموسى بن نصير بالغ الأول في بيان خصوبة الأندلس ونضارها وثروتها وطمأنه بأن السفن البحرية الذي سيحتاجها موسى بن نصير في الهجوم على الأندلس سيعدها له جوليان.

يقول لين بول في هذا الصدد إن جوليان التقى بموسى بن نصير فور رجوعه من طليطلة، وعلى رغم أن جيوش الزعيمين كانت قد تقاتلت أكثر من مرة إلا أن جوليان أكد لموسى أن الحرب بينهما قد انتهت وأنه سيبقى حليفاً للعرب مستقبلاً.

كان موسى بن نصير متردداً في الاعتماد على جوليان على رغم تأكيده وطمأنته، فأرسل رسالة إلى الخليفة الوليد في دمشق يطلب فيها إذناً للبدء للهجوم على الأندلس، فأجاب الخليفة بألا يعرض الجيش للبحر الزخار. فأكد القائد على الخليفة أن البحر الذي يفصل أفريقيا عن الأندلس ليس بحراً زخاراً بل مضيق صغير يمكن رؤية نهايته من الساحل، فأذن له الخليفة بإرسال كتيبة صغيرة وشن هجوم استقصائي على الأندلس لمعرفة الأحوال.

أعد موسى كتيبة قوامها 500 رجل وعين رجلاً يسمى طريف قائداً لهذه الكتيبة بعد حصوله على إذن رسمي، كما أسهم جوليان في هذه الحملة بتوفير عدد من القوارب وإرشاد الكتيبة في السفر. عبرت الكتيبة المضيق إلى الجانب الأندلسي وهاجمت المناطق الساحلية، وحصلت على كثير من الغنائم والأسرى. ولا تزال مدينة طريفة الساحلية في إسبانيا تخلد اسم القائد الأمازيغي الذي قاد هذه الكتيبة.

طارق بن زياد

أصبح جوليان محل ثقة عند موسى بن نصير بعد نجاح الحملة الاستقصائية بقيادة طريف على المناطق الساحلية، وبدأ بإعداد جيش كبير لمهاجمة الأندلس. جمع موسى سبعة آلاف جندي في هذا الجيش وأرسلهم إلى البحر بقيادة طارق بن زياد عام 711 ميلادي.

يذكر العلامة المقري مساهمة جوليان في هذه الحملة، فيقول إنه أرسل هذا الجيش على متن سفن تجارية ونقله إلى ساحل الأندلس بطريقة خفية من دون أن يعرف أحد بنزولهم، وكان طارق بن زياد آخر من ينزل على الساحل. وتجمع الجيش في الجانب الأندلسي خلف جبل سمي بعد ذلك بجبل طارق على اسم قائد الجيش العربي.

كان الملك الأندلسي لذريق في طريقه لسحق تمرد شمال البلاد، وعندما تلقى نبأ الهجوم العربي شعر بضرورة حشد كل القوى ومواجهة هذا التهديد أولاً، فجمع جيشاً قوامه 100 ألف رجل وقرر قيادته بنفسه لمقابلة جيش طارق بن زياد.

عندما سمع طارق نبأ وصول هذا الجيش، طلب من موسى بن نصير مزيداً من التعزيزات، فاستجاب إلى ندائه وأرسل له خمسة آلاف جندي ليصبح العدد الإجمالي للجيش العربي 12 ألفاً. على رغم التعزيزات التي أرسلها موسى بن نصير إلا أن الأعداد – 12 ألفاً مقابل 100 ألف – لم تكن مشجعة للعرب.

تدارك طارق بن زياد الوضع وقام على الجبل وألقى خطاباً قوياً في جيشه ألهم فيه الجنود بالقتال وأعطاهم الأمل في الغنائم. يصف العلامة المقري جنود طارق بن زياد فيقول “إنهم كانوا جميعهم أقوياء وشجعان وحريصين على غنائم الحرب”.

شرح طارق بن زياد التحديات التي كانوا يواجهونها ووعظهم بتحمل الشدائد في سبيل الله كما أرغبهم في ثروات الأندلس ونسائها. ذكر العلامة المقري خطاب طارق بن زياد الذي حث فيه جيشه على القتال وذكرهم بأن الخليفة اصطفاهم لهذه الحملة لشجاعتهم، وأن كل ما في هذه الجزيرة بين أيديهم، وأنهم سيواجهون فرسان الأندلس لكنهم لو انتصروا عليهم سينالون من أموالهم ونسائهم، كما ذكرهم بالأجر العظيم الذي سينالونه لأنهم يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله وظهور الدين.

استعد الجيش الإسلامي بعد خطاب قائده لقتال لذريق وجيشه، إلا أن الدور المحوري الذي قلب موازين القوى لعبه أبناء الملك الأندلسي السابق الذين كانوا أولاً في جيش لذريق لكنهم انضموا بعد ذلك إلى جيش طارق بن زياد. اندلعت الحرب بين الجيشين في أغسطس (آب) 711 ميلادي، وهزم الجيش العربي الإسلامي “لذريق” بسهولة.

يقول المؤرخون عن مصير لذريق بعد الحرب إنه فر من ساحة القتال وغرق في مستنقع مع حصانه، ولم يتم العثور إلا على حذاء ذهبي على سطح المستنقع الذي أثبت أنه مات غرقاً. فتحت أبواب الأندلس أمام جيش طارق بن زياد بعد الانتصار في هذه المعركة وصارت المدن تسقط في أيديهم واحدة تلو الأخرى.

فلورينا بين التاريخ والأسطورة

جميع كتب التاريخ تذكر قصة الأميرة فلورينا، ويقول المؤرخون إن تاريخ الأندلس لا يكتمل من دون ذكر هذه القصة، إلا أن بعض المؤرخين يقولون إنها مجرد أسطورة.

يعتبر رأي مؤلف قصة المورسيكين في إسبانيا لين بول مهماً في هذا الصدد، إذ يقول: “نقلت هذه القصة من دون أن أشهد بصدقها، فلورينا جزء مهم في الفصل الابتدائي من فصول تاريخ الأندلس ولا يمكن تجاهلها”.

ويتابع قوله: “حتى لو نسلم أن هذه القصة مجرد أسطورة فإن خيانة والدها (لملك الأندلس لذريق) حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها.”

عن “اندبندنت أوردو”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post رونالدو يتوقع أن يصبح الدوري السعودي ضمن الـ 5 الأفضل في العالم
people doing a rally while holding ukraine flag Next post كيف أثرت حرب أوكرانيا على واقع الأمن والإرهاب الدولي؟